PHP Warning: Invalid argument supplied for foreach() in ..../includes/class_postbit_alt.php(474) : eval()'d code on line 94

PHP Warning: Invalid argument supplied for foreach() in ..../includes/class_postbit_alt.php(474) : eval()'d code on line 94

PHP Warning: Invalid argument supplied for foreach() in ..../includes/class_postbit_alt.php(474) : eval()'d code on line 94

PHP Warning: Invalid argument supplied for foreach() in ..../includes/class_postbit_alt.php(474) : eval()'d code on line 94

PHP Warning: Invalid argument supplied for foreach() in ..../includes/class_postbit_alt.php(474) : eval()'d code on line 94

PHP Warning: Invalid argument supplied for foreach() in ..../includes/class_postbit_alt.php(474) : eval()'d code on line 94

PHP Warning: Invalid argument supplied for foreach() in ..../includes/class_postbit_alt.php(474) : eval()'d code on line 94

PHP Warning: Invalid argument supplied for foreach() in ..../includes/class_postbit_alt.php(474) : eval()'d code on line 94

PHP Warning: Invalid argument supplied for foreach() in ..../includes/class_postbit_alt.php(474) : eval()'d code on line 94

PHP Warning: Invalid argument supplied for foreach() in ..../includes/class_postbit_alt.php(474) : eval()'d code on line 94

PHP Warning: Invalid argument supplied for foreach() in ..../includes/class_postbit_alt.php(474) : eval()'d code on line 94

PHP Warning: Invalid argument supplied for foreach() in ..../includes/class_postbit_alt.php(474) : eval()'d code on line 94

PHP Warning: Invalid argument supplied for foreach() in ..../includes/class_postbit_alt.php(474) : eval()'d code on line 94

PHP Warning: Invalid argument supplied for foreach() in ..../includes/class_postbit_alt.php(474) : eval()'d code on line 94

PHP Warning: Invalid argument supplied for foreach() in ..../includes/class_postbit_alt.php(474) : eval()'d code on line 94

PHP Warning: Cannot modify header information - headers already sent by (output started at ..../includes/class_core.php:3735) in ..../external.php on line 865

PHP Warning: Cannot modify header information - headers already sent by (output started at ..../includes/class_core.php:3735) in ..../external.php on line 865

PHP Warning: Cannot modify header information - headers already sent by (output started at ..../includes/class_core.php:3735) in ..../external.php on line 865

PHP Warning: Cannot modify header information - headers already sent by (output started at ..../includes/class_core.php:3735) in ..../external.php on line 865

PHP Warning: Cannot modify header information - headers already sent by (output started at ..../includes/class_core.php:3735) in ..../external.php on line 865
منتديات غيمة عطر https://www.g-3e6r.com/vb/ ar Tue, 23 Apr 2024 19:54:18 GMT vBulletin 60 http://g-3e6r.com/vb/g-3e6r-2023/misc/rss.jpg منتديات غيمة عطر https://www.g-3e6r.com/vb/ إن فقدت مكان بذورك التي بذرتها يوما ما سيخبرك الغيث أين زرعتها https://www.g-3e6r.com/vb/showthread.php?t=21913&goto=newpost Tue, 23 Apr 2024 04:55:12 GMT صورة:...
إن فقدت مكان بذورك التي بذرتها يوما ما سيخبرك الغيث أين زرعتها 1649177787233?e=2147

رجل ينقل عن ابيه يقول ذهبت مع أبي قبل خمسين
سنة الى الحج بصحبة قافلة من الجمال وعندما تجاوزنا
منطقة يقال لها عفیف قال لي أبي أنزلني من البعير
ياولدي لاقضي،، حاجتي فأنزلته من البعير وذهب
ليقضي حاجته ، وقال لي أبي ،أذهب ياولدي مع القافلة
وسوف ألتحق بكم عندما أكمل حاجتي وذهبت مع
القافلة ، وبعد فترة ، نظرت خلفي وجدت القافلة
قد بعدت كثيرا عن أبي ، فرجعت جاريا على قدمي
فحملت أبي على كتفي ثم أنطلقت الى القافلة
وأنا أمشي أحسست برطوبة نزلت على وجهي
وتبين أنها دموع أبي ونظرت الى وجه أبي
فوجدته يبكي فقلت له يا أبي والله والله أنك أخف
على كتفي من الريشة
فقال الاب:ليس لهذابكيت يا ولدي
ولكن بكيت لانني في هذا المكان
حملت ، أبي ع كتفي قبل ثلاثين سنة
عندما أراد أن يحج وانت الأن تحملني ع كتفيك ياولدي
إن فقدت مكان بذورك التي بذرتها يوما ما سيخبرك
الغيث أين زرعتها
ومن بدأ بالعطية من غير طلب
وأكمل المعروف من غير أمتنان
فقد أكمل الاحسان
إن فقدت مكان بذورك التي بذرتها يوما ما سيخبرك الغيث أين زرعتها ezgif-5-708d7d38d9.g
الموضوع الأصلي : إن فقدت مكان بذورك التي بذرتها يوما ما سيخبرك الغيث أين زرعتها     -||-     المصدر :     -||-     الكاتب : ادلع على كيفي

Yk tr]j l;hk f`,v; hgjd f`vjih d,lh lh sdofv; hgyde Hdk .vujih

]]>
عطر المواضيع العامة ادلع على كيفي https://www.g-3e6r.com/vb/showthread.php?t=21913
كل النباتات تدرك مدى جماله وروعته https://www.g-3e6r.com/vb/showthread.php?t=21912&goto=newpost Tue, 23 Apr 2024 04:51:03 GMT الورد بجماله وبهائه وجماهريته لا يتعالى ولا يشعر الآخرين بتفوقه كل النباتات تدرك مدى جماله وروعته ولا يبخل على كل ورقه خضراء تطل برأسها إليه حتى...

الورد بجماله وبهائه
وجماهريته
لا يتعالى ولا يشعر الآخرين بتفوقه
كل النباتات تدرك مدى جماله وروعته
ولا يبخل على كل ورقه خضراء
تطل برأسها إليه حتى قطرات الندى
لذلك أدركنا أن الورد يستحق الجمال
أرأيتم كيف يكون الجمـــال ..الجمــال هو جمــال
الدواخل والسرائر ..جمــال المضمون والجوهر
إن الأريج من دواخل الورد !
أن من يستحق الجمال
وعبارات الثناءوأطنان المديــح
من يكون له مع الورد لغات مشتركه
في جماله ، وشعبيته ، وجماهريته
ومع ذلك للتواضع عنده مكان أحترام
يؤمن أن الجوهر هو المعنى
وبه تقاس الموازين
وتقام عليه المقاييس
فليكن لنا مع الورد
لنعلم حقا ً لما الورد يستحق ذلك الجمال
لنعيش ترجمان الواقع المجرد من أكاذيب
بشريه... نحن من وضعها
ومن آمن بها ونحن من يحضنها
فالجمال هو جمال الجوهـــر
ومهما وصلت تلك النفس
لابد تجعل لها من الأرض مكان للسير
وليس بين سحب الوهم
وسماء السراب !
كلما علونا لأعلى ،نشخص بأبصارنا
لأسفل... لندرك
أن الأرض هي من نمشي عليها
وليس بين أفق الغرور
ونجوم الكبر
ولنمشي بهدوء حتى تتحملنا الأرض
الموضوع الأصلي : كل النباتات تدرك مدى جماله وروعته     -||-     المصدر :     -||-     الكاتب : ادلع على كيفي

;g hgkfhjhj j]v; l]n [lhgi ,v,uji

]]>
عطر المواضيع العامة ادلع على كيفي https://www.g-3e6r.com/vb/showthread.php?t=21912
سفن تائهة في بحار الحياة https://www.g-3e6r.com/vb/showthread.php?t=21911&goto=newpost Tue, 23 Apr 2024 04:42:21 GMT و لا تزال في دوامة التيه ، و مِن هذه السفن : 1- سفينة المتهاونون في صلواتهم : ركاب هذه السفينة هم أضنك الناس ، نفوسهم ضائقة و...
و لا تزال في دوامة التيه ،


و مِن هذه السفن :


1- سفينة المتهاونون في صلواتهم :

ركاب هذه السفينة هم أضنك الناس ،
نفوسهم ضائقة و ساعاتهم ضائعة
لو أعيطتهم مال قارون و كنوز كل هذا الكون لن تتغير أحوالهم ،
و كما قال العلي العظيم :
(وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا

وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ ) .
.
2- سفينة المتكبرون :
من يصعد هذه السفينة لا تتوقع أن تراه يبتسم كثيرًا ،
لأنه يعتقد أن بابتسامته جرح لكبريائه ،
و لتواضعهِ انحطاط لقدره ،
لا تجده يحادث أحدًا
يعيش في عزلته منطويًا و يظن أنه الله ميّزَه عن غيره
و أنه في مستوى مختلف تمامًا عن باقي البشر ،
و هو على الأغلب لا يملك أي شيءٍ
إلّاغروره المسكين .


3- سفينة المـُحبِطون :
مجموعة من البشر تبحث عن حجج لتغطية فشلها ،
انهزاميةً إلى أبعد مما تتصور ،
لا تطيق أن ترى ناجحًا ،
لذلك شغلت لنفسها وظيفة اثباط الآخرين و ثنيهم عن أحلامهم ،
يخترعون قصصًا وهميةً
و عقبات من مخيلة رؤوسهم
ليبثوا اليأس في نفوس غيرهم
و لو التفتوا الى حالهم لأقاموا اعوجاجهم .


4- سفينة الحاسدون
إن صادفت أحدهم :
توجب عليك قراءة المعوذات و الكُرسي ،
هؤلاء لديهم من الخير ما يكفي ليعيشوا دون قلق ،
لكنهم لا ينظرون إلى ما بين أيديهم
عيونهم تجدها دائمًا في ما يمتلكه الاخرين ،
لا يذكرون الله مع ذكرهم ما لديك
يحللون حياتك من الألف الى الياء ،
لذلك لا تتحدث معهم في ما وهبك الله اياه إطلاقًا .


5- سفينة البخلاء
رواد هذه السفينةِ هُم الأغرب على الاطلاق ،
لا تعلم لماذا يحتفظون بكل تلك الثروة و لمن ؟؟
حياتهم أكثر سوءاً من حياة الفقراء
و هم يناطحوا الأغنياء ثراء ،
يعيشون في ضائقة و لا تجد لديهم الا الماء و الهواء
و لو كانوا بدراهم معدودة لن تجدهما ،
يرتدون الملابس نفسها لأعوام
و حالها ممزق يُرثى له ..
هم الأغرب على الإطلاق .


6- سفينة الجاحدون
ناكروا جميل رُكاب هذه السفينة ،
مهما فعلت من أجلهم هُم لا يُقدِرونَ لك ذلك ،
على العكس يكونون ،
و يتحدثون دائمًا عن تقصيرك و هم المقصرون
لا يمكنهم العيش مرتاحي البال
لأن نظرتهم للناس على أنها لا تستحقهم
و أنهم نادرون و لو لبسوا نظاراتهم جيدًا
لـَـ رأوا زِيف ادعاءاتهم .


7- سفينة المشتاقون
اشتياقهم لم يترك لهم فرصة التقاط الأنفاس ،
يقابلهم العديد من الناس و لكنهم لا يتذكرون إلّا المفقودين ،
لا يتحدثون إلّا عن المفقودين ،
لا ينفردون مع أنفسهم إلّا لإحياء ذكرى المفقودين ،
يفتقدونهم بشدة و يعانقون صورهم ب**** ،
يغلقون منافذ الفرحة و يمنعون أنفسهم عن رؤية المستقبل ،
متعلقون بالماضي و ليتهم يعلمون أنهم
في زمن الحاضر و الماضي
من قال لهم الوداع



الموضوع الأصلي : سفن تائهة في بحار الحياة     -||-     المصدر :     -||-     الكاتب : ادلع على كيفي

stk jhzim td fphv hgpdhm

]]>
عطر المواضيع العامة ادلع على كيفي https://www.g-3e6r.com/vb/showthread.php?t=21911
آصحاب آلقلوٍب آلخضرٍآء https://www.g-3e6r.com/vb/showthread.php?t=21910&goto=newpost Tue, 23 Apr 2024 04:36:05 GMT *قلوبهم بلون الاشجار أحلامهم بنقاء الماء وخيالهم باتساع السماء لديهم قدره على التسامح بلا حدود ويتمتعون بقدرة الاغتسال بماء الاماني وقدرة الحلم... قلوبهم بلون الاشجار
أحلامهم بنقاء الماء
وخيالهم باتساع السماء
لديهم قدره على التسامح بلا حدود
ويتمتعون بقدرة الاغتسال بماء الاماني
وقدرة الحلم والانغماس فيه الى اخر قطراته

آصحاب آلقلوٍب آلخضرٍآء
لاينتظرون خجر الغدر من يد صافحتهم
طقوسهم وأيامهم ولوحاتهم ملونه بالتفاؤل
لايتعلمون من اخطائهم بسهولة
يكررون الاخطاء كعادات طفولية
يمنحون القلوب حولهم ثقة متناهيه
ولايلمحون اللون الاسود في الحياة


آصحاب آلقلوٍب آلخضرٍآء
يقتربون من الارواح التي تمر في حياتهم حد الالتصاق
يتعلقون بالتفاصيل والبقايا كثيرا
يرافقهم حسن النية بالاخرين دائما
يتفنون بالتماس الاعذار للغير
ولايعرف الظن السيء اليهم طريقا


آصحاب آلقلوٍب آلخضرٍآء
يتمسكون بالبدايات باصرار
ويرفضون النهايات برعب
لايستوعبون واقع الفراق سريعا
يتحايلون على الواقع بحلم
ويتحايلون على الحلم بالوهم
ولهم على خارطة الاحلام مساحات شاسعه


آصحاب آلقلوٍب آلخضرٍآء
لايعترفون بالخيانة
ولايذيقون سواهم مرارة الغدر
يبدأون بنقاء
وينتهون بوفاء
يسرق الحنين منهم جزءا كبيرا من العمر
يخلصون لحكاياتهم حتى الموت
وللامس في اعماقهم معزة خاصه


آصحاب آلقلوٍب آلخضرٍآء
يمارسون دور حمام السلام
ينشرون الحب على الارض
يسهمون في بناء مدن الفرح
يسارعون لترميم انكسار القلوب
يتحدثون بصوت النقاء والحب والحلم
يشعرونك بانهم قد اخترعوا البياض
على الارض


آصحاب آلقلوٍب آلخضرٍآء
يتمسكون بطفولتهم رغم السنوات
تبقى قلوبهم في طور الطفولة
لاتكبر اعماقهم ولاتتلوث ابدا
ترتسم ملامح الطفولة على وجوههم
أعينهم مراه صادقة لاعماقهم
تقرأ باعينهم كل ماتخفيه اعماقهم
فهم لايجيدون التخفي والاخفاء
ويفشلون في ارتداء الاقنعه


آصحاب آلقلوٍب آلخضرٍآء
لايخذلونك ابدا عند الحاجة اليهم
فهم اول من يدثر حاجتك ويسترها
وهم اول من تلمحهم عيناك عن انكسارك
وأول من ينتشلك عند غرقك بأحزانك
يمنحونك انفاسهم عند الاختناق
يحولون ايامهم الى طوق نجاة يلقونه اليك


آصحاب آلقلوٍب آلخضرٍآء
حين يحبون يحبون بعنف
وحين يخلصون يخلصون بعنف
وحين يصدمون يصدمون بعنف
وحين ينكسرون ينكسرون بعنف
وحين يبذلون يبذلون بعنف
وحين يبكون يبكون بعنف
الموضوع الأصلي : آصحاب آلقلوٍب آلخضرٍآء     -||-     المصدر :     -||-     الكاتب : ادلع على كيفي

Nwphf Ngrg,Sf NgoqvSNx

]]>
عطر المواضيع العامة ادلع على كيفي https://www.g-3e6r.com/vb/showthread.php?t=21910
نقوش مؤلمه https://www.g-3e6r.com/vb/showthread.php?t=21909&goto=newpost Tue, 23 Apr 2024 04:28:35 GMT *نشتاق دوماً* * الي الذين رحلوا دون ان نقول لهم وداعاً..* * الذين مضو دون ان يحملو معهم متاعاً* * ذاهبون حيث لايمكننا اللحاق بهم* * الماضون دون...


نشتاق دوماً
الي الذين رحلوا دون ان نقول لهم وداعاً..
الذين مضو دون ان يحملو معهم متاعاً
ذاهبون حيث لايمكننا اللحاق بهم
الماضون دون عودة .. الذين تركوا بدواخلنا جرحا لايحتمل
نفتخرا دوماً
بالذين لاينسون وان طال الزمان..
الذين نستند عليهم عند المحن
الذين بوجودهم يندثر الحزن ويزول الشجن
نتمسك دوماً
بمن هم اذا تعثرنا امسكو بايدينا مخافة السقوط..
وان هفونا كانوا لنا خير معين
وان خانتنا الطرقات كانوا لنا خير دليل
لم يتركونا يوما وماكانوا يفعلوا ذلك ..
يفتعلون الفرح لاجلنا ..ويلونون حياتنا بابهي الالوان
نتوشح بالرضا دوماً
حين لاننتظر من احد حفنة اهتمام يجودنا بها بعد نفاذ الصبر ..
حين نعي ان الاحمال التي تحني ظهور صمودنا
لابد ان نتخلص منها كي نستقيم باقي العمر
حين ندرك اننا كبرنا علي لعق جراحنا .. وان النزف لاياتي من الندب
نفرح بالقليل دوماً
برؤية اطفال يضج الفرح باعينهم حين يمرحون
وكهول مضي العمر بهم ولم يشيخ نبضهم .
.يسطرون علي جدار الايام خلاصة تجاربهم
من اجلنا واجل كل الاتين
الموضوع الأصلي : نقوش مؤلمه     -||-     المصدر :     -||-     الكاتب : ادلع على كيفي

kr,a lcgli

]]>
عطر المواضيع العامة ادلع على كيفي https://www.g-3e6r.com/vb/showthread.php?t=21909
أفضل 10 مبان مثيرة للإعجاب حول العالم https://www.g-3e6r.com/vb/showthread.php?t=21908&goto=newpost Tue, 23 Apr 2024 04:15:17 GMT * * تنتشر في جميع أنحاء العالم عشرات المباني المثيرة للإعجاب والتي تحظى أيضا بشهرة كبيرة، ومع ذلك، هناك مبان أخرى أقل شهرة ولكنها رائعة...
تنتشر في جميع أنحاء العالم عشرات المباني المثيرة للإعجاب والتي تحظى أيضا بشهرة كبيرة، ومع ذلك، هناك مبان أخرى أقل شهرة ولكنها رائعة بنفس القدر وتستحق المشاهدة.
قامت مجلة Tourism Review بتجميع قائمة تضم 10 مبان من هذا القبيل، من بينها دور عبادة وقلاع أثرية وغيرها.

جبل القديس ميشيل – فرنسا

كان دير مونت سانت ميشيل في نورماندي واحدا من أكثر مشاريع البناء اتساعا وتعقيدا وتكلفة في العصور الوسطى.

بدأ بناء الدير في عام 708 واستمر لمئات السنين حتى اكتمل في النهاية.
أفضل 10 مبان مثيرة للإعجاب حول العالم 140-212034-top-impre

يعد الخليج الذي يقع فيه الدير من المعالم السياحية الشهيرة نظرا لجغرافيته الفريدة.
يمكن رؤية مونت سانت ميشيل كجزيرة عند ارتفاع المد، ويمكن العثور هناك على أقوى المد والجزر في أوروبا.


عند انخفاض المد، يتراجع البحر لمسافة تصل إلى 15 كيلومترا من الساحل، ويمكن أن يصل الفرق في منسوب المياه إلى 14 مترا.
تم تصنيف مونت سانت ميشيل وخليجها كموقع للتراث العالمي لليونسكو منذ عام 1979.
قصر البرلمان – رومانيا

يُعرف قصر البرلمان الذي يقع في بوخارست برومانيا، بأنه ثاني أكبر مجمع مباني في العالم، بعد البنتاغون في واشنطن العاصمة، ويعتبر هذا المبنى الأثقل في العالم، إذ يبلغ وزنه حوالي 4.1 مليون طن، وهو ما يقدر بحوالي 4.1 مليون طن. لتكون أثقل بأربع مرات من كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان.
أفضل 10 مبان مثيرة للإعجاب حول العالم 140-212034-top-impre

تم استخدام حوالي 700 ألف طن من الفولاذ، و550 ألف طن من الأسمنت، و3500 طن من الكريستال في تشييد هذا المبنى.
بالإضافة إلى ذلك، تم تركيب مليون متر مكعب من الرخام من ترانسيلفانيا و900 ألف متر مكعب من الخشب. يضم قصر البرلمان 5100 غرفة و200 دورة مياه، وتبلغ مساحته 65 ألف متر مربع.
تم بناء قصر البرلمان في بوخارست في الفترة من 1983 إلى 1989 وفقا لأفكار نيكولاي تشاوشيسكو، الرئيس الروماني.
هوا محل – الهند

يعد قصر الرياح، المعروف أيضا باسم هوا محل، أحد المعالم الشهيرة لمدينة جايبور الهندية وأحد المباني الأكثر إثارة للإعجاب في العالم.
تم تشييده عام 1799 واستخدمته سيدات انتظار مهراجا ساواي براتاب سينغ (1778–1803) لمشاهدة الأنشطة في الشارع دون الكشف عن وجودهن.
أفضل 10 مبان مثيرة للإعجاب حول العالم 140-212035-top-impre

يبلغ ارتفاع واجهة المبنى المطلة على الشارع حوالي 15 مترا، وتحتوي على 953 نافذة ذات قضبان مصممة بشكل معقد تضمن دوران الهواء بشكل مستمر. النوافذ الشبكية، المعروفة باسم الجاليس، مكنت السيدات من مراقبة الشارع دون أن يلاحظهن أحد.
شاتو فرونتيناك – كندا

يقع فندق شاتو فرونتيناك الفاخر في مدينة كيبيك القديمة، وهي إحدى مناطق الجذب الرئيسية في المدينة.
أصبحت القلعة جزءا من سلسلة فنادق ومنتجعات فيرمونت منذ أكتوبر/تشرين الأول 2001 وتعتبر واحدة من أكثر الفنادق الفاخرة تميزا في كندا.
أفضل 10 مبان مثيرة للإعجاب حول العالم 140-212035-top-impre

بالإضافة إلى ذلك، يشتهر فندق شاتو فرونتيناك بأنه أحد أكثر الفنادق التي تم تصويرها في العالم.
تم تسمية الفندق على اسم لويس دي بواد (1622–1688)، كونت فرونتيناك وبالواو، أهم حاكم لمستعمرة فرنسا الجديدة الفرنسية.
تم بناؤه من عام 1892 إلى عام 1893 كفندق نموذجي للسكك الحديدية للمحيط الهادئ الكندية.
مسجد ناصر الملك – إيران

مسجد ناصر الملك أو المسجد الوردي يقع في شيراز، تتميز واجهة المسجد ببلاط وردي ملون وزجاج نوافذ.
أفضل 10 مبان مثيرة للإعجاب حول العالم 140-212035-top-impre

يصف الزوار التصميم الداخلي بأنه مثير للإعجاب للغاية، حيث يخلق الزجاج الملون وضوء الشمس قوس قزح نابض بالحياة من الألوان.
بدأ بناء المسجد في عام 1876 في عهد ميرزا ​​حسن علي في عهد أسرة قاجار واستمر حتى عام 1888.
قصر بوتالا – التبت

في قلب عاصمة التبت يقع قصر بوتالا، الذي ظل المركز الديني والسياسي للتبت لعدة قرون. وكان أيضا المقر الرسمي ومقر الحكم للدالاي لاما. يقع القصر على الجبل الأحمر، ويُعتقد أنه أعلى مجمع بناء في العالم.
أفضل 10 مبان مثيرة للإعجاب حول العالم 140-212036-top-impre

يبلغ طول الجزء الرئيسي من القصر 117 مترا، ويمتد لمسافة 350 مترا. ويضم أكثر من 1000 غرفة موزعة على 13 طابقا وتبلغ مساحته حوالي 130 ألف متر مربع.
للوصول إلى القصر الأحمر، يجب على المرء أن يصعد 365 درجة من بوابة بوتالا.
كنيسة هالجريم _ أيسلندا

كنيسة هالجريم هي نصب تذكاري وطني في أيسلندا مخصص للشاعر الآيسلندي الشهير Hallgrأ*mur Pétursson.
كنيسة هالجريم هي أكبر كنيسة في أيسلندا وتقف شامخة في وسط ريكيافيك، ويصل ارتفاع برجها إلى 73 مترا.
أفضل 10 مبان مثيرة للإعجاب حول العالم 140-212036-top-impre

تم بناء هذا المركز الديني بين عامي 1945 و1986، ويوفر برج الكنيسة إطلالة مذهلة على ريكيافيك والجبال المحيطة والبحر الممتد إلى جرينلاند وأمريكا في الغرب.
سانتواريو دي نوسترا سينيورا دي لاخاس – كولومبيا

"سانتواريو دي نوسترا سينيورا دي لاخاس" أو موقع الحج لسيدة لاس لاخاس، هو موقع حج كاثوليكي روماني معروف وهو موجود في شكله الحالي منذ عام 1949.
أفضل 10 مبان مثيرة للإعجاب حول العالم 140-212036-top-impre

وتقع الكنيسة على بعد حوالي 10 كيلومترات من الحدود الإكوادورية، في مضيق ريو غوايتارا، الواقع في جنوب كولومبيا.
اشتهر موقع الحج منذ قرون. وفي وقت لاحق، في القرن العشرين، تم بناء الكنيسة على هذا الموقع لتلبية احتياجات الحجاج.
دير شوانكونغ سي – الصين

يقع الدير المعلق في مجتمع دونغفانغتشنغ الصيني، وهو معلق على ارتفاع 50 مترا فوق سطح الأرض. تم بناؤه على المنحدر الحاد لجبل هنغ شان.
أفضل 10 مبان مثيرة للإعجاب حول العالم 140-212037-top-impre

تم بناء هذا الدير، الذي يعد أحد أكثر المباني إثارة للإعجاب في العالم، خلال عهد أسرة وي الشمالية في القرن السادس، وهو الدير الوحيد في الصين الذي يجمع الديانات الثلاث الرئيسية في المملكة الوسطى - البوذية والطاوية والكونفوشيوسية.
كان طريق الحج من داتونغ إلى ووتاي شان، أحد الجبال الأربعة المقدسة للبوذية في الصين، يمر أسفل الدير المعلق. كان هذا الدير بمثابة محطة على طول الطريق للمسافرين.
مرصد جريفيث – الولايات المتحدة

يمكن العثور على واحدة من أفضل المناظر لمدينة الملائكة في مرصد جريفيث، وهو مرصد أمريكي يقع على بعد حوالي 300 متر.
أفضل 10 مبان مثيرة للإعجاب حول العالم 140-212037-top-impre

يمكن للزوار الاستمتاع بإطلالة بانورامية على المنطقة بأكملها، والتي تمتد من وسط لوس أنجلوس إلى خليج سانتا مونيكا والمحيط الهادئ. يمكن أيضا رؤية علامة هوليوود بسهولة من وجهة النظر هذه.
تم بناء المرصد بين عامي 1933 و1935 وخضع لعدة سنوات من التجديد قبل إعادة افتتاحه في عام 2006.




الموضوع الأصلي : أفضل 10 مبان مثيرة للإعجاب حول العالم     -||-     المصدر :     -||-     الكاتب : عذبة المعاني

Htqg 10 lfhk ledvm ggYu[hf p,g hguhgl

]]>
عطر الغرائب والعجائب عذبة المعاني https://www.g-3e6r.com/vb/showthread.php?t=21908
كنيسة العظام في التشيك https://www.g-3e6r.com/vb/showthread.php?t=21907&goto=newpost Tue, 23 Apr 2024 04:09:49 GMT
في جمهورية التشيك أحدث معلم جاذب للسياح يفرض قيوداً للتصوير الفوتوغرافي.
ويُعرف المعبد الذي يقع أسفل كنيسة "Church of All Saints" على بعد حوالي 45 ميلا خارج مدينة براغ، باسم "كنيسة العظام"، وذلك بسبب زينته غير المعتادة


واستُخدمت العظام التي اكتُشفت في الموقع لإنشاء عناصر زخرفية، ومن أشهرها ثريا ضخمة.

كنيسة العظام في التشيك 137982.jpg



تُعرف كنيسة "سيدليك" في جمهورية التشيك باسم "كنيسة العظام". Credit: Michal Cizek/ Stringer/Getty Ima



وإن زينة المعبد الأرضي غير التقليدي جذب العديد من السياح حول العالم لبلدة "كوتنا هورا" الريفية الهادئة.
ومع ذلك، أصبح تدفق الزوار سلاحاً ذو حدّين في عصر موقع "إنستغرام".



كنيسة العظام في التشيك 137983.jpg



تُعرف كنيسة "سيدليك" في جمهورية التشيك باسم "كنيسة العظام". Credit: Michal Cizek/ Stringer/Getty Images وقالت مديرة أبرشية "سيدليك"، رادكا كريجي، في مؤتمر إعلامي في جمهورية التشيك إن التصوير الفوتوغرافي في المعبد سيكون مقيداً بشدة اعتباراً من عام 2020.
وقالت كريجي: "نحن نؤمن أن زوارنا سيحترمون هذا القرار، وفي الوقت ذاته، سيفهمون الأسباب التي أدت بنا إلى هذه الخطوة".

كنيسة العظام في التشيك 137984.jpg



تُعرف كنيسة "سيدليك" في جمهورية التشيك باسم "كنيسة العظام". Credit: Michal Cizek/ Stringer/Getty Images ووفقاً لكريجي، زار نصف مليون شخص المعبد في عام 2017، وهو رقم من المتوقع ارتفاعه.
ولن يكون هناك منع كامل للتصوير، ولكن، سيحتاج الزوار الذين يرغبون في التقاط الصور الحصول على الإذن للقيام بذلك قبل 3 أيام من الموعد المحدد.
الموضوع الأصلي : كنيسة العظام في التشيك     -||-     المصدر :     -||-     الكاتب : عذبة المعاني

;kdsm hgu/hl td hgjad;

]]>
عطر الغرائب والعجائب عذبة المعاني https://www.g-3e6r.com/vb/showthread.php?t=21907
صداقة من نوع اخر https://www.g-3e6r.com/vb/showthread.php?t=21906&goto=newpost Tue, 23 Apr 2024 04:03:01 GMT * صورة: http://up.3-zf.com/uploads/17107972433261.jpg (http://www.3-zf.com/vb/showthread.php?t=13478) صورة:...
صداقة من نوع اخر 17107972433261.jpg


صداقة من نوع اخر 171079724334362.jpg


صداقة من نوع اخر 171079724335833.jpg


الموضوع الأصلي : صداقة من نوع اخر     -||-     المصدر :     -||-     الكاتب : عذبة المعاني

w]hrm lk k,u hov

]]>
عطر الغرائب والعجائب عذبة المعاني https://www.g-3e6r.com/vb/showthread.php?t=21906
أفكار التخصيص الأكثر غرابة على الإطلاق https://www.g-3e6r.com/vb/showthread.php?t=21905&goto=newpost Tue, 23 Apr 2024 03:58:50 GMT * *صورة: https://abunawaf.com/wp-content/uploads/2019/05/2-أفكار-التخصيص.jpg صورة:...
أفكار التخصيص الأكثر غرابة على الإطلاق 2-أفكار-التخصيص.jpg

أفكار التخصيص الأكثر غرابة على الإطلاق 1-أفكار-التخصيص.jpg

أفكار التخصيص الأكثر غرابة على الإطلاق 3-أفكار-التخصيص.jpg

أفكار التخصيص الأكثر غرابة على الإطلاق 4-أغرب-التعديلات.jpg

أفكار التخصيص الأكثر غرابة على الإطلاق 5-أغرب-التعديلات.jpg

أفكار التخصيص الأكثر غرابة على الإطلاق 6-أغرب-التعديلات.jpg

أفكار التخصيص الأكثر غرابة على الإطلاق 7-أغرب-التعديلات.jpg

أفكار التخصيص الأكثر غرابة على الإطلاق 8-أغرب-التعديلات.jpg

أفكار التخصيص الأكثر غرابة على الإطلاق 9-أغرب-التعديلات.jpg

أفكار التخصيص الأكثر غرابة على الإطلاق 10-أغرب-التعديلات.jp

أفكار التخصيص الأكثر غرابة على الإطلاق 11-أغرب-التعديلات.jp

أفكار التخصيص الأكثر غرابة على الإطلاق 12-أغرب-التعديلات.jp

أفكار التخصيص الأكثر غرابة على الإطلاق 13-أغرب-التعديلات.jp

أفكار التخصيص الأكثر غرابة على الإطلاق 14-أغرب-التعديلات.jp

أفكار التخصيص الأكثر غرابة على الإطلاق 15-أغرب-التعديلات.jp

أفكار التخصيص الأكثر غرابة على الإطلاق 16-أغرب-التعديلات.jp

أفكار التخصيص الأكثر غرابة على الإطلاق 17-أغرب-التعديلات.jp

أفكار التخصيص الأكثر غرابة على الإطلاق 18-أغرب-التعديلات.jp

أفكار التخصيص الأكثر غرابة على الإطلاق 19-أغرب-التعديلات.jp

أفكار التخصيص الأكثر غرابة على الإطلاق 20-أغرب-التعديلات.jp

أفكار التخصيص الأكثر غرابة على الإطلاق 21-أغرب-التعديلات.jp

أفكار التخصيص الأكثر غرابة على الإطلاق 22-أغرب-التعديلات.jp
أفكار التخصيص الأكثر غرابة على الإطلاق 1462172074_541.png
أفكار التخصيص الأكثر غرابة على الإطلاق 23-أغرب-التعديلات.jp
الموضوع الأصلي : أفكار التخصيص الأكثر غرابة على الإطلاق     -||-     المصدر :     -||-     الكاتب : عذبة المعاني

Ht;hv hgjowdw hgH;ev yvhfm ugn hgY'ghr

]]>
عطر الغرائب والعجائب عذبة المعاني https://www.g-3e6r.com/vb/showthread.php?t=21905
اشجآر العنكبوت https://www.g-3e6r.com/vb/showthread.php?t=21904&goto=newpost Tue, 23 Apr 2024 03:47:38 GMT *آثار جانبية غير متوقعة خلفتها الفيضانات التي غمرت أجزاء كبيرة من باكستان عام 2010، إذ زحفت ملايين العناكب واتخذت من الأشجار ملجأً لها هربا من مياه...

آثار جانبية غير متوقعة خلفتها الفيضانات التي غمرت أجزاء كبيرة من باكستان عام 2010،
إذ زحفت ملايين العناكب واتخذت من الأشجار ملجأً لها هربا من مياه الفيضانات المتزايدة
وبسبب حجم الفيضانات المرتفع اتخذت المياه فترة طويلة لتنحسر،
نسجت العناكب خلالها بيوتاً حول الأشجار الضخمة لتمنحها منظراً مخيفاً يوحي إلى الأشباح

توقع سكان إقليم السند في تلك الفترة ارتفاع عدد البعوض نظرا لكمية المياه الراكدة في المنطقة،

ولكنهم تفاجؤوا بتقلص عددها بعدما وقعت في شباك العناكب التي ساهمت بشكل كبير من الحد من مخاطر الملاريا
التي يسببها البعوض في مثل هذه الكوارث

يشارإلى أن هذه الظاهرة فريدة من نوعها ولم تحدث من قبل
في اي مكان آخر

اشجآر العنكبوت tree-cocoons4[2].jpg

اشجآر العنكبوت 631690-wagga-webs.jp

اشجآر العنكبوت tree-cocoons1[2].jpg

اشجآر العنكبوت tree-cocoons3[2].jpg
الموضوع الأصلي : اشجآر العنكبوت     -||-     المصدر :     -||-     الكاتب : عذبة المعاني

ha[Nv hguk;f,j

]]>
عطر الغرائب والعجائب عذبة المعاني https://www.g-3e6r.com/vb/showthread.php?t=21904
مسلمات في عالم السياسة اعتلين العروش وقدنا الجيوش https://www.g-3e6r.com/vb/showthread.php?t=21903&goto=newpost Tue, 23 Apr 2024 03:25:59 GMT


في "اليوم العالمي للمرأة" الموافق للثامن من مارس/آذار من كل عام؛ يستعيد كثيرون في العالم لحظة يؤرَّخ بها لبداية الاحتفاء بهذا اليوم، عندما خرجت 15 ألف امرأة عام 1908م إلى شوارع مدينة نيويورك الأميركية للمطالبة بتقليل عدد ساعات العمل وزيادة الأجور ونيل حق التصويت في الانتخابات.
وفي مقابل نظر العالم إلى ما قبل قرن واحد فقط متأملا مظاهرة تنشد عدالة العمل؛ هناك من قد يحلو له أن يتجه بذاكرته إلى قرون خلت ليرى أن المرأة -في ظل الحضارة الإسلامية وعلى الصعيد الواقعي- تخطت أحيانا كثيرة ما هو أهم وأعظم من عدالة الوقت أمام آلة، رغم كل ما يمكن تسجيله من سلبيات تاريخية طبعت أوضاعها في العموم.
إن إلقاء نظرة فاحصة على ذلك التاريخ سيستعيد -بلا ريب- شهادات موثقة لعدد وافر من علماء الإسلام وهم يشيدون بالمهارات السياسية والإدارية لنساء انخرطن في إدارة الدول مشاركة أو انفرادا، فحقق نجاحات ارتقى بعضها إلى مستوى تغير معه تاريخ دول وأقاليم وتبدلت مصائر أمم وشعوب، على نحو ما يرويه هذا المقال.
إن عبارات من قبيل "ساست السيدة المُلك ودبّرت الأمور أعظم من الرجال" إنما تستمد قيمتها من كونها جاءت من أئمة في علوم الشريعة حديثا وفقها وقضاءً، لا من مجرد رأي أو تحليل لمؤرخ عادي؛ إنها من فقيه يعلم ما هو مستقر نظريا في المذاهب الفقهية بشأن إسناد "الولايات العامة" إلى المرأة، ويعلم حجم الحساسية الفقهية بل والاجتماعية من الزعامة النسوية.
لكن كل ذلك لم يمنع هؤلاء الأئمة الثقات الأثبات -وإن كانت انطباعاتهم الخاصة ليست حجة شرعية- من أن يسجلوا تلك الإشادات بالكفاءة السياسية لدى طيف واسع من النساء المسلمات، ارتقيْنَ العروش أو كنّ -لأسباب عديدة- وصيّاتٍ على من ارتقاها من الذكور، حتى إن إحداهن "دبرت الأمور أعظم من الرجال"!!
إن مناقشتنا -في هذا المقال- لموضوع تاريخ تولي المرأة السلطة في الدول الإسلامية -في شتى الأقاليم ومن كل العرقيات وطوال ألف سنة- لا يقترب من الجدل الفقهي المعروف بشأن "ولاية المرأة"، وإنما يبحث هذه الظاهرة في بُعدها التاريخي العملي، وما "جرى به العمل" أحيانا كثيرة في حياة الناس داخل الحضارة الإسلامية، ونقله المؤرخون -ومعظمهم من المحدّثين والفقهاء- بأمانة وحياد، ودون نكير أو استغراب في أغلب الحالات.
والواقع أن ما يوصل إليه الرصد التاريخي في هذه القضية يؤكد أن باب القيادة السياسية ظل مفتوحا عمليا أمام النساء من كل الفئات في المجتمع الإسلامي، سواء من خلال القيادة المباشرة أو من خلف الحُجُب بمختلف أنواعها، بل ووصل الأمر بهن إلى قيادة مراكز حضارية في العراق ومصر وفارس والهند.
ولا يأتي هذا الأمر من فراغ؛ فحضور المرأة تاريخيا في المجال العام الإسلامي يعدّ مقدمة طبيعية لتلك الظواهر التي نناقشها في هذا المقال، فقد حضرن في حلقات العلم ودوائر الإفتاء، ومجالس الأدب والشعر، ومناشط البِرّ والإحسان. وذلك من اللحظات الأولى لإسنادهن رسالة الإسلام وهي تلامس الأرض أول مرة بمكة، وحتى تدبيرهن مملكة بهوبال الإسلامية وسط شبه القارة الهندية.
مسلمات في عالم السياسة اعتلين العروش وقدنا الجيوش 0002.jpg?w=770&q
سوابق هادية
فتح الإسلام -منذ انبلاج أنواره وحيا سماويا وهديا نبويا- للنساء أبواب المشاركة في الشأن العام تعلما وسياسة وجهادا ومساءلةً عن الحقوق ودفعا للمظالم؛ فقد جاء في ’صحيح البخاري’ أن النساء قلن للنبي ﷺ ذات يوم "غلبنا عليك الرجال! فاجعل لنا يوما من نفسك، فوعدهن يوما لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن". وقد أثنى ﷺ على نساء الأنصار خيرا وشجعهن على روح الاقتحام لطلب العلم والسؤال عما يعرض لهن من قضايا.

وبلغت المساءلة النسائية والحضور الأنثوي ذروتهما في المدينة النبوية يوم تكلمت واحدة منهن أمام الرسول الكريم ﷺ باسم نساء الدنيا كلها بصفتها مندوبتهن إليه؛ إذ أتت أسماء بنت يزيد الأنصارية (ت 69هـ/689م) النبي ﷺ وهو بين أصحابه، فقالت: بأبي أنت وأمي، إني وافدة النساء إليك، واعلم -نفسي لك الفداء- أما إنه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا أو لم تسمع إلا وهي على مثل رأيي"!!
وبعد تثبيت دورها مندوبة عن نساء عصرها؛ قدمت أسماء عريضتها المطلبية فقالت: "إن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء فآمنا بك وبإلهك الذي أرسلك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم..، وإنكم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجمعة والجماعات..، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل منكم إذا أخرج حاجا أو معتمرا ومرابطا حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا لكم أثوابا، وربينا لكم أولادكم، فما نشارككم في الأجر يا رسول الله؟!".
وقد قابل النبي ﷺ هذه المرافعة القوية بالإعجاب "فالتفت إلى أصحابه بوجهه كله، ثم قال: «هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مسألتها في أمر دينها من هذه؟!»، فقالوا: يا رسول الله، ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا، فالتفت النبي ﷺ إليها، ثم قال لها: «انصرفي أيتها المرأة، وأعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعُّل إحداكن لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته تعدل ذلك كله». قال: فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشارا"؛ كما في رواية الإمام المحدِّث أحمد بن الحسين البيهقي (458هـ/1067م) في ’شُعَب الإيمان’.
وفي العهد الراشدي؛ واصلت المرأة المسلمة حضورها في الشأن العام استشارة وتنفيذا، لا سيما في عهد عمر الفاروق (ت 23هـ/645م) الذي عرف استقرارا داخليا كبيرا فكان للنساء حضورهن المعتبر في المجال العام.
فقد تصدت له إحدى الصحابيات -بعد أن صار خليفة للمسلمين- أثناء خطبة له فوق منبر رسول الله ﷺ حين أمر بتقليل مهر النساء؛ "فقالت: يا عمر، يعطينا الله وتَحرمنا [أنت]! أليس الله سبحانه وتعالى يقول: (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا)؟ فقال عمر: أصابت امرأة وأخطأ عمر..، وترك الإنكار" في شأن المهور؛ كما في ’الجامع لأحكام القرآن’ للإمام أبي عبد الله القرطبي (ت 671هـ/1272م).
وما كان الفاروق عمر ضد النساء؛ فقد حفظ لنا التاريخ أنه كان يقدم الصحابية الشفاء بنت عبد الله القرشية (ت 20هـ/642م) "في الرأي ويرضاها ويفضلها، وربما ولاها شيئا من أمر السوق"، لأنها "كانت من عقلاء النساء وفضلائهن، وكان رسول الله ﷺ يأتيها ويقيل عندها في بيتها"؛ حسب رواية الإمام ابن عبد البر (ت 463هـ/1071م) في كتابه ’الاستيعاب’.
لقد شهدت سفارة المرأة لقومها ونذارتها للحُكّام تحوّلا هائلا فيما بعد الخلافة الراشدة انتبه لقيمته الأدبية والفكرية والسياسية الأقدمون، فضمنوه ثنايا الموسوعات أو أفردوه بالتأليف مثل كتاب ’أخبار الوافدات من النساء على معاوية بن أبي سفيان’ للعباس بن بكار الضبّي (ت 222هـ/837م)، فهذا السِّفْر الصغير يعرض لنا صورا حية من تاريخ المشاركة القوية للمرأة سياسيا وفي الحروب التي قامت حفاظا على الخلافة الراشدة ومناوأةً لتحوّل الحكم الإسلامي إلى ملك جبري عضوض.
مسلمات في عالم السياسة اعتلين العروش وقدنا الجيوش طµظˆط±-ظ…ظ†-ط§ظ„طھط§تعزُّز ورسوخ
ويتقدم الزمان فتتعزز أكثر مشاركة النساء في السلطة وتدبير الشأن العام، حتى إنه لم تخلُ أغلبية الدول الإسلامية في المشرق والمغرب من وجود امرأة تشارك في الحكم بأحد مستويات ثلاثة: أن تنتزع من رجال الدولة الاحترام لآرائها فتكون مستشارة مؤتمنة، أو تزاحمهم في تصريف الشؤون العامة تخطيطا وتنفيذا، أو تغالبهم على العروش فتتولى بنفسها زمام القيادة والتفرد بالسيادة.

ففي صدر الدولة العباسية؛ كانت فاطمة بنت علي بن عبد الله بن عباس (توفيت بعد 136هـ/754م) عمة الخليفتين السفاح (ت 136هـ/754م) والمنصور (ت 157هـ/775م) "امرأة حازمة.. وكان إخوتها وبنو إخوتها -أبو العباس أمير المؤمنين وأبو جعفر المنصور أمير المؤمنين- وغيرهم يكرمونها، ويعظمونها ويبجلونها لحزمها وعقلها ورأيها"؛ كما يخبرنا ابن عساكر (ت 571هـ/1175م) في ’تاريخ دمشق’.
وحين تولى هارون الرشيد (ت 193هـ/809م) الخلافة؛ فوّض تدبير شؤونها تفويضا مطلقا إلى وزيره يحيى بن خالد البَرْمَكي (ت 190هـ/806م)، وقال له: "ولَّيتُك أمرَ الرعية، وخلعتُ ذلك من عنقي وجعلته في عنقك، فولِّ مَنْ رأيتَ، واعزل من رأيتَ"!!
ومع هذه السلطة التفويضية المطلقة للوزير البرمكي؛ فإن أمه الخَيْزران (ت 173هـ/789م) كانت حاضرة في تدبير خلافته الممتدة من الجزائر غربا إلى الصين شرقا، فقد كانت "هي المشاوَرةَ في الأمور كلها، لا يقطع يحيى بن خالد أمرا حتى يشاورها فيما يُبْرِمه ويحلّه ويمضيه ويُحْكِمه"؛ وفقا للإمام ابن كثير (ت 774هـ/1372م) في ’البداية والنهاية’.
كما أن الرشيد نفسه كان يشاور أمه من الرضاعة أم جعفر بن يحيى البَرْمَكي (توفيت بعد 193هـ/809م) "مظهرا لإكرامها والتبرّك برأيها، وكان آلَى (= أقسَم) وهو في كفالتها أن لا يحجبها، ولا استشفعته لأحد إلا شفّعها، وآلت (= أقسَمت) عليه أم جعفر أن لا دخلت عليه إلا مأذونا لها، ولا شفعت لأحد لغرض دنيا. قال سهل: فكم أسير فكّت، ومبهَم عنده فتحت، ومستغلق منه فرّجت"؛ كما في ’العقد الفريد’ لابن عبد ربه الأندلسي (ت 328هـ/940م).
وقد كان نفوذ الخيزران العظيم -في دولة ابنها الرشيد- فاتحةً لمسار طويل من التحكم النسوي في دوائر السلطة، وصلت فيه الجواري الإماء إلى أقصى ما يمكن أن تصل إليه المرأة العربية أو المسلمة الحُرَّة، وهو أن تحظى بأن تكون أمًّا للسلاطين الحكّام وصانعة للوزراء العظام، حتى إنه من أصل 37 رجلا عباسيا تولوا منصب الخلافة ببغداد لا نجد إلا ثلاثة كانت أمهاتهم من "الحرائر"، وهم: السفاح (ت 136هـ/754م)، والمهدي بن المنصور (ت 169هـ/786م)، والأمين بن الرشيد (ت 198هـ/813م).
وفي أقصى الغرب الإسلامي تبرز ظاهرة حضور النساء في الحكم عبر المشورة والرأي؛ فنجد زينب بنت إسحق النفزاوية (ت 464هـ/1072م) زوجة المؤسس الفعلي لدولة المرابطين الأمير يوسف بن تاشفين (ت 500هـ/1106م)، والتي كانت سببا في استفراده بالجناح الشمالي من الدولة.
فقد وصف المؤرخ ابن الأثير (ت 630هـ/1232م) -في ’الكامل’- زينب هذه بأنها كانت "من أحسن النساء، ولها الحكم في بلاده". وعند ابن خلدون أنها "من إحدى نساء العالم المشهورات بالجمال والرئاسة"، "وأنها كان لها رياسة أمره وسلطانه".
ثم يذكر واقعة إقناعها زوجها بالانقلاب على أمير دولته الشرعي أبي بكر بن عامر اللمتوني (ت 480هـ/1087م)، وكيف خططت له لينفرد دونه بحكم المغرب ويترك له صحراء الغرب الأفريقي؛ فيقول إنها "أشارت إليه عند مرجع أبي بكر من الصحراء [إلى المغرب].. [بـ]ـإظهار الاستبداد حتى تجافى [أبو بكر] عن منازعته [في الحكم]، وخلُص ليوسف بن تاشفين ملكه" العريض بالمغرب، والذي ظل يتوسع حتى شمل الأندلس بفضل تخطيط زوجته الداهية.
وربما بالغت كتب التاريخ المتأخرة في وصف مهارات زينب النفزاوية السياسية؛ فيقول مثلا المؤرخ المغربي الناصري السلاوي (ت 1315هـ/1898م) -في ’الاستقصا‘- إن زينب كانت لزوجها السلطان يوسف "عنوانَ سعْدِه، والقائمة بملكه والمدبرة لأمره، والفاتحة عليه بحسن سياستها لأكثر بلاد المغرب"، وإنها سُميت "الساحرة" لما كانت عليه من "عقل رصين ورأي متين ومعرفة بإدارة الأمور"!!
مسلمات في عالم السياسة اعتلين العروش وقدنا الجيوش ط´ط¬ط±ط©-ط§ظ„ط¯ط±.jp
ريادة يمنية
تضرب علاقة النساء اليمنيات بالحكم والسلطان بجذور راسخة في التاريخ البشري، وحسبنا في ذلك ما أنبأنا به القرآن الكريم عن ملكة سبأ التي تسميها المصادر الإسلامية بلقيس بنت شراحيل (القرن 10ق.م)، وأنها حكمت اليمنيين "وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَىْءٍۢ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ" (النمل/ الآية: 23). أي أنها "أوتِيتْ من كلّ شيء يؤتاه الملوك في عاجل الدنيا مما يكون عندهم من العتاد والآلة"؛ وفقا للإمام الطبري (ت 310هـ/922م) في تفسيره ’جامع البيان‘.

ويتضح من القصة القرآنية أن تقاليد الحكم الرشيد القائم على الشورى ومجانبة الاستبداد كانت مرعية في دولة ملكة سبأ هذه؛ فحين جاءها كتاب النبي سليمان بن داود -عليه السلام- جمعت أعضاء مجلسها الاستشاري -الذي سمّاه القرآن "المَلَأ"- وخاطبتهم قائلة: "مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ" (النمل/ الآية: 32)؛ أي: "أشيروا عليّ في أمري الذي قد حضرني من أمر صاحب هذا الكتاب الذي ألْقِي إليّ، فجعلت المشورةَ فُتْيَا"؛ طبقا للطبري.
خلّد القرآن الكريم إذن قصة ملكة سبأ التي أسلمت وانضوت تحت لواء مملكة سليمان الواسعة، فكان ذلك تأسيسا لسابقة يمنية بالغة الدلالة تلهم -على مَرّ القرون- نساء اليمن وغيرهن من الطامحات للمشاركة في الشأن العام وتصريف شؤون الدول تدبيرا وإصلاحا.
ولذا حين جاء الإسلام ودخلت فيه قبائل اليمن أفواجا؛ سرعان ما ادّعى الأسود العنسي (ت 11هـ/633م) النبوة بإحدى قرى نجران شمالي البلاد فاجتاح العاصمة صنعاء "واستوثقت اليمن بكمالها" لسيطرته، "وجعل أمره يستطير استطارة الشرارة...، وارتدّ خلق من أهل اليمن [عن الإسلام]، وعامله المسلمون الذين هناك بالتَّقيّة" دفعا لشرّه؛ حسب ابن كثير في ’البداية والنهاية’.
وأمام هذا الحدث الخطير الذي مثّل الشرارة التي ألهمت لاحقا -بُعيد وفاة النبي ﷺ- قادة حركة الردة عن الإسلام في أنحاء عدة من جزيرة العرب؛ ما كان من رسول الإسلام ﷺ إلا أن أرسل مبعوثا له إلى اليمن "يأمر المسلمين الذين هناك بمقاتلة الأسود العنسي ومصاولته...؛ [فـ]ـتوافق المسلمون على ذلك وتعاقدوا عليه".
وتنفيذا للأمر النبوي الجازم؛ لم يَجد رجال اليمن -بقيادة والي البلاد الصحابي الجليل معاذ بن جبل (ت 18هـ/640م)- حرجا في الاستعانة بامرأة للانقلاب على العنسي المتمرد، وهي زوجته التي تسمى "آزاذ"؛ فقد "كانت امرأة حسناء جميلة، وهي مع ذلك مؤمنة بالله ورسوله محمد ﷺ، ومن الصالحات"؛ وفقا لوصف ابن كثير.
كانت الجاهزية لدى السيدة "آزاذ" كبيرة للانقلاب على زوجها المتنبي استجابة لأوامر نبي الإسلام بشأنه، كما أن الرجل الذي كلمها في خطة الانقلاب كان ابن عمها، وقد استثار حماسها بتذكيره إياها بما اشتهر به الأسود العنسي من إذلال لقومها و"فضح النساء" في مجتمعها، فما كان منها إلا أن وافقت على الإطاحة به، بل واقترحت اغتياله قائلة طبقا لابن كثير: "والله ما خلَقَ الله شخصا هو أبغض إلي منه، فما يقوم لله على حق ولا ينتهي له عن حرمة، فإذا عزمتم [فـ]ـأخبروني أعلمكم بما في هذا الأمر".
ولما عزموا على تنفيذ الأمر "اجتمع رأيهم على أن عاودوا المرأة في أمره"، وكان المخطط الانقلابي لديها جاهزا فدخل أحد قادتهم إليها فقالت: "إنه ليس من الدار بيت إلا والحرس محيطون به غير هذا البيت، فإن ظهره إلى مكان كذا وكذا من الطريق، فإذا أمسيتم فانقبوا عليه من دون الحرس، وليس من دون قتله شيء، وإني سأضع في البيت سراجا وسلاحا" ليُستعان بهما على قتله.
نجحت عملية الاغتيال التي رسمتها السيدة "آزاذ" بتخطيط مُحْكَم، وقادتْ تنفيذها برابطة جأش أدهشت رجالها. ثم إنها استمرت عقب قتله تعمل مع رجالها للتعمية على ما حدث لصرف أنصار الأسود العنسي عن المبادرة بثورة مضادة.
فأثناء تنفيذ الاغتيال تعالت أصوات منكَرة من العنسي وهو يصارع الموت، وحينها "ابتدر الحرسُ إلى المقصورة (= غرفته خاصة)، فقالوا: ما هذا ما هذا؟!"، فـ"قالت المرأة: النبيُّ يوحَى إليه! فرجعوا"!! وكان لعملها هذا دور مركزي تاريخي في ترسيخ الإسلام في البلاد اليمنية إلى الأبد.
مسلمات في عالم السياسة اعتلين العروش وقدنا الجيوش 93cfffc6-6ee6-439b-8
نفوذ واسع
وفي الدولة العباسية الثانية؛ بلغت الجارية شَغَب (ت 321هـ/933م) -وكانت أم الخليفة العباسي المقتدر بالله (ت 320هـ/932م)- من النفوذ والتحكم ما جعلها في سنة 306هـ/918م تأمر "قهرمانة (= مديرة أعمال/كاتبة خاصة) لها تُعرَف بـ«ثَمَل» أن تجلس بالتربة التي بنتها بالرصافة في كل يوم جمعة، وأن تنظر في المظالم التي تُرفع إليها في القصص (= الشكايات)، ويحضر في مجلسها القضاة والفقهاء"؛ كما في ’البداية والنهاية’ لا بن كثير.

وفي ’المنتظم’ لابن الجوزي (ت 597هـ/1201م) أنها "كانت لها أموال عظيمة تفوق الإحصاء، كَانَ يرتفع (= يدخل) لها من ضِياعها في كل عام ألف ألف دينار (= اليوم 200 مليون دولار أميركي تقريبا)، وكانت تتصدق بأكثر ذلك، وكانت تواظب على مصالح الحاج (= الحُجّاج)، وتبعث خزانة الشراب (= الأدوية) والأطباء معهم، وتأمر بإصلاح الحِياض" التي يستقي منها الناس في طريق الحج بين بغداد ومكة.
وقد دفعت ضريبةَ نفوذها محنةً دامية قام بها القاهر بالله (ت 339هـ/950م) الذي أعقب ولدها في الخلافة، كما ترددت أصداء سيطرتها على عاصمة الخلافة العباسية بغداد في الغرب الإسلامي وتحديدا الأندلس الأموية.
فكانت هيمنتها على صناعة القرار سببا في إعلان أمير الأندلس القوي عبد الرحمن الناصر (ت 350هـ/961م) نفسه خليفة للمسلمين أجمعين أواخر سنة 316هـ/928م. يقول الإمام الذهبي (ت 748هـ/1347م) في ‘سير أعلام النبلاء‘: "فلما بلغه ضعف الخلافة بالعراق وظهور الشيعة العُبَيْدية (= الفاطميون) بالقيروان؛ رأى أنه أحق بإمرة المؤمنين".
وتتواصل الأدوار الخطيرة التي أسهمت بها النساء في أروقة الخلافة العباسية حتى تصل إلى حد الانقلاب على خلفاء وتنصيب آخرين. ومن ذلك الخطة الماكرة للانقلاب على الخليفة العباسي المتقي لله (ت 357هـ/968م)، وتنصيب المستكفي بالله (ت 338هـ/949م) مكانه.
فقد رسمت خطة ذلك الانقلاب وأشرفت على تنفيذها بنجاح إحدى نساء بغداد كانت "تتكلم بالعربية والفارسية من أهل شيراز جزلة شهمة فهِمَة..، فلمّا تمت للمستكفي الخلافة غيّرت اسمها وجعلته «عَلَم»، وصارت قهرمانة المستكفي واستولت على أمره كلّه"؛ طبقا للمؤرخ ابن مسكويه (ت 421هـ/1030م) في ‘تجارب الأمم‘.
وفي أقصى الشرق الإسلامي أيام الدولة السامانية؛ يخبرنا ابن الأثير -في ’الكامل’- أن والدة الأمير نوح بن منصور الساماني (ت 387هـ/998م) "كانت تحكم في دولة ولدها، وكانوا يصدرون عن رأيها" في تدبيرهم لشؤون المملكة.
وقريبا من الدولة السامانية مكانا وزمانا؛ كانت السيدة والدة مجد الدولة البويهي (ت 419هـ/1029م) في عاصمة البويهيين بالرّيّ (طهران اليوم) "تدبر المملكة وترتب الأمور"، وإليها يرجع رجال الدولة من الوزراء والكتّاب "في تدبير المُلك وعن رأيها يصدرون.. في مباشرة الأعمال"؛ كما في ’الكامل’ لابن الأثير.
وحين شبّ ابنها مجد الدولة عن الطوق وأفسدته حاشيته عليها فأراد أن ينقلب عليها؛ خاضت ملحمة بطولية حتى أقصته عن الحكم سنة 397هـ/1008م، وأجلست ابنها الثاني الملقب "شمس الدولة" مكانَه، ولما تغير هو الآخر عليها لمرض أصابه أبعدته عن السلطة، ثم "عزمت على قبض شمس الدولة فهرب" إلى خارج البلاد؛ طبقا للمؤرخ الإمام سبط ابن الجوزي (ت 654هـ/1256م) في ’مرآة الزمان‘.
ويصف سبط ابن الجوزي كفاءة أسلوب هذه المرأة في إدارة الحكم؛ فيقول إنها "ساست السيدة المُلك ودبّرت الأمور أعظم من الرجال، وكانت تجلس من وراء ستر خفيف والعارض (= قائد الجيش) والوزير جالسان بين يديها يخاطبانها وتخاطبهما، وهما ينفذان الأمور".
مسلمات في عالم السياسة اعتلين العروش وقدنا الجيوش 5cffec5e-ee6b-49ba-9
تقليد مستجدّ
وعلى غرار مناطق عديدة من المشرق الإسلامي؛ عرفت بلاد المغرب مشاركة نسوية لافتة في شؤون الحكم إدارة ونفوذا، ولعل مما شجع على ذلك ما عُرف به الملوك الفاطميون من انتهاج سياسة عملية نفعية (براغماتية)، كان من ملامحها الانفتاح على حكم النساء في أطراف دولتهم، والسماح به ما دام يمنحهم التبعية والسيطرة على البلاد، ولا سيما في الغرب الإسلامي والجنوب باليمن.

ومن النماذج المبكرة لذلك في بلاد المغرب، وتحديدا في دولة بني زيري الصنهاجية بتونس أيام كانت إمارة تابعة للدولة الفاطمية بمصر؛ ما امتلكته من نفوذ سياسي قوي الأميرةُ أم ملّال بنت المنصور بن بُلُقِّين ابن زِيري الصنهاجي (ت 414هـ/1023م).
فهذه السيدة لم تكتف بأن تكون شريكة في الحكم لأخيها أبي مَنّاد باديس نصير الدولة (ت 406هـ/1016م)، بل سعت أيضا لبناء ما تتطلبه تقوية نفوذها داخليا من روابط سياسية خارجية، أي أنها كانت تحتفظ بعلاقات دبلوماسية موازية ومكافئة -إن لم تكن أقوى- لتلك التي يحوزها أخوها الأمير!!
فالمؤرخ ابن عذاري المراكشي (ت 695هـ/1297م) يخبرنا -في ’البيان المُغْرِب’- أنه حين "أخرج نصير الدولة هدية جليلة إلى الحاكم" بأمر الله (ت 411هـ/1021م) خليفة الفاطميين بمصر، وقد كان يدين له بالتبعية السياسية؛ وجهتْ أخته السيدة أم ملّال "إلى السيدة أخت الحاكم (= ست المُلك/سيدة المُلك بنت العزيز بالله الفاطمي توفيت 415هـ/1025م) هدية أيضا" لما كان لها هذه المرأة من حضور قوي في تدبير الدولة الفاطمية؛ كما سنرى.
وحين توفي أخوها الأمير نصير الدولة "خرج إليها المنصور بن رشيق (والي القيروان ت بعد 407هـ/1017م)، وقاضي القيروان والمنصورية وشيوخها، ومن كان بها من الصنهاجيين، فعزَّوْها في أخيها". وبعد تولي ابن أخيها الصنهاجي (ت 454هـ/1065م) "دخل الناس يهنئون السيدة بولايته".
واستمر احترام رجال الدولة الصنهاجية في تونس للسيدة أم ملال حتى لحظة تشييعها إلى قبرها؛ فحين مرضت مرض موتها كان "شرف الدولة يصل إليها في كل يوم عائدا ومتفقدا، فيجلس عندها ويأذن لرجاله وعبيده يدخلون إليها ثم ينصرفون"، وعندما توفيت "صُلِّي على جنازتها بالبنود (= الرايات/الأعلام) والطبول والعماريات (= هوادج النساء).. [والجميع] بحال من التشريف لهذه الجنازة لم يُرَ لمَلِكٍ ولا لسُوقةٍ (= عامة الناس) مثلُها"؛ طبقا لابن عذاري المراكشي.
وتقودنا العلاقة السياسية التي أنشأتها هذه الأميرة الصنهاجية مع السيدة إلى الكشف عما كان لهذه السيدة من نفوذ وهيمنة بالغة في أروقة صنع القرار في عاصمة الدولة الفاطمة القاهرة، حتى إنها أنشأت لها إدارة موازية لإدارات الدولة الرسمية كانت تُعرف بـ"دواوين السيدة ست الملك"؛ كما يخبرنا المؤرخ الدولة الفاطمية المقريزي (ت 845هـ/1441م) في كتابه ‘اتِّعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء‘.
مسلمات في عالم السياسة اعتلين العروش وقدنا الجيوش ط§ظ„ط¬ط²ظٹط±ط©-14.jp
تدخّل حاسم
وحين تغيرت أحوال أخيها الحاكم بأمر الله وزاد ظلمه وإرهابه للناس شكَوْا أمرَه إليها لما يعلمونه من نفوذ كلمتها عنده، فما كان منها إلا أن "وعدتهم إحسان التدبير في كفّ شره، وإجمال النظر في أموره وأمره، ولم تجد فيه حيلة يُحسم بها داؤه إلا العمل على إهلاكه..، وأعملت الرأي في ذلك وأسرّته في النفس إلى أن وجدت الفرصة متسهّلة فابتدرتها..، ورتبت له مَنْ اغتاله"؛ حسب رواية ابن القلانسي التميمي (ت 555هـ/1160م) في ’تاريخ دمشق’.

ويفيدنا المقريزي بأن ست المُلك بعد اغتيالها لأخيها الحاكم قررت تنصيب أحد أبنائه الصغار مكانه، فأمرت رجال الدولة بـ"أخذ البيعة للظاهر لإعزاز دين الله بن الحاكم (ت 427هـ/1037م)" الذي كان عمره آنذاك 16 سنة. وبعد أن استقر لها الأمر بما أرادته "قتلت جميع من اطّلع على سرها" ممن أشركتهم معها في التخلص من أخيها!!
وحسب ابن عذاري المراكشي؛ فإن ست المُلك بعد ذلك "ضبطت المملكة وقوّمت الأمور بحسن رأي وتدبير. وكان الوزير عمار (بن محمد الملقّب بخطير المُلك ت 412هـ/1022م) فُوِّض إليه الأمر في النظر في الدواوين والأموال والكتابة وغير ذلك من خدمة الخلافة، فأمرت بقتله فقُتل. وباشرت تدبير المملكة، فلا ينفذ أمرٌ -جَلَّ أو قَلَّ- إلا بتوقيع يخرج عنها بخط أبي البيان الصقلي (ت بعد 411هـ/1021م)"، وكان كبير مماليكها.
ويقدم لنا المقريزي -في ‘اتعاظ الحنفا‘- خلاصة رؤيته للحقبة التي استقلت بها ست الملك بتصريف شؤون الحكم؛ فيقول إنها "دبرت أمور الدولة بعد فقد أخيها الحاكم بأمر الله خمس سنين وثمانية أشهر، أعادت فيها للمُلك غضارته، واستردّت بهجته، وملأت الخزائن بأصناف الأموال، وقلدت الأكفاء جلائل الأعمال، واصطنعت (= استقطبت) الرجال"!!
ثم استمر النفوذ النسوي في دولة الفاطميين مع السيدة رَصَد النوبية (ت بعد 480هـ/1086م) والدة الخليفة الفاطمي المستنصر بالله بن الظاهر (ت 487هـ/1094م)، الذي ارتقى عرش السلطة وهو في السابعة من عمره سنة 427هـ/1037م، فكانت والدته "متغلّبة على دولته، وكانت تصطنع الوزراء وتولّيهم، وكانوا يتخذون الموالي (= الجنود المماليك) من الأتراك للتغلّب على الدولة، فمَنْ استوحشت منه أغْرَتْ به المستنصرَ فقتله"؛ وفقا لابن خلدون (ت 808هـ/1406م) في تاريخه.
وعلى عكس ما اتسم به عهد تحكم ست الملك من استقرار وازدهار في الدولة؛ فإن تجربة السيدة رَصَد في السلطة لم يكتب لها التوفيق إذا ما استثنينا السنوات التسع الأولى، التي استعانت فيها بوزير ست المُلك القوي أبي القاسم علي بن أحمد الجَرْجَرَائي (ت 436هـ/1045م).
مسلمات في عالم السياسة اعتلين العروش وقدنا الجيوش NZ1-1.jpg?w=770&
حصيلة كارثية
وقد دفعت الحصيلةُ السيئة لتدبير المستنصر وأمه للحكم مؤرخا حصيفا عاش قريبا من ذلك العصر مثل ابن القلانسي إلى أن يرسم صورة بالغة القتامة للعهد المستنصري؛ فنجده يقول في ‘تاريخ دمشق‘: "وفي أيامه ثارت الفتن.. وغَلَت الأسعار وقَلّتْ الأقوات، واضطربت الأحوال واختلت الأعمال، وحُصِر في قصره وطُمع في خلعه لضعف أمره، ولم يزل الأمر على هذه الحال إلى أن استدعَى أمير الجيوش بدر الجَمَالي (ت 487هـ/1096م) من عكا إلى مصر سنة 465 (هجرية/1073م)، فاستولى على الوزارة والتدبير بمصر".

لقد كان عهد حكم ابنها المستنصر -الذي تواصل ستة عقود معظمها تحت نفوذ أمه- مثالا في اعتلال الدولة واختلال نظامها، ويكفي ما عانته مصر في زمنه من "الشدة المستنصرية" (457-464هـ/1066-1073م) التي كانت السبب البعيد في تدهور الدولة جراء ضعف مكانة "الخلفاء" الفاطميين، وما تبع ذلك من استفتاح لحقبة حكم "الوزراء الأقوياء" بتولية بدر الجَمَالي، وهي الحقبة التي تواصلت حتى نهاية الدولة الفاطمية على أيدي الزنكيين بواسطة أعوانهم الأيوبيين سنة 567هـ/1174م.
وإذا كان الأيوبيون قد أنهوا حكم الفاطميين؛ فإنهم ورثوا كثيرا من تقاليدهم في الحكم كان منها -على ما يبدو- ظاهرة نفوذ النساء في السلطنة ومشاركتهن في الحكم، وإن كان ذلك إنما حصل في أواخر دولتهم وتحديدا في إحدى بقايا ممالكهم في الشام.
فهذا الإمام الذهبي يحدثنا -في ’تاريخ الإسلام’- عن الصاحبة ضيفة خاتون (ت 640هـ/1242م) مبينا المكانة العالية التي تتبوّؤها داخل الأسرة الأيوبية الحاكمة، باعتبارها ابنةً للسلطان العادل أبي بكر (ت 615هـ/1218م)، وزوجةً للظاهر غازي (ت 613هـ/1216م) ملك حلب، ووالدةً لابنه وخليفته العزيز محمد (ت 631هـ/1234م)، وجدةً لابنه الناصر صلاح الدين الثاني (ت 659هـ/1261م) ملك دمشق!!
ويصفها الذهبي بأنها "كانت ملكة جليلة عاقلة"، ويقول إنها لما "مات ولدها العزيز تصرفت تصرف السلاطين ونهضت بالملك أتم نهوض بعدل وشفقة وبذل وصدقة وعقل وحذلقة (= التصرف بحذاقة)"، فقد "أزالت المظالم والمكوس (= الضرائب)..، وكانت تؤثر الفقراء والعلماء، وتحمل إليهم الصدقات الكثيرة، وما قصدها أحد إلا رجع بخير مَحْبُورا (= مسروا)، ولما توفيت غُلِّقتْ أبوابُ حلب ثلاثة أيام"!!
كما نجد قبل التاريخ أعلاه في الشام السيدة صفوة الملك زمرد خاتون بنت الأمير جاولي (توفيت 557هـ/1162م) وأم شمس الملوك (ت 557هـ/1162م) الذي بالغ "في الظلم والمصادرة..، فعاقب الناس بفنون قبيحة اخترعها"، ثم هدد بتسليم دمشق إلى الإفرنج "فظهر أمره للناس فأشفقوا من الهلاك خاصتهم وعامتهم، وأنهوا الأمر إلى زمرد.. فحملها دينها وعقلها على النظر بما يحسم الداء فلم تجد بدا من هلاكه، وأُشير عليها بذلك لما آيسوا من خيره، فسُرّ الأمراء والخاصة بمصرعه، وكثر الدعاء لها" بسبب قتلها لولدها الذي أهلك الحرث والنسل.
ويضيف الذهبي -في ’التاريخ’- أنها بعد هذه الواقعة عظم شأنها "وخضعت لها النفوس، ثم رتبت أخاه محمود بن بوري (ت 533هـ/1139م) في السلطنة، وكانت تدبّر ملكه إلى أن تزوج بها قسيم الدولة" عماد الدين زنكي (ت 541هـ/1146م) مؤسس الدولة الزنكية ووالد نور الدين محمود زنكي (ت 569هـ/1173م).
مسلمات في عالم السياسة اعتلين العروش وقدنا الجيوش 6-24.jpg?w=770&q

خبرة ملهِمة
شكّلت سابقةُ ملكة سبأ -كما سبق ذكره- ذاكرةً سياسية قوية للمرأة اليمنية ظلت تشدها وتغذي طموحها إلى عرش السلطة وتولي تدبير الممالك؛ فكانت بلقيس نموذجا يمنيا حيا للاقتداء والمقارنة بدليل قول الشاعر اليمني عمرو بن يحيى الهيثمي (ت بعد 460هـ/1068م): قلتُ إذ عَظّموا لبلقيسَ عرشاً: ** دَسْتُ أسماءَ من ذُرى النَّجْم أسْمَى!!

وأسماء المقصودة هنا هي أسماء بنت شهاب الصُّلَيْحي (ت 479هـ/1086م) زوجة علي بن محمد الصليحي (ت 460هـ/1068م) مؤسس الدولة الصليحية باليمن، وقد "كَانَت من أعيان النِّسَاء وحرائرهن وكرائمهن، بِحَيْثُ تُقْصَد وتمدح..، وَكَانَ الصليحي لما تحقق كمالها وكل إليها التَّدْبِير وَلم يكن يُخَالِفهَا فِي غَالب أمرهَا، وَكَانَ يُجلها إجلالا عَظِيما، حَتَّى كَانَت مَتى حضرت مَجْلِسا لَا تستر وَجههَا بِشَيْء عَن الْحَاضِرين..، وفيهَا من الحزم وَالتَّدْبِير مَا لم يكن فِي نساء زمانها"؛ حسبما في ’السلوك في طبقات العلماء والملوك’ لمحمد بن يوسف الجندي اليمني (ت 732هـ/1332م).
وقد وقعت الملكة أسماء في الأسر لما قَتَل أمراءُ زَبيد بنو نجاح الحبشي زوجَها وأخاه وهم في طريقهم قادمين من الحج سنة 460هـ/1068م واحتزّوا رأسيهما، وذهبوا بأسماء إلى عاصمتهم زَبِيد.
في زبيد أخضعت أسماء للإقامة الجبرية "ووُكِّل بهَا مَنْ يحرسها..، فاحتالت وكتبت إلى ابْنهَا المكرّم تحضه على قتالـ[ـهم]..، ثمَّ جعلت الْكتاب فِي رغيف ودسته إلى فَقير وأمرته بإيصاله إلى وَلَدها المكرّم (أحمد بن علي ت 484هـ/1091م)، فَحَمله فحين وصل الْكتاب إلى المكرم.. خرج من فوره من صنعاء فِي ثَلَاثَة آلَاف فَارس"، ثم دخل زبيد وحرر والدته من أسر النجاحيين؛ طبقا للجندي في ’السلوك’.
وترسيخا للريادة اليمنية في حكم النساء؛ كان علي بن محمد الصليحي "يجل" زوجة ابنه أحمد المكرّم السيدة الحرة بنت أحمد الصليحية (ت 532هـ/1138م)، المشهورة بـ"أروى" أو "بلقيس الصُّغْرَى لرجاحة عقلهَا وَحسن تدبيرها للْملك وَغَيره"؛ وفقا للجندي الذي يصف ثقافتها فيقول إنها "كانت قارئة لكتاب الله تعالى، حافظة لكثير من أشعار العرب، عارفة بالتاريخ، تُفضّل بالمعرفة على كثير من الملوك"!!
مسلمات في عالم السياسة اعتلين العروش وقدنا الجيوش p.jpg?w=600&qual

تجربة متوارثة
وهكذا خطت المرأة الصليحية خطوة أوسع في ممارسة السلطة؛ إذْ لم تكتف أروى بالمشاركة في القرار السياسي كما فعلت أسماء مع زوجها، بل تولت السلطة بنفسها حين مات زوجها أحمد المكرّم الصليحي.

وكان الصليحي الوالد "يأمر أَسمَاء بإكرامها وَيَقُول هِيَ وَالله كافلة ذرارينا وحافظة هَذَا الْأَمر على من بَقِي منا"، وقد تحققت فراسته فأوكل إليها المكرم "تَدْبِير ملكه.. فاستعفته.. فَلم يفعل"، وسبب استعفائها ما تعرفه في أحوال اليمن أيامها من اضطرابات.
ولم تهدأ نفس الحرة أروى حتى ثأرت لأصهارها فقتلت قاتل والد زوجها وآسر حماتها، وكانت تقيم مُلكَها "بِرَجُل يذبُّ عَنْهَا"؛ طبقا للجندي في ’السلوك’. وبذلك استمر حكمها زهاء خمسين سنة (484-532هـ/1091-1138م) ظلت فيها تتبع -سياسيا ومذهبيا- لمركز الدولة الفاطمية الشيعية في مصر.
استمرت التجربة اليمنية النسائية في الحكم بعد الدولة الصليحية، لكنها انتقلت هذه المرة إلى بلاطات أسَر الحُكم السُّنية الانتماء في عهود متعددة من التاريخ السياسي لليمن؛ ففي عصر التوسع الأيوبي إلى اليمن كانت والدة الملك الناصر أيوب ابن سيف الإسلام طُغْتِكِين (ت 611هـ/1214م) ملك اليمن قد "تغلبت على زبيد وضبطت الأموال، وبقيت متلفتة إلى مجيء رجل من بني أيوب ليقوم في المُلك وتنقاد له الأمراء، وذلك في حدود نيف وستمئة" أي نحو 1209م.
"فبعثت إلى مكة من يكشف لها الأمور، فوقع مملوكها بسليمان شاه، فسأله عن اسمه ونسبه فأخبره، فكتب إليها، فطلبته فسار إلى اليمن، وقدم على أم الناصر فتزوجته وملّكته، وعظُم شأنه إلا أنه ملأ البلاد ظلما وجورا، واطّرح زوجته وأعرض عنها وتزوج عليها"؛ كما في ’تاريخ الإسلام’ للذهبي.
كما لم تخلُ الدولة الرسولية في اليمن من سيدة ذات علاقة بالحكم والشأن العام؛ فهذه الأميرة الدار الشمسي (ت 695هـ/1296م) ابنة السلطان الملك المنصور عمر بن علي بن رسول (ت 648هـ/1250م)، وكانت "امرأَة عاقلة عفيفة حازمة لبيبة، وكانت تحب أخاها المظفر (ت 694هـ/1295م) حبّاً شديداً"؛ طبقا للمؤرخ موفق الدين الخزرجي الزَّبيدي (ت 812هـ/1409م) في ’العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية’.
ومما يدل على دهاء هذه الأميرة أنها أدارت أزمة شغور منصب رأس السلطة الناجمة عن وفاة والدها في غياب ولي عهده أخيها المظفر، "فشمّرت وبذلت الأموال للرجال وحفظت المدينة حتى وصل أخوها من المهجم (= منطقة الحُدَيْدَة) إلى زبيد ملكها فهي أول مدينة ظهر فيها ملكه، ثم كانت هي السبب في أخذ الدملؤة (= قلعة على جبل)..، ولذلك كان يبرّها ولا يخالف لها رأْياً".
مسلمات في عالم السياسة اعتلين العروش وقدنا الجيوش 001-6-1.jpg?w=770&am

حقبة فارقة
بوفاة آخر سلاطين الدولة الأيوبية بمصر الصالح نجم الدين أيوب (ت 647هـ/1249م)، ومقتل ولي عهده وابنه الوحيد تُورانْشاه (ت 648هـ/1250م) على أيدي المماليك الذين أدركوا خطره على نفوذهم؛ سرعان ما "اتفق أهل الدولة على إقامة شجرة الدر بنت عبد الله (أرملة السلطان أيوب المتوفاة 655هـ/1257م).. في مملكة مصر"؛ حسبما يفيدنا به القاضي المؤرخ تقي الدين المقريزي في ‘المواعظ والاعتبار‘.

ومن لحظة ارتقاء "عصمة الدين شجرة الدر" إلى سدّة العرش بالقاهرة؛ بدأت بالفعل دولة سلاطين المماليك طبقا لرأي المقريزي الذي يقول في تاريخه ‘السلوك‘: "وهذه المرأة -شجرة الدر- هي أول من ملك مصر من ملوك الترك المماليك"!!
ويحدثنا مؤرخ الدولة الأيوبية ابن واصل الحموي (ت 697هـ/1298م) -في ‘مفرج الكروب بأخبار بني أيوب‘- بأن شجرة الدر "دُعي لها باسم السلطنة بديار مصر، وخُطب لها على المنابر مدة ثلاثة أشهر، ولم يَجْرِ هذا في الإسلام"!!
وهكذا أصبحت شجرة الدر أول امرأة تتولى سدة الحكم منفردةً -ودون وجود أي حاكم صوري يخطب باسمه- في دولة سنية مركزية مثل مصر، والثانية التي تفعل ذلك على مستوى العالم الإسلامي بعد سابقتها الملكة اليمنية أرْوَى الصُّلَيْحِية التي مرّ ذكرها. وبذلك ندرك عدم دقة التعميم الذي أطلقه ابن واصل الحموي بقوله إن حدث تولية شجرة الدر "لم يَجْرِ.. في الإسلام"!!
ورغم أن حكم شجرة الدر المنفرد لم يكن يشكّل سابقة تاريخية من نوعه في العالم الإسلامي؛ فإنها أُجبِرت جرّاء ضغط الرأي العام الرافض لتوليها قيادة البلاد، ومناهضة أمراء الأيوبيين في الشام لحكمها، على التنازل لزوجها الجديد عز الدين أيْبَكْ التركماني (ت 655هـ/1257م) ليكون أول سلطان مملوكي في دولة المماليك الناشئة.
وفي ذلك يقول ابن خلدون في تاريخه: "استقلت الدولة بمصر للتُّرك، وانقرضت منها دولة بني أيوب بقتل المعظّم [تورانشاه] وولاية المرأة وما اكتنف ذلك؛ فامتعضوا (= الأمراء الأيوبيين) له..، واتصل الخبر بمصر وعلموا (= قادة المماليك) أن الناس قد نقموا عليهم ولاية المرأة (= شجرة الدر)، فاتفقوا على ولاية زعيمهم أيْبَكْ.. فبايعوا له -وخلعوا أم خليل- ولقّبوه بالمُعِزّ، فقام بالأمر وانفرد بمُلك مصر".
وبذلك انتهت تجربة سلطنة شجرة الدر التي لم تعمّر إلا أشهرا، وإن كانت نجحت -قُبيلها وأثناءها- في قيادة البلاد وسط ظروف عاصفة، طبعتها أجواء الوفاة المفاجئة لزوجها السلطان القوي وهو ينازل الحملة الصليبية السابعة في شمالي مصر سنة 647هـ/1249م، والتي تمكنت هي من إدارة وقائعها بحكمة وإحكام، فقد "أبلى أمراء الترك.. بلاءً حسنا، ووقفوا مع شجرة الدر زوج السلطان تحت الرايات ينوّهون بمكانها، فكانت لهم الكَرّة وهزم الله العدو"؛ حسب ابن خلدون.
مسلمات في عالم السياسة اعتلين العروش وقدنا الجيوش 1.jpg?w=770&qual

نموذج نادر
توصلت شجرة الدر إلى تسوية مع الصليبيين تقوم على مقايضة تسليمهم دمياط والجلاء عن مصر بالإفراج عن قائد حملتهم ملك فرنسا لويس التاسع (ت 669هـ/1270م). وعن هذا الإنجاز العسكري التاريخي -الذي شكل نهاية الحملات الصليبية على منطقة مصر والشام حتى عصر الاستعمار الأوروبي الحديث- وربطه بتولية شجرة الدر السلطة؛ يقول ملك حماة الأيوبي المؤرخ أبو الفداء عماد الدين (ت 732هـ/1332م) في كتابه ‘المختصر في أخبار البشر‘:

"خُطِب لشجرة الدر على المنابر، وضُرِبت السكة (= نقود العُمْلة) باسمها، وكان نقش السكة: «المستعصمية الصالحية، ملكة المسلمين، والدة المنصور خليل». ولما استقر ذلك (= توليها الحكم)؛ وقع الحديث مع ريد إفرنس (= ملك فرنسا) في تسليم دمياط بالإفراج عنه... فسلموها... وأطلق ريد إفرنس، فركب في البحر بمن سَلِمَ معه..، ووردت البشرى بهذا الفتح العظيم إلى سائر الأقطار"!!
كما كانت مدة حكم شجرة الدر فاتحة لحقبة تاريخية مركزية في تاريخ الإسلام، أعقبت ضياع عاصمة الخلافة بغداد تحت سنابك خيل المغول سنة 656هـ/1258م؛ إذْ تسلّم فيها سلاطين طبقة المماليك (49 سلطانا) مقاليدَ السلطة في قلب العالم الإسلامي، مؤسسين بذلك دولتهم التي أخذت على عاتقها مهمةَ قيادة هذا العالم بأضلاعه المركزية الثلاثة (الحجاز ومصر والشام)، وحماية الحرميْن الشريفين والمسجد الأقصى المبارك طوال نحو ثلاثة قرون (648-923هـ/1250-1517م).
وفي مطالع القرن التاسع الهجري/الـ15م؛ نلاقي مثالا فريدا من نوعه لتولي النساء السلطة استقلالا في العراق، فيما يبدو أنه استنساخ للتجارب اليمنية والمصرية المملوكية، خاصة أن صاحبتها السلطانة المغولية تندو (ت 822هـ/1419م) ابنة السلطان حسين بن أويس (ت 784هـ/1382م) كانت "قدمت مع عمها أحمد بن أويس (سلطان العراق ت 813هـ/1410م) إلى مصر فتزوجها الظاهر برقوق (السلطان المملوكي ت 801هـ/1398م) ثم فارقها"؛ وفقا للإمام السخاوي (ت 902هـ/1497م) في ‘الضوء اللامع‘.
ويضيف السخاوي أن تندو هذه "كانت بارعة الجمال.. فتزوجها ابن عمها شاه ولد.. (ت 814هـ/1411م)، فلما رجعوا إلى بغداد ومات [عمها] أحمد أقيم شاه ولد في السلطنة، فدبّرت (= تآمرت) عليه زوجته هذه حتى قُتل وأقيمت في السلطنة.. واستقلت بالمملكة مدة، وذلك في سنة تسع عشر (819هـ/1416م)".
ثم يكشف لنا هذا الإمام عن توسع ملك السيدة تندو جنوبي العراق وشماليه، ونيلها كل مظاهر الشرعية التي تعطى للملوك والسلاطين من الرجال؛ فقد "صار في مملكتها الجزيرةٌ [الفراتية] وواسط، يُدعَى لها على منابرها وتُضرَب السكة باسمها إلى أن ماتت"، وكانت مدة حكمها منفردة في السلطة ثلاث سنوات.
مسلمات في عالم السياسة اعتلين العروش وقدنا الجيوش 799e50bc-2df5-4d3a-a

نماذج متأخرة
تواصلت ظاهرة السلطنة النسائية في العالم الإسلامي حتى العصر الحديث؛ فكان من نماذجه المعبّرة زمانا ومكانا الأميرة العربية غالية البقمية (ت بعد 1230هـ/1815م)، التي تنتمي إلى قبيلة البقوم المتوطنة في الحجاز بالقرب من الطائف مما يلي منطقة نجد.

ولعل أول من كتب -في المصادر العربية- عن هذه الأميرة الحجازية -ذات الدور المثير للعجب- هو مؤرخ قبائل الجزيرة العربية المعاصرة محمد بن حمد البسام التميمي النجدي العراقي الأصل (ت 1246هـ/1830م).
فقد سجّل -في كتابه ‘الدرر المفاخر في أخبار العرب الأواخر‘- معلومات قيمة -وهو معاصر لأحداثها- عن هذه السيدة وزعامتها لقومها، والدور التاريخي الذي أسهمت به في لحظة تاريخية مفصلية، طبعها الصراع الدامي بين جيوش الأمير السعودي ووالي مصر العثمانية محمد علي باشا (ت 1265هـ/1848م) وقادته العسكريين في الحجاز.
فأثناء حديث البسام عن قبائل الحجاز؛ قال: "ومنهم ‘البُقُوم‘، ولكن الحاكمة عليهم امرأة اسمها ‘غالية‘، ذات رأي وتدبير وحزم وشجاعة لم يُدركها أشدُّ الرجال، وهذه المرأة المذكورة في القلعة المسماة: ‘تُرَبَة‘. وأما بلدها فبلد واسعة أرزاقها تأتيها من الطائف ومن مكة المشرفة".
كما ترجم لها المؤرخ خير الدين الزِّرِكْلي (ت 1396هـ/1976م) -في كتابه ‘الأعلام‘- فوصفها بأنها "اشتهرت بالشجاعة ونُعتت بالأميرة. كانت أرملة رجل من أغنياء البُقُوم من سكان تُرَبَة على مقربة من الطائف من جهة نجد".
ثم يوضح حساسية موقع هذه القبيلة في الجغرافيا السياسية لممالك تلك الأيام، فيقول: "وكان أهل تُرَبَة أسبق أهل الحجاز إلى موالاة نجد، واتبعوا مذهب ‘الحنابلة‘ الذين سماهم الترك -ثم الإفرنج- بالوهابية. ولأهل تُرَبَة مواقف معروفة فيما كان من الحروب بين النجديين والتُّرك والهاشميين".
ويقدم لنا الزركلي وصفا لإسهام الأميرة غالية البقمية في تلك الحروب التي تواصلت ثلاث سنوات ما بين 1227هـ/1812م-1230هـ/1815م، وصدت فيها غالية بدهائها وثباتها ثلاث حملات مصرية عثمانية على منطقتها التي كانت تشكل بوابة إستراتيجية إلى بلاد نجد.
يقول الزركلي ناقلا عن أحد مصادره: "لم يحصل من قبائل العرب القاطنين بقرب مكة مقاومة أشد مما أجراه عرب البُقُوم في تُرَبَة..، وقائد العربان في ذلك الوقت امرأة أرملة اسمها غالية كان زوجها أشهر رجال هذه الجهة، وكانت هي على غاية من الغنى، ففرقت جميع أموالها على فقراء العشائر الذين يرغبون في محاربة التُّرك، واعتقد المصريون أنها ساحرة!! وأن لها قدرة على إخفاء رؤساء الوهابيين عن أعين المصريين!!..، وكان العرب محافظين على أسوار المدينة بشجاعة، ومستبشرين بوجود غالية معهم، وهي المقدمة عليهم"!!
مسلمات في عالم السياسة اعتلين العروش وقدنا الجيوش a74f9fdd-bd1e-4e76-9

محطة مفصلية
وبأسف بالغ؛ رصد المؤرخ المصري الذي كان شاهدا على ذلك العصر عبد الرحمن الجَبَرتي (ت 1237هـ/1825م) -في تاريخه ‘عجائب الآثار‘- هزائم الجيش المصري العثماني أمام هذه السيدة العربية؛ فقال إن قواته بقيادة مصطفى بك (ت بعد 1229هـ/1814م) توجهت في 2 صفر 1229هـ/1814م "من الطائف إلى ناحية تُرَبَة والمتأمّر عليها امرأة، فحاربتهم وانهزم منها شر هزيمة، فحنق عليه الباش" محمد علي والي مصر.

ويضيف الجبرتي أنه في جمادى الأولى من السنة نفسها أعادت القوات المصرية -تحت قيادة جديدة تولاها القائد طوسون باشا (ت 1231هـ/1816م)- الهجوم على "ناحية تُرَبَة التي بها المرأة التي يقال لها ‘غالية‘، فوقعت بينهم حروب ثمانية أيام، ثم رجعوا منهزمين ولم يظفروا بطائل"!!
وأمام تلك الهزائم المتتالية؛ قرر والي مصر القوي محمد علي باشا قيادة جيشه بنفسه لمنازلة الإمارة البقمية الصغيرة، كما يقول حمد البسام النجدي الذي دوّن ملابسات هذه المعركة الأخيرة الفاصلة؛ كاشفا عن سعي هذه الأميرة البدوية لحماية إمارتها الصغيرة بمحاولتها الذكية استثمار الصراع بين أكبر قوتين إقليميتين في الجزيرة العربية آنذاك.
فقد ذكر أنه لما وصل والي مصر إلى منطقة الأميرة غالية وحاصر حصنها "أبت الطاعة له والدخول تحت أمره، فبعثت إلى الوهابي (= الأمير عبد الله بن سعود ت 1234هـ/1819م) تستنجد وتستعينه على مصادمة الوزير (= محمد علي) وتعرّفه بهمته وعزمه، وأنه لا بد مُنازلها (= مُحاربُها)، فبعث الوهابي إليها أخاه فيصل (= فيصل بن سعود الكبير ت 1233هـ/1818م) في أربعين ألفا..، فلما قدم فيصل إليها بعدده فإذا هي في أتم التأهب".
لكن موازين القوة غير المتكافأة أدت إلى هزيمة جيش غالية وحلفائه السعوديين في هذه الوقعة الحاسمة التي تسمى في التاريخ السعودي بـ"معركة بسل".
والطريف أن الجبرتي يصف أجواء الاحتفالات الرسمية والشعبية التي عامت عاصمة مصر العثمانية بانتصار جيش محمد علي -الذي كان بعض ضباطه من الإنجليز وفقا للزركلي- في حملته الأخيرة على "الإمارة البقمية" الصغيرة، وكأنما كان ذلك الانتصار هزيمة لجيوش جرارة كانت تدافع عن عاصمة إمبراطورية عريقة راسخة الأركان!!
فمؤرخ مصر الشهير يذكر أنه في 9 من ربيع الأول 1230هـ/1815م "وصلت قافلة طياري من الحجاز.. وعلى يدهم مكاتبات وفيها الأخبار والبشرى بنصرة الباشا على العرب، وأنه استولى على ‘تُرَبَة‘ وغنِم منها جمالا وغنائم وأخذ منهم أسرى، فلما وصلت الأخبار بذلك انطلق المشرّدون إلى بيوت الأعيان لأخذ البقاشيش، وضربوا (= العساكر) في صبحها مدافع كثيرة من القلعة" ابتهاجا بهزيمة السيدة غالية البقمية!!
وعن مصير هذه الأميرة الحجازية؛ يروي لنا المؤرخ حمد البسام الخلاف القائم في ذلك بين الرواة، لكنه يرجّح القول القاضي بـ"أنها لما انهزم فيصل وأيقنت [غالية] بالقهر أخذت ماعزاً وتوجهت إلى بلد الوهابي المسماة ‘الدرعية‘..، وملك الوزير (= محمد علي باشا) أرضها وديارها وأموالها، وأما عدد عساكرها فسبعة عشر ألفا ولم يتبعها منهم أحدٌ"!!
وهكذا أزاحت معركة بسل أخرى العقبات أمام تقدم القوات المصرية العثمانية نحو معاقل الدولة السعودية الأولى، فتسنى لها خلال ثلاث سنوات فقط غزو معاقلها واجتياح عاصمتها الدرعية سنة 1233هـ/1818م، لتتقوض بذلك دعائمها وينتهي مصير أميرها عبد الله بالإعدام في العاصمة العثمانية إسطنبول بعد فترة اعتقال وجيزة قضاها بمصر، وكأنما كانت الأميرة غالية البقمية حصنا منيعا أمام هذا السقوط المدوّي الذي ظلت أصداؤها تتردد عقودا في أرجاء بلاد العرب!!
[IMG]https://www.aljazeera.net/wp-content/uploads/2020/10/طھط§ط¬-ظ…ط*ظ„.jpg?w=770&quality=80[/IMG]تجارب خاتمة
ويقودنا الرصد التاريخي -في موضوعنا هذا- إلى ما يبدو أنه آخر نماذجه التاريخية في نهاية النصف الثاني من القرن الـ14هـ/أوائل القرن الـ20م، أي قبل نحو قرن من الآن وتحديدا سنة 1348هـ/1930م، وإلى الشرق قليلا من شبه الجزيرة العربية حيث مملكة بهوبال الإسلامية الصغيرة وسط شبه القارة الهندية.

وبمثل غرابة الدور الذي أدته الإمارة البقمية السالفة الذكر، وقريبا من تاريخ سقوطها؛ تعاقبت على ملكة بهوبال عدة ملكات كانت إحداهن تعقب الأخرى على العرش. وهو ما سنلخص القول فيه هنا اعتمادا على مؤرخ أعلام الهند الإسلامية شيخ الإسلام عبد الحي بن فخر الدين الحسني (ت 1341هـ/1922م) في كتابه ‘نزهة الخواطر‘، وهو والد العلامة الشهير أبي الحسن النَّدْوي (ت 1420هـ/1999م).
فمن أشهر سلطانات بهوبال الملكة المثقفة شاهجهان بيكم/بيغَم (ت 1319هـ/1901م) التي هي إحدى بنات السلطان جهانكير محمد خان (ت 1263هـ/1846م)، ويصفها المؤرخ الحسني بأنها "الملكة الفاضلة الباذلة".
ثم يضيف أنها تولت السلطة سنة 1263هـ/1846م خلفا لوالدها، فـ"جلست مجلس أبيها نواب جهانكير محمد خان بالاستحقاق من غير شقاق وهي ابنة تسع سنين..، وأتت إليها خلعة فاخرة من جهة ملكة بريطانيا" فيكتوريا (ت 1319هـ/1901م) التي كانت الهند حينها منضوية تحت لواء تاجها الاستعماري.
تولت الوصاية عليها والدته سكندر بيكم (ت 1285هـ/1868م) التي كانت الحاكمة الفعلية للبلاد، وفي كنفها تربت ابنتها شاهجهان التي تفرغت للتعلم حتى "حصلت الفنون وتعلمت الخط والكتابة واللغة الفارسية والإنشاء والشعر، واستفادت أدب الرئاسة والسياسة حتى برعت في ذلك الأقران، وامتازت بينهم في القدرة على ترجمة القرآن، وتحرير الرسائل الدينية، وتقرير المسائل الدولية"!!
وفي الثانية والعشرين من عمرها؛ تنازلت شاهجهان عن الحكم رسميا سنة 1276هـ/1858م و"فوضت عنان الرئاسة إلى أمها، واكتفت لنفسها بولاية العهد"؛ لكنها استعادت زمام الحكم لنفسها -بعد نحو عشر سنوات- إثر وفاة أمها فـ"جلست على مسند الرئاسة" حتى لحظة وفاتها.
وفي سنة 1288هـ/1871م تزوجت شاهجهان بعلّامة الهند صدّيق حسن خان الحسيني (ت 1307هـ/1890م) فكوّنا بذلك أسرة علمية حاكمة، مما قاد سلطنتهما الصغيرة إلى إطلاق نهضة علمية كبيرة برعاية الملكة، التي "أنفقت مالا عظيما على طبع المصحف والتفسير والحديث واللغة وغيرها من العلوم والفنون، وأسست المدرسة الجهانكيرية على اسم أبيها بدار ملكه".
وقد أسفرت هذه الحركة الثقافية عن إحياء عظيم للتراث العربي الإسلامي بطباعة ونشر الكثير من مؤلفاته، وسرعان ما عمّت ثمارها وانتشرت أنوارها ليس في الهند فحسب وإنما في كبريات الأقطار العربية والإسلامية، فاستحقا بذلك وصفهما بأنهما "نَيِّرا الهند بل قمرا الشرق والغرب"؛ وفقا للأديب واللغوي اللبناني أحمد فارس الشدياق (ت 1301هـ/1884م) في كتابه ‘الجاسوس على القاموس‘.
وحسب الحسني؛ فقد عُرفت شاهجهان -في بلادها وخارجها- بأنها "صاحبة الفضل والكرم وربة النِّعَم، عمرت الديار وأحيت المدارس العلمية، وبنت المساجد العظيمة، وقررت الوظائف الفخيمة، وحفرت الآبار وغرست الحدائق والأشجار، وأحدثت العمائر الكبار، وأسبلت ذيول المنح والعطايا على أهل الفضل من أهل الهند، وأهل الحرمين الشريفين واليمن والعراق والشام وغيرها من البلاد".
ومن مواقفها في السياسة الخارجية دعمُها للدولة العثمانية في حروبها؛ فقد ذكر الشدياق أنها أمرت خلال تلك الحروب بـ"إعانة الدولة العلية (= العثمانية) بمبالغ وفيرة، مما دل على جلالة قدرها وعظم برها".
وقد نالت مقابل هذا الدعم تكريما عظيما من آخر السلاطين العثمانيين الأقوياء عبد الحميد الثاني (ت 1336هـ/1918م)؛ ففي سنة 1296هـ/1879م "ورد مثالان (= ميداليتان) عظيمان على اسمها، مع نيشان من الدرجة العليا -التي يقال لها ‘شفقة‘- من جهة السلطان عبد الحميد خان الغازي ملك الدولة العثمانية"؛ طبقا للحسني.
توفيت شاهجهان فخلفتها على عرش مملكتها ابنتها سلطان جهان بيكم (ت 1348هـ/1930م) التي "نشأت في مهد السلطة، وقرأت القرآن وترجمته..، وتعلمت الخط والكتابة، واللغة الفارسية والإنكليزية"؛ كما يوري المؤرخ الحسني.
أما في مجال التدبير السياسي وفن الحكم؛ فإن سلطان جهان "استفادت السياسة والرئاسة من جدتها سكندر بيكم"، وما إن توفيت والدتها شاهجهان حتى كانت مؤهلة لخلافتها على العرش، فـ"جلست على مسند الرئاسة.. فأخذت عنان السلطة بيدها الكريمة، وافتتحت الأمر بالكياسة والسياسة والرفق وحسن المعاملة".
سارت سلطان جهان على خُطَى والدتها في تنمية سلطنتها عمرانيا وثقافيا؛ ولذلك "تقدمت الإمارة في عهدها في المدنية والرفاهة والتنظيم، وشجعت على نشر المعارف وساعدت في المشاريع التعليمية وتأليف الكتب المفيدة..، واختيرت رئيسة للجامعة الإسلامية بعَلِيكْرَه" ذات الصيت الواسع في شبه القارة الهندية!!
الموضوع الأصلي : مسلمات في عالم السياسة اعتلين العروش وقدنا الجيوش     -||-     المصدر :     -||-     الكاتب : فيصل

lsglhj td uhgl hgsdhsm hujgdk hguv,a ,r]kh hg[d,a

]]>
عطر الشخصيات التاريخيه والانساب المشهورة فيصل https://www.g-3e6r.com/vb/showthread.php?t=21903
ابن خلدون في مصر.. وقّع فتوى انقلاب وتنبأ بسيطرة العثمانيين! https://www.g-3e6r.com/vb/showthread.php?t=21902&goto=newpost Tue, 23 Apr 2024 03:20:39 GMT
محمد المختار ولد أحمد
28/1/2019




قبل قرن من الآن (عام 1917)؛ ناقش طه حسين رسالته لنيل الدكتوراه في جامعة السوربون الفرنسية بعنوان: "فلسفة ابن خلدون الاجتماعية: تحليل ونقد". وبغض النظر عن الخلاف بشأن مضمون هذه الأطروحة ونتائجها؛ فقد كانت أولَ كتاب يضعه مؤلِّف عربي -وإن لم يكن بلسان الضاد- ليدْرس فيه بأسلوب حديث "المقدمة". وبذلك تكون مصر قدمت أول مظاهر الاحتفاء العلمي العربي بعلامة المؤرخين ولي الدين أبي زيد عبد الرحمن بن خَلدون الحضرمي (ت 808هـ).
ولئن جاء هذا الحدث كشفا لأهمية عالم مرموق ومؤرخ عظيم أضاعته أمته؛ فإن قصة احتفاء "أرض الكنانة" به سبقت ذلك بخمسة قرون ظلت شخصيته فيها مثار جدل وعواطف متنافرة بين أبنائها، منذ أن لجأ إليها عام 784هـ (1382م) طلبا لاستقرار نفسي افتقده طوال نصف قرن ملأته كروب القدَر وحروب السياسة مغامراتٍ ومؤامراتٍ، في رقعة جغرافية ظلت تتمدد وتتبدل بين الممالك المغاربية والأندلسية: تونس وبجاية وتلمسان وفاس وغرناطة، تلك الأقطار التي أحس فيها أبو زيد بأنه أضرّت به ما سماها "غواية الرُّتَب.. وإغفالُ العلم".
في حضرة الدنيا
وصل ابن خلدون مصر يسبقه صِيته السياسي وصَوته العلمي، لكنه جاء وحيدا من مسقط رأسه تونس التي استودعها عائلة طالما أعجلته دسائس السياسة عن اصطحابها إلى ملاجئه ومنافيه المختلفة؛ فبهرته القاهرة المملوكية وسحرته إذ رأى فيها "حضرة الدنيا وبستان العالم، ومحشر الأمم، ومدرج الذر من البشر، وإيوان الإسلام، وكرسي الملك، تلوح القصور والأواوين في جوّه، وتزهو الخوانق (= دُور الصوفية) والمدارس بآفاقه، وتضيء البدور والكواكب من علمائه…، وسكك المدينة تغص بزحام المارة، وأسواقها تزخر بالنعم".

ولم يكن إعجاب مؤرخنا بحفاوة المصريين به (سلطةً ونخبةً وساكنةً) بأقل من انبهاره ببلدهم الكبير والمثير؛ إذ سرعان ما وجد طريقه إلى مقابلة سلطان البلد الظاهر برقوق الذي قال عنه: "فأبرّ مقامي، وآنس الغربة، ووفّر الجِراية (= الراتب) من صدقاته"؛ وعن حاشيته: "أولوني عناية وتشريفا، وغمروني إحسانا ومعروفا".
ثم تصدّر حلقته العلمية بالجامع الأزهر حيث "انثال علـيـ[ـه] طلبة العلم" يتلقون منه دقائق العلوم وفيوض الحِكم وعُصارات التجارب، ولم يزل بعدها دائم التدريس في إحدى المدارس الرسمية المالكية المذهب. بل إنه تولى كذلك "مشيخة (= إدارة) خانقاه بيبرس.. [وهي] أعظم الخوانق" أي الزوايا الصوفية، بعد أن جلس –وهو القاضي والمؤرخ والوزير سابقا- يوما واحدا في حلقاتهم ليستحق بذلك هذه الوظيفة!!
ومع ذلك؛ فقد صدم الواقعُ المصري -وما يعجّ به من أنشطة اللهو والمجون- ابنَ خلدون حين عايشه، حتى روى عنه تلميذه المقريزي قوله إن "أهل مصر [يعيشون] كأنما فرغوا من الحساب [الأخروي]"، وهو ما عزز رأيه القديم فيهم الذي دوّنه في مقدمته باعتبارهم ممن "غلب الفرح عليهم والخفة والغفلة عن العواقب".
والحقيقة أن تلك الأوصاف لم تكن ثمرة استنتاج شخصي من ابن خلدون، وإنما رواها عن مشايخه الذين كان يسمع منهم -وهو فتى يافع بالمغرب– أخبار مصر وما يمور به مجتمعها من "عجائب"؛ وقد أشار لذلك في "الرحلة".
لكن أبا زيد ما إن استقرّ به المقام في "بستان العالم" حتى دعته "غواية الرُّتب" إلى تقلد وظيفة القضاء سنة 786هـ، إثر شغور منصب قاضي قضاة المذهب المالكي بعزل السلطان للقاضي جمال الدين بن خير السكندري، فكانت تلك الوظيفة شرارة الزناد التي أشعلت غَيرة القضاة البلديين -ممن سمّاهم ابن خلدون قبلُ "البدور والكواكب"- على هذا الوافد الطامح إلى مزاحمتهم على المناصب والرواتب.
"
صدم الواقعُ المصري -وما يعجّ به من أنشطة اللهو والمجون- ابنَ خلدون حين عايشه، حتى روى عنه تلميذه المقريزي قوله إن "أهل مصر [يعيشون] كأنما فرغوا من الحساب [الأخروي]"، وهو ما عزز رأيه القديم فيهم الذي دوّنه في مقدمته باعتبارهم ممن "غلب الفرح عليهم والخفة والغفلة عن العواقب"."

لم يصوِّر طبيعةَ حياة ابن خلدون بمصر ومعاركه فيها شيءٌ مثلما صورتها علاقتُه بالقضاء توليةً وعزلًا؛ فقد أدى دخوله أروقة العدالة إلى اكتشافه ما تعجّ به من فساد ومحسوبية خاصة في أوساط مكاتب الشهود والموقّعين، فهم عنده "كان البَرُّ فيهم مختلطا بالفاجر، والطيب ملتبسا بالخبيث، والحكام (= القضاة) ممسكون عن انتقادهم…، لما يموِّهون به من الاعتصام بأهل الشوكة (السلطة)، فإن غالبهم مختلطون بالأمراء"، ومع ذلك فقد حافظ على "القيام بالحق والإعراض عن الأغراض".
ويُزكي شهادتَه تلك لنفسه ما شهد له به مؤرخو مصر ولخصه أحدهم بقوله: "فباشره {= القضاء} بحرمة وافرة وعظمة زائدة وحُمدت سيرته، ودفع رسائل أكابر الدولة وشفاعات الأعيان" بل وعاقب بعض ذوي الشأن؛ فكان رده لوساطات أرباب السلطة المتنفذين في القضايا المرفوعة أمامه وحزْمه في معاملة الشهود والموقّعين "إيذانا بوثوب العاصفة من حوله"؛ كما قال بحق عبد الله عنان.
فبعد مضي سنة واحدة من توليته؛ سعى به خصومه عند السلطان فعُزل سنة 787هـ وظل خارج المنصب القضائي أربع عشرة سنة، ثم عاد إليه سنة 801هـ ليدخل –حتى وفاته قاضيا سنة 808هـ- دائرةً مفرغة من العزل والتولية (تولّاه ست مرات خلال سبع سنوات).
وينبئ ذلك باحتدام الصراع بينه وبين نظرائه من القضاة (الجَمَالان: جمال الدين الأقفهسي وجمال الدين البساطي وخاصة الأخير) ومسانديهم من ذوي النفوذ، فطعنوا في أهليته للقضاء ولفّقوا له تُهَمًا "أكثرُها لا حقيقة له"، حتى عابوا عليه أنه يرفض التقيد باللبس الرسمي للقضاة و"مستمر على طريقته في بلاده"، وأنكروا عليه التنزه في البساتين وعلى ضفاف نهر النيل؛ بل كانت التهم أحيانا تشي بالقذف والتعريض.
بيد أن ابن خلدون لدى المؤرخين الثقات "لم يشتهر عنه في منصبه إلا الصيانة"؛ وفقا لشهادة تلميذه الحافظ ابن حجر. وربما كان إطلاق تلك التهم عليه انتقاصا صدر من قضاة منافسين وظيفيا أو تعصبا من علماء مخالفين مذهبيا، خاصة أن من أطلقها أو نقلها هو معاصره "محتسب القاهرة" جمال الدين البشبيشي الشافعي. أما رواية السخاوي لها فغير مستغربة لما عُرف به من شدة وتجاوز –بغير حق- في تراجمه للأعلام مهما علا شأنهم.
فتوى الإطاحة ببرقوق
وإلى جانب منغصات الوظيفة القضائية؛ لم تسمح أيضا "طبائع الملك" في الدولة المملوكية بمصر لابن خلدون بالاستمتاع بمنفاه الاختياري معتزلا عوالم السياسة، ففي سنة 791هـ سوّلت للأمير يلبغا الناصري نفسُه الإطاحةَ بنظام السلطان برقوق، فأحكم تدبير انقلابه بين عصبته من الأمراء، ولم يبق إلا "تشريع" العملية بفتوى تُستصدر من قضاة المذاهب، ويباركها الخليفة العباسي الألعوبة بين أيدي المنقلِبين.

ورغم أن ابن خلدون لم يكن حينها قاضيا لقضاة مذهبه بل متفرغا للتدريس؛ فإنه أحضِر مجلس التوقيع على فتوى الانقلاب المؤسَّسة على دعوى أن برقوق "استعان بالكفار على قتال المسلمين"؛ فنجح الانقلاب ولكن سرعان ما تمكن برقوق من إجهاضه بأعجوبة والعودة إلى عرشه 792هـ.
وعندها بالغ ابن خلدون في استعطافه شعرا ونثرا، قائلا إنه ضُلل بالمبررات المقدمة للانقلاب بل وأكرِه على التوقيع، راجيا ألا يؤخذ بجريرة "التغرير" به، وطالبا ألا تُقطع عنه صنائع معروف السلطان فهو "الجار الغريب"؛ فعفا عنه برقوق وأبقاه في وظائف تدريسه بشفاعة من الأمير ألْطُنْبُغَا الجوباني، الذي كان سيد نعمة مؤرخنا -منذ وطئت قدماه مصر- وبه نال الحظوة لدى السلطان.
وإذا كان حسّ ابن خلدون الاجتماعي وبصيرته السياسية لم يُسعفاه بقراءة صحيحة لموازين القوة بين مراكز القوى المملوكية، فانخرط في "تشريع" انقلاب قصر فاشل؛ فإن حدسه التاريخي وتأمله في مصائر الأمم -نشأة وانحطاطا فاندثارا- أدّيا به إلى تنبؤ صادق بأطماع العثمانيين في مصر، قال تلميذه ابن حجر: "سمعت ابن خلدون مرارا يقول: ما يُخشى على ملك مصر إلا من ابن عثمان". لكن انكسار العثمانيين أمام الاجتياح المغولي لبلادهم بقيادة تيمورلنك سنة 805هـ/1402م أجّل استيلاءهم على مصر قرنا آخر بعد وفاة ابن خلدون.
لم تكن مواقف ابن خلدون في القضاء والسياسة هي الوحيدة التي تباينت فيها رؤى وآراء المصريين في مؤرخنا بل أضيفت إليهما جوانبه المعرفية؛ فمثلاً كان تقييم درة تاج إنتاجه العلمي "المقدمة" مثارَ خلاف بين تلامذته المصريين.
"
إذا تجاوزنا خصومات ابن خلدون القضائية و"مؤامراته" وتنبؤاته السياسية في مصر؛ فسنجد أن أكبر إنجازاته العلمية فيها هو تخريجه لها -وللتراث العربي الإسلامي من ورائها- كوكبة هادية من كبار المؤرخين،"

فإذا كان مؤرخ مصر الأشهر تقي الدين المقريزي يرى أنها "لم يُعمل عليها مثلها، وإنه لعزيز أن ينال مجتهد منالها، إذ هي زبدة المعارف والعلوم ونتيجة العقول السليمة والفهوم"، فإن زميله ابن حجر يرد عليه بأن "ما وصفها به -فيما يتعلق بالبلاغة والتلاعب بالكلام على الطريقة الجاحظية- مُسلَّم له فيه، وأما ما أطراه به زيادة على ذلك فليس الأمر كما قال إلا في بعض دون بعض، إلا أن البلاغة تزيّن بزخرفها".
وإذا تجاوزنا خصومات ابن خلدون القضائية و"مؤامراته" وتنبؤاته السياسية في مصر؛ فسنجد أن أكبر إنجازاته العلمية فيها هو تخريجه لها -وللتراث العربي الإسلامي من ورائها- كوكبة هادية من كبار المؤرخين، فتبلورت على أيديهم معالم المدرسة التاريخية المصرية الخالصة، والمتميزة بنزعتها التفصيلية والتحليلية وبسلسلة نوابغها التي تواصلت –بعد ابن خلدون- أكثر من 150 سنة.
وقد جسد فرعيْ هذه المدرسة الكبيرين كلٌّ من الإمامين المقريزي وابن حجر العسقلاني وتلامذتهما (ابن تَغْرِي بَرْدِي والسخاوي والسيوطي وابن إياس)؛ يقول ابن حجر عن تلمذته لصاحب المقدمة: "اجتمعتُ به مراراً، وسمعتُ من فوائده ومن تصانيفه خصوصاً في التاريخ، وكان… [له] معرفة تامة بالأمور خصوصاً متعلقات المملكة {=الدولة}".
وأنت –أيها القارئ- واجدٌ أثر المنهجية الخلدونية في الآثار الباقية لهؤلاء الأعلام، ليس فقط في استغراقهم في دروب التاريخ تخصصا وتناولا؛ بل وفي نمط التأليف ومنهجية الطرح، والنزوع لوضع كتب المقدمات المنهجية للموسوعات العلمية الكبرى في شتى حقول المعرفة، احتذاءً بـ"مقدمة" شيخهم المنهجية لتاريخه الكبير "العبر".
ومن أمثلة ذلك إفرادُ القلقشندي -وهو من تلامذة ابن خلدون بمصر- جزءا منهجيا كاملا جعله "مقدمة" لكتابه الأدبي الإداري الضخم "صبح الأعشى"؛ ووضْع ابن حجر كتابه "هدي الساري" ليكون "مقدمة" منهجية لموسوعته الحديثية والفقهية "فتح الباري"، بل إن شرحه هذا لصحيح البخاري ربما استلهم فكرة تأليفه من كلمة شيخه ابن خلدون التي قال فيها: "ولقد سمعت كثيرا من شيوخنا رحمهم الله يقولون: شرح كتاب البخاري دَيْنٌ على الأمة"، فأراد الحافظ ابن حجر –وقد منّ الله عليه بالإمامة في علوم الحديث وغيرها- أن يقضي عن الأمة دَينها لهذا الإمام.
جدل التقييم المتجدد
وإذا طوينا قرون الركود الثقافي -التي طبعت غالبا الحقبةَ العثمانية من تاريخ مصر- إلى زمننا المعاصر متلمّسين مكانة ابن خلدون في الذاكرة الثقافية المصرية؛ فسنرى أن الانقسام القديم بشأنه سرى -بكل أبعاد تقييمه الوظيفية والسياسية والعلمية- إلى الأجيال الحديثة من النخبة الثقافية المصرية، وأن الاحتفاء به -في مصر المعاصرة مَلَكية وجمهورية- كان أيضا رسميا وأهليا، وإن جاء في شقه الرسمي متحفظا أحيانا.

وبالعودة إلى رائدهم في الهوى الخلدوني شخصاً ونصًّا؛ نجد أن طه حسين يصف ابن خلدون –في رسالته عنه التي بدأنا بها هذا الحديث- بطائفة وافرة العيوب الخُلقية والنقائص المنهجية، وينفي عنه "العبقرية" فيما جاء به في "المقدمة"، ويعدّه "قبل كل شيء سياسيا وافر الحكمة والبراعة"؛ لكن ذلك كله لم يمنعه من التسليم بأنه "إليه يرجع الفضل في أن الآداب العربية تستطيع أن تفخر بأنها كانت الأولى في وضع الفلسفة الاجتماعية في قالب علمي".
ثم خلَفَ من بعد طه خلْفٌ ذهبوا في إزرائهم بابن خلدون أن وصموا أسلوبه البياني بالركاكة والتعقيد، واتهموه بسرقة أفكار غيره ورصّها في "المقدمة" وكأنها بنات أفكاره. ومن أبرز من أطلق هاتين التهمتين الدكتور علي سامي النشار في مقدمة تحقيقه لكتاب ابن الأزرق "بدائع السلك". أما الدكتور محمود إسماعيل فقد اتهمه -في دراسته: "نهاية أسطورة: نظريات ابن خلدون مقتبسة من رسائل إخوان الصفاء"- بالسطو على أفكار جماعة "إخوان الصفاء".
لكن إسماعيل نفسه متهم عند آخرين بـ"سرقة" فكرة هذا الاتهام ممن سبقه بالإشارة إلى العلاقة بين ما جاء به ابن خلدون وما قال به "إخوان الصفاء" وغيرهم من الفلاسفة المسلمين، وممن سبقه إلى ذلك -بربع قرن- المؤرخُ التونسي محمد الطالبي الذي دوّن ذلك في كتاباته منذ مطلع السبعينيات.
ورغم تيار الإزراء هذا؛ فإن مصر أقرّت عين ضيفها الخلدوني -في مرقده بـ"مقبرة الصوفية"- بتيار آخر أعجِب بتراثه إلى حد التصوف فيه أحيانا، فطفق يثني عليه ويشيد به وبمكانته بين أعلام العبقرية الإنسانية. ومن أهم من تصدر هذا الاتجاه محمد عبد الله عنان؛ أولاً بترجمته رسالة صديقه طه حسين عن ابن خلدون إلى العربية عام 1925م، ثم بتأليفه كتاب: "ابن خلدون: حياته وتراثه الفكري" سنة 1933م في ذكرى مئوية ميلاد ابن خلدون.
وقد تبعه في ذلك النهج دارسون كثر؛ في طليعتهم الدكتور عبد الواحد وافي في كتابه "عبقريات ابن خلدون" ومؤلفات أخرى تناول فيها نظريات ابن خلدون وريادته العالمية في تأسيس علم الاجتماع، إضافة إلى تحقيقه الرائع لكتاب "المقدمة".
أما الاهتمام المصري الرسمي الحديث بابن خلدون؛ فقد كان أكبر مظاهره تنظيم أسابيع فكرية خاصة به خلال العقود الثمانية الأخيرة، قُدمت فيها عشرات الأبحاث عن حياته وتراثه ومكانته في الفكر الإسلامي والعالمي، وذلك في عام 1933م بمناسبة مئوية ميلاده، ثم في 1962م، وآخرها كان عام 2006م في ذكرى مرور ستمئة سنة على وفاته بالقاهرة
الموضوع الأصلي : ابن خلدون في مصر.. وقّع فتوى انقلاب وتنبأ بسيطرة العثمانيين!     -||-     المصدر :     -||-     الكاتب : فيصل

hfk og],k td lwv>> ,r~u tj,n hkrghf ,jkfH fsd'vm hguelhkddk!

]]>
عطر الشخصيات التاريخيه والانساب المشهورة فيصل https://www.g-3e6r.com/vb/showthread.php?t=21902
الزمن عند المسلمين.. اعتمدوا خط غرينتش وأرّخوا أحداثهم بالساعات وصحابي يحدد وقت وصول https://www.g-3e6r.com/vb/showthread.php?t=21901&goto=newpost Tue, 23 Apr 2024 03:15:33 GMT
براء نزار ريان
29/10/2019




"قابلني ظـُهرًا، وضحىً، وعشيّة"؛ لا يزال استعمال هذه الألفاظ في تحديد الوقت والمواعيد سائدا في أيامنا هذه، ولعل البعض لا يعلم أنها من بقايا الزمن الحضاري الإسلامي القديم.. بل منذ أيام العرب الأولى. وإذا كانت تلك المواعيد في تداولها الآن تعني هروبا من الضبط وانفلاتا من الدقة؛ فإنها قديما كانت تحيل على مواعيد محددة وموصولة بتوقيتات معروفة معينة.

فقد عرف العرب الزمن وقدروا الوقت بتقسيمات واضحة، وزادهم الإسلام اتصالا بالمواقيت لضبط عباداتهم ومعاملاتهم، ودوّن مؤرخو الحضارة الإسلامية أحداثها بالساعات والدقائق. وما ذاك إلا لأن الوقت كانت له مكانة عظيمة في التراث العربي والإسلاميّ؛ فما من تكريمٍ يُقالُ في قيمة الوقت أكبرُ من الحديث النبوي الصحيح: "لا تسبّوا الدهر فإنّ الله هو الدهر" (رواه مسلم وورد في صحيح البخاري بلفظ مقارب)، وإن كان إطلاق الدهر على الربّ مجازيًّا.


وكان الوقتُ عند العرب بهذه الأهمية قبل الإسلام؛ فقد قال الأمير الصنعانيّ (ت 1182هـ/1768م) -في كتابه ‘التنوير شرح الجامع الصغير‘- عند شرحه للحديث السابق: "العرب كانت إذا نزل بأحدهم مكروه يسبّ الدهر، ويعتقد أن الذي أصابه فِعلُ الدهر، فكأن هذا كاللعن للفاعل، ولا فاعل لكل شيء إلا الله".


وهذا موافقٌ لما نقله القرآن الكريم عن العرب من أنهم قالوا: "نموتُ ونحيا وما يُهلكنا إلا الدّهرُ"؛ (سورة الجاثية/الآية: 24). وإذا كان الإسلام قد جاء بتصحيح معتقد العرب في مسبِّب الأسباب؛ فإنه لم يزد الوقت إلا تعظيمًا واحترامًا، ولذلك قرر في تعاليمه أن أول ما يُسأل عنه المسلم في آخرته: "عن عمره فيمَ أفناه؟" (حديث صحيح أخرجه الترمذيّ وغيره).


ولما كان الوقتُ على هذه المنزلة في ثقافة العرب قبل الإسلام وبعده، كان طبيعيًّا أن يكونوا على درجةٍ من التميّز في التعامل معه، والسبق في طرق تقسيمه وقياسه، والتعبير عن جريانه وتقلباته؛ لكن هل كانوا يحسبون وقتهم كما نفعل الآن؟ يقسمون يومهم وليلتهم أربعًا وعشرين ساعة؟ وهل كان أحدُهم يواعدُ الآخر عند الساعة الخامسة أو السادسة مثلًا؟ وإذا كانوا يفعلون ذلك فكيف كانوا يقيسونه؟ وما هي طريقتُهم في الإخبار به؟ هذا ما تبحثه مقالتُنا هذه مستعرضة أدلته النظرية والتاريخية.
الزمن عند المسلمين.. اعتمدوا خط غرينتش وأرّخوا أحداثهم بالساعات وصحابي يحدد وقت وصول 724fed8b-1f76-49dd-b

أربعٌ وعشرون ساعة
كانت العربُ تقسّم يومها أربعًا وعشرين ساعةً كما يصنع الناسُ الآن، لكنّها لم تكن ساعاتٍ متساويةً كساعات اليوم، بل كان النهارُ عندهم اثنتيْ عشرة ساعة، والليل اثنتيْ عشرة ساعة، طال أحدهما أو قصر. وبناءً على هذا؛ فقد كانت تطولُ ساعةُ النهار في الصيف –مع طول النهار- حتى تبلغ أكثر من سبعين دقيقة بدقائق اليوم، وفي المقابل تقصرُ ساعةُ الليل إلى أقلّ من خمسين دقيقة، وفي الشتاء يحصلُ العكس، فتتمدد ساعات الليل وتتقلّص ساعات النهار.

ولعلّ أقدم نصّ عربيّ موثَّق يذكرُ هذه الساعات هو ما رواه الإمامان البخاري (ت 256هـ/870م) ومسلم (ت 261هـ/875م) وغيرهما من حديث أبي هريرة (ت 59هـ/680م): "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرّب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرّب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرّب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرّب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرّب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر".
وقد اختلف الفقهاء في معنى الساعة في هذا الحديث: هل يعني ساعات النهار –التي نتحدّث عنها- أم إنه قصد الساعة بمعنى جزء من الوقت غير معيّن؟ وكان لهم ترجيحات ومناقشات لم يقل أحدٌ خلالها إن هذه الساعات لم تكن معروفةً زمن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هم مجمعون على وجودها وعلى العمل بها في ذلك الوقت، لكنهم اختلفوا في مقصد النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ثم اختلف الذين رأوا أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قصد ساعات النهار المعروفة؛ فقال الإمام النووي (ت 676هـ/1277م) -في شرحه لـ‘صحيح مسلم‘- معلقا على هذا الحديث: "واختلف أصحابنا: هل تعيين الساعات من طلوع الفجر أم من طلوع الشمس؟ والأصح عندهم [أنه] من طلوع الفجر". وقال أيضًا: "ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى الجمعة متصلا بالزوال، وهو بعد انفصال السادسة".
وذكرُ اثنتي عشرة ساعةً من النهار أو الليل واردٌ في غيره من الحديث، لكنّ ما سبق كان المثال الأشهر والأصحّ، وهو الذي دارت حوله مناقشات الفقهاء التي يمكنُ استشفافُ تقسيمهم الوقت من خلالها. وما دار حول هذا الحديث وغيره من نقاشٍ دلّ على أنهم كانوا يستعملون هذا العدّ منذ زمن قديم، فيقولون: الساعة الأولى والثانية والثالثة… وهكذا.
ويؤيّد ذلك ما ذكره المؤرخ الواقديّ (ت 207هـ/822م) -في كتابه ‘فتوح الشام‘- من تحديد بالساعات لبداية ونهاية رحلة الصحابي عبد الله بن قُرْط الأزْدي (ت 56هـ/677م) إلى المدينة، حين قدِم بكتاب من قائد جيوش الشام أبي عبيدة بن الجراح (ت 18هـ/640م) يطلب فيه المدد من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (ت 23هـ/645م) قـُبيل معركة اليرموك (وقعت سنة 15هـ/637م).
قال ابن قُرْط الأزْدي: "فركبت من اليرموك يوم الجمعة في الساعة العاشرة بعد العصر، وقد مضى من شهر ذي الحجة اثنا عشر يوما والقمر زائد النور؛ فوصلت يوم الجمعة في الساعة الخامسة والمسجد مملوء بالناس".
الزمن عند المسلمين.. اعتمدوا خط غرينتش وأرّخوا أحداثهم بالساعات وصحابي يحدد وقت وصول 951c5797-b204-43cb-9
أسماء عربية للساعات
وقد كان لكلّ ساعةٍ من ساعات العرب الأربع والعشرين اسم، وقد نقل هذه الأسماء أبو منصور الثعالبيّ (ت 429هـ/1039م) في كتابه ‘فقه اللغة‘؛ فسَاعَاتُ النَّهارِ: "الشُرُوقُ، ثُمَّ البكورُ، ثُمَّ الغُدْوَةُ، ثُمَّ الضُّحَى، ثُمَّ الهاجِرَةُ، ثُمَّ الظَهِيرَةُ، ثُمَّ الرَّوَاحُ، ثُمَّ العَصْرُ، ثُمَّ القَصْرُ، ثُمَّ الأصِيلُ، ثُمَّ العَشِيُّ، ثُمَّ الغُروبُ. وسَاعَاتُ اللَّيلِ: الشَّفَقُ، ثُمَّ الغَسَقُ، ثُمَّ العَتَمَةُ، ثُمَّ السُّدْفَة، ثُمَّ الفَحْمَةُ، ثُمَّ الزُّلَّةُ، ثُمَّ الزُّلْفةُ، ثُمَّ البُهْرَةُ، ثُمَّ السَّحَرُ، ثُمَّ الفَجْرُ، ثُمَّ الصُّبْحُ، ثُمَّ الصَّباحُ".

قال الثعالبي: "وباقي أسماء الأوقات تجيء بتكرير الألفاظ التي معانيها متفقة". هذا ما نقله الثعالبيّ عن العرب؛ والحقُّ أن بعض أسماء الساعات التي ذكرها لم أره في شيء من كلامهم في المعاجم ولا كتب الأدب والشعر.
وهكذا فإنهم كانوا في جزيرة العرب يعدّون ساعات النهار ابتداءً من شروق الشمس، وساعات الليل من بعد غروبها؛ فإذا قال العربيّ: سأقابلك عند الساعة الثانية من النهار، فإنه سيقابلك في نحو الساعة السابعة صباحًا بتوقيت اليوم، وإذا قال لك سأقابلك عند الساعة الواحدة من الليل، فذلك يعني بعد المغرب بقليل.
وقد كانت طريقتهم في حساب الساعات وعدّها دقيقةً جدًّا من خلال تتبع الظلّ في النهار، وغياب الشمس ثم الشفق ثم تدرّج الظلمة ليلًا. فمن كلامهم في الحساب الدقيق للساعات قول الإمام ابن بَطّال القرطبي (ت 449هـ/1058م) في شرحه لـ‘صحيح البخاري‘: "إن أهل العلم بالأوقات والحساب لا يختلفون أن الشمس إنما تزول في أول الساعة السابعة، وتقع الصلاة إذا فاء الفيْء ذراعًا، وذلك في الساعة الثامنة بعد مسير خُمسها في زمن الصيف، وبعد مسير نصفها في زمن الشتاء".
ومعنى كلامه أنه إذا فاء الفيء ذراعًا في الصيف فقد مضى من الساعة الثامنة خمسها، وإذا فاء الفيءُ ذراعًا في الشتاء فقد مضى من الساعة الثامنة نصفُها، لأن ساعات النهار تطول في الصيف وتقصر في الشتاء. وقد كان ابن بطال يناقشُ قولًا للإمام عبد الملك بن حبيب المالكي (ت 238هـ/852م) يرى فيه أن الشمس تزول في الساعة السادسة من النهار. فكل هذا يدلُّ على دقتهم في حساب الساعات بالخُمُس والنصف والربع منذ زمنٍ قديم.
وأغلبُ الظنّ أن العرب إنّما أخذوا هذا التقسيم للساعات عن اليونانيين والمصريين، لشبهه الكبير بطريقتهم. فقد ذكر بيتر بوردمان -في بحث نشره بعنوان: ‘عَدُّ الوقت: تاريخ مختصر للساعات الأربع والعشرين‘- أن اليونانيين القدماء كانوا يعدّون أوقاتهم على أربع وعشرين ساعةً، نصفها نهارًا ونصفها ليلًا "على الوصف المطابق لما كان يفعله العرب، وأنّ الفضل يعود إليهم في إعادة عدّ الساعات من منتصف النهار ثم منتصف الليل في القرن الثالث عشر، ذلك أنّهم رأوا العدّ أسهل من منتصف النهار لوضوح الساعة في وقت الظهيرة حيثُ تكون الشمسُ في أعلى مستوى لها في السماء"؛ وفق كلامه. وهو ما عبّر عنه العرب بكون الشمس حينها تكون "في كبد السماء".
ويؤيّد القولَ بأن العرب أخذوا هذا التقسيم عن اليونانيين والمصريين؛ عزوُ قدماء الجغرافيين العرب -كابن الحائك الهمْداني (ت 334هـ/945م) في كتابه ‘صفة جزيرة العرب‘- تقسيمَهم للوقت إلى هرمس الحكيم الذي هو مصريّ في أغلب الأقوال، وإلى بطليموس (ت 170م) وهو يونانيّ مصريّ.
الزمن عند المسلمين.. اعتمدوا خط غرينتش وأرّخوا أحداثهم بالساعات وصحابي يحدد وقت وصول 661b068f-52de-451e-8
التعبير عن الوقت
الليلة عند العرب تسبقُ النهار؛ أو على حد تعبير ابن مُفْلِح الحنبلي (ت 884هـ/1479م) فإن "العرب تغلّب في التاريخ الليالي على الأيام"؛ فيبدأ اليوم العربيّ من غروب الشمس لا عند منتصف الليل، فلا يحارُ العربيّ كما يحارُ غيرُه فيقول: انعقد الحفلُ في الليلة التي بين الاثنين والثلاثاء الماضييْن، بل يقول: ليلة الثلاثاء، يعني بذلك بعد غروب شمس الاثنين.

ولذلك يصلّي المسلمون التراويح قبل أن يصوموا يومهم الأول من رمضان، ويسمُّون الليلة الأولى من شوال "ليلةَ العيد" قبل أن تطلع عليهم شمسُه. والبدء من حلول الظلام -لا من طلوع الشمس- موافقٌ لما نُسب إلى اليونانيين أيضًا؛ كما ذكره بيتر بوردمان في بحثه.
عرفنا أن العرب كانوا يسمون كل ساعة باسم يخصّها كالفجر والضحى والظهيرة، والغسق والشفق والعتمة؛ لكن كيف كانوا يعبّرون عن تلك الساعات؟ هل كانوا يستعملون الأسماء أم الأعداد؟ وكيف كانوا يجزّئون الساعة الواحدة؟
كان العربُ يستعملون أسماء الساعات في التعبير عن الوقت غالبًا، وقلّ أن يذكروا الأعداد؛ فكانوا يقولون: آتيك عند الهاجرة، ويشتقون منها: فيقولون: أتاني مهجّرًا، يعني في الساعة العربية الخامسة من النهار، أي: قبل الظهر! وقد جاء في حديث عبد الله بن عمر (ت 73هـ/693م) في الحج: "حتى إذا كان عند صلاة الظهر، راح رسول الله صلى الله عليه وسلم مهجّرًا، فَجَمَعَ بينَ الظهر والعصرِ"؛ (سُنن أبي داود).
وقد غلب في استعمال العرب أن يذكروا هذه الأسماء دون العدد، لكنّهم كانوا يذكرون العدد أيضًا، ويستعملونه في أشعارهم وآدابهم، وفي كلامهم اليوميّ، وفي معاملاتهم الرسميّة. فمن ذكرهم عدّ الساعات في أشعارهم قولُ بشار بن بُرْد (ت 169هـ/785م) عادًّا الساعات، وذلك لا يكون إلا لوحدةٍ قابلةٍ للعدّ:
كأنِّي إِذا مَا أَطْمَعَتْ فِي لِقَائِهَا ** عَلى دَعْوَةِ الدّاعِي إِلى جَــــنَّةِ الْخُلْدِ
أعُدُّ بها السّــاعَــــــاتِ حَتَّى كأنَّهَا ** أرى وجهَـها لا بل تمثّله عندي

ومن تحديدهم القديم للوقت بساعةٍ معدودة ما أورده الحافظ ابن عبد البر القرطبي (ت 463هـ/1071م) –في كتابه ‘التمهيد‘- من أن الخليفة عمر بن عبد العزيز (ت 101هـ/720م) كان "يرتقب الأوقات وتكون عنده علامات الساعات" لتحديد أوقات الصلوات. ونقل ابن عبد البر بسنده عن الإمام الأوزاعي (ت 157هـ/775م) أن هذا الخليفة الأموي كان "يصلي الظهر في الساعة الثامنة والعصر في الساعة العاشرة".
الزمن عند المسلمين.. اعتمدوا خط غرينتش وأرّخوا أحداثهم بالساعات وصحابي يحدد وقت وصول bb39f72d-7e9a-4723-a
تأريخ الأحداث بالساعات
ويؤيّد ذلك ما نقله كثيرٌ من المؤرخين -منذ زمنٍ مبكّرٍ جدًّا- من تواريخ ميلاد العلماء والخلفاء والأمراء والقادة ووفياتهم والأحداث العامة والخاصة، حيثُ كانوا يذكرونها باليوم والتاريخ والساعة والجزء من الساعة في بعض الأحيان.

ولعلّ من أقدم نماذج ذلك ما ذكره المقريزيّ -في كتابه ‘اتعاظ الحنفاء‘- من أن مولد الخليفة الفاطميّ المعزّ لدين الله (ت 365هـ/977م) كان بعد مضيّ "أربع ساعات وأربعة أخماس ساعة من يوم الاثنين الحادي عشر من رمضان سنة تسع عشرة وثلاثمئة". فهذا تحديدٌ دقيق يعتمد على الساعة والجزء من الساعة!
ومن ذلك قول محيي الدين القرشي (ت 775هـ/1373م) -في ‘الجواهر المُضِيّة في طبقات الحنفية‘- إن السلطان الأيوبي المعظَّم ابن العادل "توفي في سَلْخ (= آخر يوم) ذي القعدة في الساعة الثالثة من يوم الجمعة سنة أربع وعشرين وستمئة بدمشق".
ويسجل المؤرخ ابن تَغْري بَرْدي (ت 874هـ/1469م) -في ‘المنهل الصافي‘- أن السلطان المملوكي الظاهر جَقْمَق (ت 857هـ/1453م) "خلع نفسه من السلطنة في الساعة الثانية في يوم الخميس الحادي والعشرين من محرم سنة سبع وخمسين وثمانمئة".
وفي تواريخ ولادة ووفيات العلماء؛ يخبرنا النعيمي الدمشقي (ت 927هـ/1521م) -في كتابه ‘الدارس في تاريخ المدارس‘- أن قاضي القضاة بدمشق شرف الدين ابن قاضي الجبل الحنبلي (ت 767هـ/1365م) "وُلد في الساعة الأولى من يوم الاثنين تاسع شعبان سنة ثلاث وتسعين وستمئة".
كما يحدثنا تاج الدين السبكي (ت 771هـ/1369م) -في ‘معجم الشيوخ‘- أن العالمة آمنة بنت إبراهيم الواسطي "توفيت آخر نهار السبت السادس من ذي الحجة سنة أربعين وسبع مئة بدمشق، وصُلي عليها في الساعة الرابعة من يوم الأحد بالجامع المظفري".
وفي استخدام الساعة في الأحداث العامة؛ يفيدنا المؤرخ العباسي الصفدي (ت بعد 717هـ/1317م) -في كتابه ‘نزهة المالك والمملوك‘- بأن مدينة بلبيس المصرية حاصرتها سيول الأمطار سنة 716هـ/1316م، حتى "انقطعت طريق الشارع إلى بلبيس من باب مصر إلى باب الشام، وكان ذلك جميعه في ساعة واحدة ونصف ‘ساعة رملية‘ من اليوم المذكور".
ويذكر المؤرخ المقريزي (ت 845هـ/1441م) -في كتابه ‘السلوك‘- أنه في يوم الاثنين 18 جمادى الآخرة سنة 787هـ/1385م "زُلزلت القاهرة في الساعة الرابعة زلزلة خفيفة". كما يخبرنا الرحالة الأندلسي ابن جبير الكناني (ت 614هـ/1217م) بدقة تاريخ وصوله إلى مكة سنة 579هـ/1183م؛ فيقول: "ودخلنا مكة حرسها الله في الساعة الأولى من يوم الخميس الثالث عشر لربيع.. وهو الرابع من شهر أغشت (= أغسطس)" سنة 1183م.
ومن أظرف ما ذكره المقريزيّ -في ‘المواعظ والاعتبار‘- الاستعمالُ الفاطميّ الرسميّ للساعات؛ فقد ذكر في أحداث سنة 395هـ/1006م بمصر أنه "قُرئ سجلٌّ بأن يؤذَّن لصلاة الظهر في أول الساعة السابعة، ويؤذَّن لصلاة العصر في أول الساعة التاسعة".
فهذا توثيق لاستعمال الساعات في المراسيم الرسمية، كما أن فعلهم هذا يُشبه ما تصنعه وزارات الأوقاف اليوم من جدولة لأوقات الصلوات وطباعة لإمساكيات رمضان، وغير ذلك مما يعين الناس على ضبط أوقات عباداتهم.
والفاطميون ذوو ميل إلى الانضباط في هذا المجال، فقد كانوا يعتمدون الحسابات الفلكية في دخول الشهر القمري لا رؤية الهلال. ومن غلوّهم في ذلك ما حكاه الذهبي (ت 748هـ/1347م) –في ‘سير أعلام النبلاء‘- من قتلهم في سنة 335هـ/946م "الإمامَ الشهيد قاضي مدينة برقة محمد بن الحبلي"، لرفضه إصدار أمر للناس بالإفطار من رمضان دون رؤية هلال العيد بالعين. ثم علق الذهبي قائلا: "وكان هذا من رأي العبيدية، يفطرون بالحساب ولا يعتبرون رؤية".
الزمن عند المسلمين.. اعتمدوا خط غرينتش وأرّخوا أحداثهم بالساعات وصحابي يحدد وقت وصول 4a5af496-78dc-4e67-8
مواعيد بأجزاء الساعة
كان العرب إذا ذكروا العدد يقولون: عند مضيّ الساعة الأولى من النهار، أو عند مضيّ الساعة الثانية من الليل، أو عند مضيّ ثلاث ساعات أو أربع ساعات من النهار أو الليل وهكذا. ولم يكونوا يستعملون لفظ "الساعة الواحدة" مطلقًا، بل يقولون: "الساعة الأولى". كما لم يكونوا يقسّمون الساعات إلى دقائق وثوانٍ مثلما نفعله اليوم، بل يقولون مثلًا: ثلاثة أرباع الساعة، وأربعة أخماسها، وسُبع الساعة، ونصفُ سبع الساعة.. وهكذا.

قال ابن قتيبة الدينوري (ت 276هـ/889م) -في كتابه ‘الأنواء‘- متحدّثًا عن الهلال ومُكثه في السماء ابتداءً من أول الشهر: "ويُعلم أنه [أي الهلال] يمكث في السماء ستة أسباع ساعة من أولها، ثم يغيب، ولا يزال في كل ليلة يزيد على مكثه في الليلة التي قبلها ستة أسباع ساعة".
ولا يزال بعضُ هذه الاستعمالات موجودًا في كلامنا اليوم؛ فنقول: قابلني ظُهرًا، وضحىً، وعشيّة، بأسماء الساعات القديمة عند العرب. ونقول: الرابعة والنصف، والخامسة والثلث، والسادسة والربع، ولا نُجاوز ذلك إلى الخُمُس والسدس والسبع -كما فعل بعضُ أسلافنا- بل نستعملُ الدقائق.
وقد ذُكِرت الدقائق والثواني في مؤلفاتنا التراثية بالغة القدم، مثل كتاب ‘صفة جزيرة العرب‘ لابن الحائك الهمْداني؛ لكنه كان يذكرها كوحدات قياسٍ فلكيّة، لم تلبث أن أخذت مكانها وحداتٌ قياس زمنية لارتباط بعضهما ببعض. وسيأتي مزيد حديث عن ذلك.
وكانوا يستعملون وحدةً زمنيّة لا تزال موجودةً حتى الآن في بعض بلاد المغرب العربي مثل تونس، وهي "الدَّرج". واستعمال الدرج/الأدراج في التعبير عن أجزاء الوقت قديمٌ جدًّا عند العرب، وهو أقدم بكثير من الدقائق، وقد استعاروه من أدراج الأفلاك التي كانوا يقيسون بها الوقت كما هو معلوم.
ولذلك نجدُ الشاعر الفرزدق (ت 110هـ/729م) يقول: أَقولُ لِمَغلوبٍ أَماتَ عِظامَهُ ** تَعاقُبُ أَدراجِ النُجومِ العَوائِمِ؛ فقد استعمل الفرزق "أدراج النجوم" (= تحركاتها) وحدةً زمنيّة، كما هو شأنُ أهل العلم بالأفلاك والحساب في ذلك الوقت.
وقال المرزوقي الأصفهاني (ت 421هـ/1031م) -في كتابه ‘الأزمنة والأمكنة‘- إن "تعاقب النجوم [هو] أن يؤقت القوم لمقدار مسيرهم وقتاً، فتلك عُقْبَتُهم (= مدة رحلتهم)، فإذا قضوها ودخلوا في غيرها من أمثالها فتلك عُقبة ثانية؛ فإن دام ذلك منهم فذلك تعاقب أدراج الكوكب".
ثم لم تلبث الأدراجُ أن صارت تُذكر مقرونةً بالساعات، ومن جميل ذكرها في الشعر قول ابن العفيف التلمسانيّ (ت 688هـ/1289م):
خطبتُ وصْلَكمُ في جامعٍ لهوًى ** وقمتُ مُبتدِرَ الساعاتِ والدُّرَجِ

وقد جاء في بعض التواريخ أن الدَّرج صار في الأعصار التي بعد ذلك وحدةً متميّزة قابلةً للتقسيم، فكانوا يذكرون نصف الدرج وربعه وخمسه مثلًا، كما كان يوثّق به ابن تَغْري بَرْدي الأحداث في كتابه ‘النجوم الزاهرة‘.
ومن ذلك قوله إن السلطان المظفر أبا السعادات الشركسي (ت 833هـ/1430م) تولَّى الحكم "على مضيّ خمس درج من نصف نهار الاثنين تاسع المحرم سنة أربع وعشرين وثمانمئة".
الزمن عند المسلمين.. اعتمدوا خط غرينتش وأرّخوا أحداثهم بالساعات وصحابي يحدد وقت وصول ac7e415b-0cfd-4fc3-a
استخدامات موروثة
لم أجد من ذكر "الدّرج" وحدةً زمنيّة من أصحاب المعاجم المشهورة، خاصة المتأخرة نسبيًّا منها مثل ‘لسان العرب‘ و‘تاج العروس‘، بل عثرتُ به صُدفةً في كتب التاريخ والأدب. لكن هذه المعاجم أوردت "الدرجة" في مصطلحات الحسابات الفلك؛ فقد قال ابن منظور (ت 711هـ/1311م) -في ‘لسان العرب‘- إن "كل بُرْج من بُرُوج السماء ثلاثون دَرَجة".

ويقول الفيلسوف الفلكي أبو الريحان البيروني (ت 440هـ/1049م) -في كتابه ‘تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة‘- إنه "يجتمع من البروج شهور ومن الدرج أيام".
وقبل البيروني؛ أعطانا العالم الفلكي ابن جابر البَتّاني الحرّاني (ت 317هـ/929م) -في كتابه ‘الزيج الصابئ‘- تحديدا للدرجة الفلكية؛ فقال إنها "تنقسم إلى ستين قسما تسمى الدقائق، وكل دقيقة منها تنقسم إلى ستين قسما أيضا تسمى الثواني، وكل ثانية منها تنقسم إلى ستين ثالثة، وما بعد ذلك فعلى هذا الرسم من القسمة إلى العواشر وما بعدها".
ويختلفُ العرب اليوم اختلافًا كبيرًا في التعبير عن الساعة، خاصّة بين المشرق والمغرب العربيين. ففي تونس مثلًا؛ إذا لم تكن من أهلها وسألتَ أحدهم عن الوقت، فقال لك: "خمسة وسبعة"! فلعلّك تستغرب من جوابه وتقول: يا لهؤلاء القوم ما أعظم دقّتهم في تحديد الوقت! تظنّها: 5:07، ثم إذا عرفت طريقة القوم فهمتَ أنه قصد 5:35. ذلك أنهم يسمون كلّ خمس دقائق "دَرْجًا" فكان قصدُه: الساعة خمسة وسبعة أدراج؛ أما أهل المشرق العربي فيقولون: "خمسة ونصّ وخمسة".
ولا أظنّ الدَّرْج المغاربيّ -بمعنى خمس دقائق- موافقٌ في طوله للدَّرْج في كلام الأقدمين؛ فالدقائق الخمس بعيدةٌ من التجزئة، وقد كانوا يقسمون الدّرج إلى أجزاء، كما نجد عند ابن تغري بردي في قوله إن "القاضي الشافعي أسرع في الخطبة والصلاة إلى الغاية حسبما كان أشار إليه السلطان بذلك [لأنه كان مريضا]، بحيث إن الخطبة والصلاة كانتا على نحو ثلاث درج رمل وبعض دقائق"، وهو ما يفيد بأن "الدرج" وقت بالغ القصر.
ونادرًا ما تجدُ من أهل تونس -ولعله في بلاد المغرب العربي كلها- من يقول: قابلني الساعة الثانية عشرة، بل يقول: "بش نتقابلوا نص النهار"، أو "نص الليل"، ويضيفون عليه الأنصاف والأرباع والأدراج، فيقولون: نص النهار وربع، ونص الليل ونص، ونص الليل ودرجيْن. ويندرُ أن يقولوا كذلك: الساعة "واحدة"، أو الساعة "ثنتين" كما يفعل المشارقة، بل يقولون: "مَضي ساعة" و"مضي ساعتين"، أو "ع الساعتين". ولعلّ الطريقة المغاربية في التعبير عن الوقت أفصحُ وأقربُ إلى طريقة الأجداد.
الزمن عند المسلمين.. اعتمدوا خط غرينتش وأرّخوا أحداثهم بالساعات وصحابي يحدد وقت وصول d343e00b-0da0-4f95-9
ساعات الاستواء
وإذا كان قد غلب على طريقة العرب في تقسيم الوقت استعمالُهم الساعات الأربع والعشرين النهارية والليلية، المتفاوتة الطول بين الصيف والشتاء؛ فإنّ تاريخهم القديم لم يخلُ ممن يحسبُ وقته على أربعٍ وعشرين ساعةً متساوية (ستين دقيقة لكل منها) مثل ساعات اليوم بالضبط، غير أن هذا كان شبه محصور في علماء الفلك والجغرافيا، وكانوا يسمون هذه الساعات "ساعات الاستواء" أو "الساعات المستوية" أو "ساعة الاعتدال"، تمييزًا لها عن ساعة العامة التي تطول وتقصر بحسب الفصول الأربعة.

فقد قال ابن الحائك الهمداني -في كتابه المتقدم- إن مدينة البصرة العراقية "تطلع عليها الشمس بعد مطلعها على موضع الاستواء بساعتين مستويتين غير ثلث خمس ساعة". ونلاحظ هنا ذكره لخطّ الاستواء وكان أحيانًا يميزه بقوله "خطّ الاستواء الطوليّ" مفسرا إياه بأنه "دائرة نصف نهار القبة" الفلكية.
والمقصود بهذا الخط ما يُعرف اليوم بـ"خط الطول الأول" (خط غرينتش)!! الذي يقسّم الكرة الأرضية قسمين شرقي وغربي، وهو المعتمد عالميا لتحديد فروق التوقيت بين المناطق الزمنية منذ صدر بذلك قرار "مؤتمر خطوط الطول العالمي" المنعقد في ​العاصمة الأميركية واشنطن سنة 1301هـ/1884م.
وقد فصّل القول في ساعات الاستواء هذه ابن الحائك؛ فكان يذكرُ الدقائق والثواني وحداتٍ فلكيّة (وزمنيّة حُكمًا)، ويورد معها وحدةً أخرى لم تعد تُذكر، ولم تتحول إلى وحدةٍ زمنيّة في عصرنا كما هو حالُ الدقائق والثواني.
وهذه الوحدة كانت تُسمّى "الإصبع"، والإصبع ينقسمُ إلى دقائق وثوان، ومن ذلك قوله عن الشمس إن "مبلغ ظلها في الانقلاب الصيفي ثلاث أصابع، وثماني عشرة دقيقة، وثمان وثلاثين ثانية من إصبع، وظل الانقلاب الشتوي من رأس الجدي بها سبع أصابع، وأربع وثمانون دقيقة، وثمان وأربعون ثانية من إصبع".
ويزعم كثيرٌ من المعاصرين أن علي بن إبراهيم الأنصاريّ المعروف بابن الشاطر (ت 777هـ/1375م) كان أول من صنع آلةً تقيسُ ساعات الاستواء (ذات الستين دقيقة)؛ لكننّا نجد في كتبنا التراثية ما يدلّ على أنهم كانوا قادرين على قياس ساعات الاستواء قبل ابن الشاطر بقرون عديدة.
فمن ذلك أنّ أبا بكر الرازي الطبيب والفيلسوف المشهور (ت 311هـ/923م) ذكر -في كتابه ‘الحاوي في الطبّ‘- تشخيصات طبيّة ووصفات علاجيّة تعتمدُ على هذه الساعات، مثل قوله في تشخيص أعراضِ نوعٍ من الحُمّى أنه يستمرُّ في بعض الناس "ساعتين من ساعات الاستواء"؛ فدلّ ذلك على قدرته –وكذلك من سيطالع كتابه من أبناء زمانه- على حساب ساعات الاستواء بسهولة. كما أفاض البَتّاني في كيفية حساب الساعات وتحديد المواقيت بحسابات دقيقة؛ وقد اقتبسنا منه فيما سبق.
ولعلّ إنجاز ابن الشاطر الأهم يكمن في دقة آلته ودوامها، ويشهدُ لذلك أن ابن أيْبَك الصفدي (ت 764هـ/1363م) قال -في كتابه ‘الوافي بالوفيات‘- إنه رأى "أَسْطُرْلاب" ابن الشاطر (الأَسْطُرْلابُ آلة فلكية قديمة تكشف حركة الأجرام السماوية وتحدد الوقت والاتجاهات)؛ فأعجب به إعجابًا شديدًا حتى إنه نظم في ذلك شعرًا جاعلا آلة ابن الشاطر مضرب مثلٍ في حسن دورانها وانتظامه:
أفلاكُ شوقيَّ مُذْ تغيَّب شخصُكم ** دارت على قُطْب الجَوَى فِي خاطري
لا يعتريها فَتْـرَة فِي دورهــــا ** فَكَـــأَنَّـهَا اسْـــطُرلابُ إبْـنِ الشــاطر

كانت تلك حكاية أجدادنا مع الزمن وتوظيفهم لوحدته الأشهر "الساعة"؛ أما حكايتهم مع الساعة -التي هي الآلة المستخدمة في حساب الزمن وقياسه- وأنواع اختراعاتهم في مجالها.. فلعل لها حكايةٌ أخرى أعظمُ وأغربُ!!
الموضوع الأصلي : الزمن عند المسلمين.. اعتمدوا خط غرينتش وأرّخوا أحداثهم بالساعات وصحابي يحدد وقت وصول     -||-     المصدر :     -||-     الكاتب : فيصل

hg.lk uk] hglsgldk>> hujl],h o' yvdkja ,Hv~o,h Hp]heil fhgshuhj ,wphfd dp]] ,rj ,w,g

]]>
عطر الشخصيات التاريخيه والانساب المشهورة فيصل https://www.g-3e6r.com/vb/showthread.php?t=21901
<![CDATA[رفضوا مساجدهم "الحرام" وقوانينهم الوضعية وقدموا رُؤى للإصلاح.. هل حاول ابن تيمية وال]]> https://www.g-3e6r.com/vb/showthread.php?t=21900&goto=newpost Tue, 23 Apr 2024 03:07:33 GMT * هل حاول ابن تيمية والسبكي وابن خلدون إنقاذ دولة المماليك؟* صورة:... هل حاول ابن تيمية والسبكي وابن خلدون إنقاذ دولة المماليك؟

رفضوا مساجدهم "الحرام" وقوانينهم الوضعية وقدموا رُؤى للإصلاح.. هل حاول ابن تيمية وال 9c0e2d3e-07f4-41bd-9

"أما سؤالكم عن الزمان فإن الزمان هو الناس"؛ بتلك العبارة كتب الأديب عبد الله بن المقفع (ت 142هـ/760م) رسالته في الإصلاح السياسي إلى الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور (ت 158هـ/676م)، متحدثا عن أربعة أزمنة حضارية لن يخرج عنها مسار الدولة الإسلامية: الزمن الأول -وهو الأفضل- "ما اجتمع فيه صلاح الراعي والرعية"، ويليه في الأفضلية الزمن الثاني وهو "أن يصلح الإمام نفسه ويفسد الناس"، وبعدهما الزمان الثالث الذي يتميز بـ"صلاح الناس وفساد الوالي"، أما الزمان الرابع فإنه "شرُّ الزمان [وهو] ما اجتمع فيه فساد الوالي والرعية" معا.

ويبدو أن عددا من الفقهاء -خصوصا في العصور المتأخرة- انشغلوا بتقديم أفكار إصلاحية تقوم بالأمرين: إصلاح الراعي والرعية. وعبر استقراء لثلاثة كتب تمثل ركائز إصلاحية "للزمن الرابع" وظهر أصحابها في القرن الثامن الهجري/الرابع عشر الميلادي؛ سنقدم هنا بعض طرائق الإصلاح السياسي والمجتمعي التي حاول مقترحوها الاضطلاع بمهمة "إصلاح الراعي والرعية".


ومما يجمع المؤلفين الثلاثة بلوغهم رتبة الإمامة في العلم الشرعي، وأن كلا منهم انشغل بتلمس مشاكل المجتمع دون أن يهمل العناية بدواليب السلطة (الإفتاء والحسبة والقضاء والوزارة.. إلخ)، واكتوى بمحنة السجن حين اتُّهم بالمس من مصالح السلطة. كما يشتركون في أنهم كتبوا رؤاهم الإصلاحية هذه وهم في الأربعينيات من أعمارهم!

ثم إنهم ينتمون إلى مجال جغرافي واسع يمثل قلب العالم الإسلامية: الشام ومصر والغرب الإسلامي، ويمثلون المذاهب الفقهية الكبرى السائدة آنذاك في هذا الفضاء الجغرافي: الحنابلة والشافعية والمالكية، وإن تباينت اختياراتهم المنهجية في الاعتقاد والسلوك بين مذاهب أهل الحديث والأشاعرة والمتصوفة.
كما تعددت مناهجهم في تصور الإصلاح المنشود بين منهج نظري اتبعه شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728هـ/1328م)، وآخر عملي انتهجه تاج الدين السبكي (ت 771هـ/1369م)، وثالث وصفي تأملي حضاري قدمه الفقيه القاضي والمؤرخ ابن خلدون (ت 808هـ/1406م)!
إن هذه المشروعات الإصلاحية الثلاثة جمعت بينها ظروف معقدة جدا صاحبت العصر المملوكي الذي عانى من اضطراب شديد، وانقسام واسع لدولة الخلافة الجامعة، وحروب طاحنة شهدت أكثر من مئة حملة عسكرية كبيرة وصغيرة، قاتل فيها مئات آلاف المحاربين، وعرفت نزاعات فرقية شديدة، وشيوع أفكار عدّها الفقهاء كاسرة للعقيدة القويمة.
والحقيقة أن دولة المماليك -التي امتدت من سنة 648هـ/1250م إلى سنة 923هـ/1518م- خرجت من رحم انتصارات تاريخية لتحكم سلطنات عظيمة بمصر والشام والحجاز، وكل ما تملكه من مؤهلات هو البسالة العسكرية وقوة البأس، مستغلة حالة التراجع الاجتماعي الشديد.
فكيف تصرف العلماء مع هذا التحدي؟ وكيف فكرت النخبة العلمائية في ذلك العصر؟ وما هي المناهج النظرية والعلمية التي طرحتها لتوظيف القوة المملوكية الصاعدة في الدفع باتجاه تحقيق الإصلاح الشامل؟
رفضوا مساجدهم "الحرام" وقوانينهم الوضعية وقدموا رُؤى للإصلاح.. هل حاول ابن تيمية وال ط§ظ„طھط§ط±ظٹط®-ط§ظ„ط

مقاربة تيمية
عرف السلطان الناصر محمد بن قلاوون (ت 741هـ/1340م) بكونه أحد رواد الإصلاح المؤسسي في العصر المملوكي، وفي عهده ظهر الكثير من الدواوين والمؤسسات التعليمية والصحية. وينبهنا ابن كثير (ت 776هـ/1374م) -في كتابه ‘البداية والنهاية‘- إلى أن عالما مجتهدا كبيرا ساهم في دفع قلاوون باتجاه الإصلاح وتبني بعض المواقف الأخلاقية في عصره، ويضرب مثالا على ذلك بإبطاله شراء المناصب بالرشوة -التي كانوا يسمونها ‘البَرْطَلة‘- و"كان سبب ذلك الشيخ تقي الدين ابن تيمية".

ويُعتقد أن ابن تيمية كتب رسالة إصلاحية مهمة لهذا السلطان لعلها كتابه المعنون بـ‘السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية‘، لما رأى أن الأوضاع في زمنه تندرج ضمن "الزمن الرابع" لدى ابن المقفع؛ فقد حاول هذا الفقيه أن يقوم بالدورين: إصلاح السلطة وتنوير المجتمع، فكتب باختصار عن فكرة وصفها بأنها "لا يستغني عنها الراعي والرعية"، معللا ذلك بأنه "لما تغير الإمام والرعية كان الواجب على كل إنسان أن يفعل من الواجب ما يقدر عليه".
إن فكرة هذا الكتاب ذكية جدا وتذكّرنا -على نحو ما- بـمساهمة الإمام الجويني (ت 478هـ/1089م) في المشروع الإصلاحي للدولة السلجوقية؛ فهي تنظّر لكيفية تقنين وضع القوة والشجاعة المتمثلة في الطبقة الحاكمة الجديدة (المماليك)، وفي نفس الوقت يتم توجيهها نحو الإصلاح.
وتحقيق هذين الأمرين معناه القبول بالواقع المملوكي وأصحابه ذوي الأمجاد العسكرية، طالما أن هذا الواقع سيعمل على إصلاح نفسه وإصلاح المجتمع، وسيرضى بأن يكون العلماء شركاء في السلطة ما دام "أولو الأمر صنفان: الأمراء والعلماء".
ومن هنا نفهم سر التسمية "إصلاح الراعي والرعية" التي هي إعادة صياغة واضحة لعبارة ابن المقفع "صلاح الراعي والرعية"، فمن الخطورة الشديدة -وفقا لرؤية ابن تيمية- ترك تلك القوة الكبيرة تتفلت من قواعد الدين لأنه "إن انفرد السلطان عن الدين أو الدين عن السلطان فسدت أحوال الناس".
مبدئيا؛ كان ابن تيمية يدرك أنه لا مجال للحديث في هذا الكتاب عن شرعية قرشية، أو حتى عن شرط الحرية المعتاد تأكيده في الفقه السياسي الإسلامي، كما أن الظرف لا يسمح بمناقشة مشروعية المماليك بإعادة ما فعله العز بن عبد السلام (ت 660هـ/1262م)، حينما أشرف على بيع أمرائهم غير مؤهلين شرعا للحكم لكونهم "مماليك" واقعين في الاسترقاق!
فقد تخطت الظروف ذلك الموقف لأن المماليك صاروا يحكمون بشرعية الانتصاريْن العظيمين في "معركة عين جالوت" عام 658هـ/1260م "ومعركة حمص" سنة 680هـ/1281م، وهما الانتصاران اللذان كسرا -إلى الأبد- مدَّ التتار الجارف؛ ولأن الخليفة القرشي العباسي –الذي تُشَرْعَنُ به ممارسات السلاطين- صار مقره القاهرة، وهو نفسه يصف السلطان المملوكي بـ"السلطان الملك الظاهر السيد الأجل العالم العادل المجاهد المؤيد ركن الدنيا والدين"؛ وفقا للإمام المؤرخ قطب الدين اليُونِيني (ت 726هـ/1326م) في ‘ذيل مرآة الزمان‘.
رفضوا مساجدهم "الحرام" وقوانينهم الوضعية وقدموا رُؤى للإصلاح.. هل حاول ابن تيمية وال ط§ظ„طھط§ط±ظٹط®-ط§ظ„ط
تصور شامل
يتحدث كتاب ‘إصلاح الراعي والرعية‘ -الذي هو أول الكتب الثلاثة تأليفا- عن أهمية التدبير الأمثل لشؤون الولايات ومؤسسات السلطة العامة، وأهمها: السلطان ونائبه (مؤسسة الرئاسة)، وإمارة الجند (مؤسسة الجيش)، والقضاء والحسبة (السلطة القضائية)، وولاية الأموال (وزارة المالية). وإذا كانت السلطة العليا نالت استثناء بحكم الأمر الواقع، فإنه يمكن قبول ذلك بشرط تبني معايير جديدة في الولايات الأقل شأنا.


ومن هنا تحدث ابن تيمية في كتابه عن نحو تسع ولايات كبرى تخص كيان الدولة، وتقريبا 17 من ولايات المجتمع، وأوجب على السلطان البحث عن المستحقين للولايات من نوابه على الأمصار: من الأمراء، والقضاة، ومن أمراء الأجناد ومقدمي العساكر، وولاة الأموال: من الوزراء، والكتّاب (= المحاسبون)، والشادّين (= المفتشون)، وسُعَاة (= جُباة) الخراج والصدقات.
كما طالب هذا الإمام بأن توَّسد أمور الولايات بعيدا عن الولاء الرحمي مثل القرابة أو "ولاء العتاقة" ويقصد به المماليك، وكذلك تجاوز الولاء القُطري والمذهبي والطُّرُقي الصوفي، وكذلك الانحياز العرقي "فإن الرجل لحبه لولده أو لعتيقه (= مملوكه سابقا) قد يؤثره في بعض الولايات، أو يعطيه ما لا يستحقه؛ فيكون قد خان أمانته".
بنى ابن تيمية كتابه هذا على آيتين من القرآن الكريم، هما قوله تعالى: ﴿إنّ اللهَ يأمرُكم أن تؤدُّوا الأماناتِ إلى أهلِها﴾ وهي تخص الراعي (الحاكم)، وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اللهَ وأطيعوا الرسولَ وأولي الأمرِ منكم﴾، وهي تخص الرعية (الشعب). وحاول –بتنظير اتّسم بالواقعية الشديدة- أن يفض نزاعا كبيرا بين قيمتيْ "القوة" و"الأمانة" عبر هاتين الآيتين.
لقد كان يدرك أن اللحظة المثالية هي تلك التي تسيّر فيها الدولة بالحاكم "القوي الأمين"، ولكن "اجتماع القوة والأمانة في الناس قليل"، وهو إشكال يمس المشروعية السياسية داخل العصر المملوكي بالذات. فالكثير من المماليك حديث عهد بإسلام، وبعضهم مطعون فيه أخلاقيا؛ فهم قد "جمعوا بين الحق والباطل، وضموا الجيد إلى الرديء"، كما يصفهم المؤرخ تقي الدين المقريزي (ت 845هـ/1441م) في ‘المواعظ والاعتبار‘. وقد جيء بهم رقيقا من أصقاع الأرض، فأقاموا دولتهم بالسيوف والرماح، وأهم ما كانوا يستندون إليه هو قوتهم وبأسهم.
رفضوا مساجدهم "الحرام" وقوانينهم الوضعية وقدموا رُؤى للإصلاح.. هل حاول ابن تيمية وال ط§ظ„طھط§ط±ظٹط®-ط§ظ„طمرونة تطبيقية
كان السؤال المطروح أمام ابن تيمية هو: أين يمكن توظيف كل قيمة في موضعها؟ فقرر أنه في ولاية الحرب وقيادة الجيوش إذا حدث تعارض بين القوي الفاجر والأمين الضعيف، فإنه يقدم "الرجل القوي الشجاع وإن كان فيه فجور"، لكن الأمر مختلف في ولايات الأموال فـ"إذا كانت الحاجة في الولاية إلى الأمانة أشد قُدِّم الأمين".

وفي ولاية القضاء -التي هي ولاية تجمع بين المستوييْن الديني والسياسي- تحرّج ابن تيمية من أن يطبّق عليها معيار القوة، فقال إنه "يقدَّم الأكفأ إن كان القضاء يحتاج إلى قوة وإعانة للقاضي أكثر من حاجته إلى مزيد العلم والورع".
والحقيقة أن ابن تيمية يفتح الباب أمام المرونة في تطبيق تلك القيم، حيث يقول "يجب.. السعي في إصلاح الأحوال حتى يكمل في الناس ما لا بد لهم منه من أمور الولايات والإمارات ونحوها". كما يطرح حلا إصلاحيا خلّاقا بدعوته إلى تعويض نقص القيم في الأفراد باستكمالها في المؤسسات، فإذا لم يوجد الفرد "القوي الأمين" فإنه يمكن توظيف شخصيات كل منها يجمع جانبا من هاتين القيمتين لتتحققا بـ"تعدد المُوَلَّى إذا لم تقع الكفاية بواحد تامّ".
اللافت أن ابن تيمية كان يحاول -بذكائه المعهود- توريط مؤسسة القوة بتحميلها القيام مباشرة بالواجبات الدينية لـ"إصلاح دين الخَلْق"؛ حيث ألزم مؤسسة الجيش المملوكية -وهي مؤسسة الحكم الفعلية- بأن ترعى فريضتيْ "الصلاة والجهاد"، لأنه "كانت السنة أن الذي يصلي بالمسلمين الجمعة والجماعة ويخطب بهم: هم أمراء الحرب".
ثم بين الإمام أن رعاية الصلاة تقود إلى أمرين: صيانة ثاني أركان الدين، وفي نفس الوقت تجسيد قيمة خُلقية قد يقود التحلي بها إلى إصلاح المؤسسة نفسها "إذا أقام المتولي عمادَ الدين؛ فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهي التي تعين الناس على ما سواها من الطاعات".
وبالتالي؛ فإن ابن تيمية -في خطته النظرية لإصلاح الدولة المملوكية والمجتمع الذي كانت تحكمه- كان يتحرك ضمن شرط الواقع، ليس بهدف الوقوع فيه بل للنهوض به؛ فهو يقبل به لكي يمارس ضغطا عليه يتجه به نحو الإصلاح. وقد لاحظ الشيخ محمد أبو زهرة (ت 1394هـ/1974م) أن هذا النهج من التفكير في رعاية المصالح الشرعية كان سمة لذلك العصر، سواء أكان عند ابن تيمية أو في رؤية معاصره نجم الدين الطوفي الحنبلي (ت 716هـ/1316م) المتعلقة بتوسيع حجية المصلحة في التشريع الإسلامي.
رفضوا مساجدهم "الحرام" وقوانينهم الوضعية وقدموا رُؤى للإصلاح.. هل حاول ابن تيمية وال طµظˆط±-ط§ظ„طھط§ط±ظٹطبرنامج عملي
ألّف ابن تيمية الشامي كتابه عن إصلاح الراعي والرعية في القاهرة، بينما صنّف تاج الدين السبكي المصري كتابه ‘معيد النعم ومبيد النقم‘ في دمشق؛ والأخير هو الكتاب الثاني الذي يمثل الحلقة الأبرز ضمن حلقات المشروع الفقهي لإصلاح الدولة والمجتمع في العصر المملوكي خلال القرن الثامن الهجري.

يختلف ‘معيد النعم‘ عن كتاب ابن تيمية اختلافَ المؤلَّف العملي عن صنوه النظري، وإن كان المؤلِّفان يتحدثان من أرضية مشتركة قوامها استقلالية العلماء عن تأثير الأمراء؛ فكتاب ابن تيمية أُلِّف على غرار مصنفات السياسة الشرعية التي تتعرض عادة للوظائف السياسية العامة للدولة، ولا تهتم كثيرا بالمجتمع وما يعج به من مرافق ومِهَن، أما كتاب تاج الدين السبكي فهو كتاب تطبيقي يبحث أسباب انحراف الدولة في القطاعين العام والخاص، برصده للعيوب الوظائفية والإنتاجية السائدة فيهما وتقديم رؤى وبرامج لمعالجتها.
وبالتالي فهذا الكتاب درس في السياسة العملية والبرامجية التي تُقدمها في عصرنا اليوم مراكز الخبرة وبيوت الاستشارة لصنّاع القرار. وهو يقدم لنا قراءة عميقة لطبيعة المجتمع المملوكي في مصر والشام والحجاز، عبر رصده لـ113 وظيفة وحرفة هي قوام حياة هذا المجتمع في تلك اللحظة التاريخية، ويمكن تصنيفها ما بين وظائف إدارية، وأخرى علمائية، وثالثة مرتبطة بالحِرَف والصناعات والتجار وأصحاب رؤوس الأموال.
وقد خاطب السبكي في كل ذلك السلطانَ ونائبه ومساعديهما وقادة الجيوش، والعلماء في المساجد والمتصوفة في الزوايا، وصولا إلى أصحاب المهن المختلفة وحتى الشحاذين في الطرقات. وبالتالي؛ فالكتاب مصدر غني بالمعطيات التي تخدم أعمال المؤرخين والباحثين الاجتماعيين، وكل المعنيين بنظام الدولة والمجتمع حينها، وبكيفية عمل الوظائف القيادية والإدارية في الدولة ونظيرتها الخدمية في المجتمع. ومن المهم أن نلحظ أن الكتاب يندرج ضمن مجال السياسة الشرعية التطبيقية، وهو مجال لا يتلفت إليه الباحثون كثيرا.
استخدم المؤلف مفهوما شرعيا تزكويا وهو خُلُق "الشكر" ليكون خيطا ناظما لملامح منهجه في الإصلاح السياسي والمجتمعي والاقتصادي، رغم أن الكتابة عن "الشكر" مشهورة في كتب الرقائق والتصوف.
وما كتبه السبكي عن الشكر في المدخل النظري للكتاب -وفي الخاتمة عن منحة المحنة- مقتبس من كتاب ‘إحياء علوم الدين‘ للغزالي (ت 505هـ/1111م) الذي تأثر هو أيضا -حسب ابن تيمية- بنفس المعالجة للشكر التي قدمها الصوفي الكبير أبو طالب المكي (ت 386هـ/997م) في كتابه ‘قوت القلوب‘. والجديد في معالجة السبكي لشكر الله هو أنه جعله مدخلا للحديث عن ترميم الواقع.
رفضوا مساجدهم "الحرام" وقوانينهم الوضعية وقدموا رُؤى للإصلاح.. هل حاول ابن تيمية وال 6ba03d6a-6432-4427-8
تزكوي وسياسي
واللافت أن هذا الانزياح الدلالي في حركة المفاهيم -الذي أجراه السبكي في توظيف مفهوم "الشكر" التزكوي في الحقل السياسي والمجتمعي- كان سمة لذلك العصر. فظهور مصطلح "نائب الفاعل" في الدراسات النحوية -على يد الإمام النحوي ابن مالك الجياني (ت 672هـ/1271م)- كان انزياحا دلاليا آخر، قادما هذه المرة من حقل السياسة ليواكب فيما يبدو تضخم سلطات "نائب السلطان".


وكذلك مصطلح "السلطان المختصر" الذي أطلِق على "نائب السلطان" ذي الصلاحيات الواسعة، واستقاه معجم اللغة السياسية حينها من حقل التأليف العلمي وخاصة الفقهي.
وهذا الاتساع في صلاحيات "نائب السلطان" هو الذي جعل السبكي -وكذلك ابن تيمية- يفرد له الكثير من التفصيلات في الحديث عن الولايات والصلاحيات، لا سيما إذا عرفنا أن الكثير من السلاطين تولوا الحكم وهم دون سن البلوغ فكان نوابهم هم المتصرفين، وقد شجعهم السبكي على ذلك ليكونوا في المكان الذي يدير منه السلطان الحكم فيباشروا شؤون الرعية.
افتتح السبكي كتابه بـ"سؤال" وجهه إليه سائل يطلبا منه –وهو الفقيه القاضي- إخباره عن "طريق لمن سُلب نعمة دينية أو دنيوية إذا سلكها عادت إليه ورُدّت عليه"؛ فأجابه بأن عليه ثلاثة أمور: أن يعرف السبب الحقيقي الذي أدى إلى ذهاب النعمة؛ وأن يتوب من الذنب الذي تسبب له في فقدان نعمته؛ ثم أن يعترف بما في محنة فقدانه النعمة من فوائد ليرضى.
لم تقنع هذه الإجابة السائلَ فطلب من السبكي "شرحا مُبِينا مختصرا"، فرأى أن يضع كتابا في جوابه مقتصرا فيه على "النعم الدنيوية إذ كانت محط غرض السائل". لكن السبكي قرر أن ينقل السؤال من حالة الفرد إلى وضعية الدولة والمجتمع، فوسّع من دلالة السؤال عن كيفية استعادة الفرد المصالح الضائعة عليه، إلى كيف تعود الأمة -بكافة نُظُمها- وحكامها إلى النعم والتمكينات التي فقدتها بسبب الانحرافات السلطوية والاجتماعية؟
وقد استخدم السبكي فكرة "الشكر" هنا للقيام بعدة أمور، في مقدمتها أن تصبح ممارسة الوظيفة والمهنة على الوجه الأمثل دينا يُتقرب به إلى الله، باعتبارها شكرا لنعمه على صاحب الوظيفة أو الصنعة، وهذا يرفع من مستوى الاحتراف والإنتاجية بإتقان العمل. وقد كان من دأب ذلك العصر أن الصناعات يتم تلقيها بالسند عن معلميها مثلها في ذلك مثل العلوم الشرعية.
رفضوا مساجدهم "الحرام" وقوانينهم الوضعية وقدموا رُؤى للإصلاح.. هل حاول ابن تيمية وال 0003.jpg?w=770&r
مدخل صوفي
لماذا اختار السبكي "الشكر" وليس "الحمد"؟ الجواب أن الحمد -في أقوى تعريفاته- سلوك قلبي، لا بد من أن يكون هو حال الإنسان سواء كان الفرد في نعمة أم في ابتلاء، أما الشكر فلا يكون إلا عند حضور النعمة. والشكر وصفه القرآن بالعمل ﴿اعْملوا آلَ داودَ شُكراً﴾؛ (سورة سبأ/الآية: 13). وهو رد الفعل اللازم تجاه أي مِنة أو هِبة مست الإنسان، وبالتالي فهو فكرة معيارية يمكن أن تحس وتشاهد.

وعندما يسأل فرد أو أمة عن سبب ذهاب نعمة دينية أو دنيوية -كوظيفة أو ولاية أو مال أو سيادة وتمكين- يقال له إن السبب هو "إخلالك بالقيام بما يجب عليك من حقوقها وهو الشكر، فإن كل نعمة لا تشكر جديرة بالزوال".
إن الخلل الذي يعنيه السبكي في فهم دلالة الشكر هنا هو أن ينصرف أي عامل إلى صنع أفعال خيرية تطوعية من صيام وصدقات وحج، بينما يتجاهل مهام وظيفته نفسها، ويعتبر أن فعل ذلك يؤدي إلى أن "تشكر [الوظيفة] على وجه غير الوجه الذي عليه بُنيت". وضرب لذلك مثلا بنعمة البصر والسمع قائلا: "[لو] تصدّقت بدرهمين شكرا للَّه تعالى على نعمة الأذنين، وهتكتَ كل قبيح سمعته، وأصغيت إلى كل حرام وَعَيته؛ فلستَ من الشاكرين".
ويتحدث الإمام السبكي عن الشكر العملي للسلطان أو الحاكم فيقول: "إذا ولَّاك اللَّه تعالى أمرا على الخلق فعليك البحث عن الرعية، والعدل بينهم في القضية، والحكم فيهم بالسويّة، ومجانبة الهوى والميل"، و"لو أنك تركت الناس هملًا يأكل بعضهم بعضا وجلست في دارك تصلي وتبكي على ذنوبك لكنت مسيئا على ربك…، فمَلِكُك لم يطلب منك أن تتهجد بالليل ولا أن تصوم الدهر، وإنما يطلب منك ما ذكرناه. فإن ضممت إليه أعمالا أخرى صالحة كان ذلك نورا على نور، وإلا فهذا هو شكر نعمة الولاية التي بها تدوم".
والحقيقة أن السبكي يحاول أن يعالج الازدواجية الشديدة التي كانت سائدة في المجتمع المملوكي، حيث كان الحكام يعتقدون أن بناء المساجد، ومدارس العلم، وزوايا التصوف، وإطعام الفقراء، وإقامة أسبلة الماء؛ كفيل بغفران ذنوب سفك الدماء وهدر الأموال وظلم العباد.
إن هدف الشكر عند السبكي هو إيجاد الإنسان المهني الحر الذي يقوم بواجباته المثالية، دون أن يقع في عبودية الوظيفة أو يسيطَر عليه بها، بل إنه يمكنه من رفض أي قوة تحاول حرفه عن وظيفته وأهدافها ونظامها المهني وقواعدها المثالية، فالوظيفة ليست عقد عبودية مع الدولة وإنما هي استخلاف من الله.
ويرى السبكي أنه مهما كانت خيارات السلطة التي مكنتك من تلك الوظيفة، فهناك غرض ما وهدف آخر لها وهو أنك مفيد لتلك السلطة في جانب من الجوانب، حيث "يَطلب [مَنْ عيّنك] نفعَ نفسه بنفعك، ويتخذك وسيلة إلى نعمة أخرى يرجوها لنفسه"، ولذلك فإن السلطان "لو لم يكن له غرض في الإِعطاء لما أعطاك". إن هذا طبعا لا ينفي الامتنان للناس، ولكنه يجعله امتنانا يقترن بإدراك أنهم قاموا بإيصال مراد الله إليك، أما الشكر الذي يتضمن "الاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع" فإنما يكون لله وحده.
رفضوا مساجدهم "الحرام" وقوانينهم الوضعية وقدموا رُؤى للإصلاح.. هل حاول ابن تيمية وال ط§ظ„طھط§ط±ظٹط®-ط§ظ„طجرأة لافتة
اتسم مؤلف الكتاب بجرأة الطرح والشجاعة في عرض رأيه ونقده السياسي والاجتماعي، وتلك الفضيلة كانت سمة عامة في عصر المماليك الذي انتشرت فيه الكتابات والأشعار الناقدة، والتي من أشهرها القصائد السياسية لشرف الدين البوصيري (ت 696هـ/1297م) صاحب قصيدة ‘البردة‘ في المديح النبوي، والكتابات الشديدة في مخاطبة الولاة. وهذا الكتاب يعد نموذجا في ذلك من حيث الأسلوب ومستوى النقد الصريح.

ومن ذلك أن السبكي يسجل بوضوح أن من مظاهر جحود نعمة رئاسة المسلمين أن يظن السلطان أن الولاية هي أن يكون الرئيس "آكلا شاربا مستريحا"، وهو إنما تولى أمر المسلمين "لينصر الدين ويُعلي الكلمة"، وكذلك ليست السلطنة أن "يفرق [السلطان] الإقطاعات على مماليك اصطفاها وزينها بأنواع الملابس، والزراكش المحرمة، وافتخر بركوبها بين يديه، وترك الذين ينفعون الإسلام جياعا في بيوتهم". كما حاول أن يهدم عادة ساسانية اشتهر بها عصره وهي تقبيل الأرض تحت السلطان، فذكر أنها أمر "من عظائم الذنوب، ونخشى أن يكون كفرا".
كما انتقد بشدة سلوك البذخ في بناء المساجد الكبرى وهو من ميزات العصر المملوكي، خصوصا تلك التي كانت تشيد بفرض الضرائب ونهب أموال الرعية، فنجده يخاطب الحاكم بقوله: "تريد أن تعمر الجوامع بأموال الرعايا، ليقال: هذا جامع فلان؛ فلا والله لن يتقبله الله تعالى أبدا، وإن الله سبحانه طيب لا يقبل إلا طيبا".
وقد تحدث المؤرخ المصري ابن إياس (ت 928هـ/1522م) -في كتابه ‘بدائع الزهور‘- عن ذلك السلوك، وموقف العلماء من بعض المساجد التي بُنيت بأموال الشعب المغتصبة من أجل التدليس على الناس، وقال إن المصريين "اللطفاء" أطلقوا على مدرسة/مسجد بناه السلطان قانصوه الغوري (ت 922هـ/1516م) بأموال الضرائب الظالمة اسم "المسجد الحرام". وانتقد السبكي كذلك سلوك نخبة المجتمع التي يحرص أحدهم على الصلاة "شكراً لله تعالى على أن جعله ذا كلمة نافذة عند ولي الأمر، و[يـ]ترك المظلوم يتخبطه الظلم"، مؤكدا أن "صَلاته وبالٌ عليه"!
والمتمعن في تلك التفاصيل الناقدة يجد أنها ترصد الواقع السياسي الذي كان يعيشه السبكي، وأنه حاول أن يلخص تلك الإشكالات السلطوية وما صاحبها من ازدواجية في القيم، واعتبر أن كل هذه السلوكيات مضادة لمهام الوظيفة ومعجِّلة بزوال نعمتها عن صاحبها، وإذا استمرأ السلطان هذه السلوكيات ثم "سلبه الله النعمة أخذ يبكي ويقول: ما بال نعمتي زالت وأيامي قصرت؟! فيقال له: يا أحمق، أما علمت السبب؟! أَوَلستَ الجاني على نفسك؟!".
رفضوا مساجدهم "الحرام" وقوانينهم الوضعية وقدموا رُؤى للإصلاح.. هل حاول ابن تيمية وال ط§ظ„طھط§ط±ظٹط®-ط§ظ„طازدواجية قضائية
وبعد أن شخص الأدوات التي تؤدي إلى زوال السلطة؛ أوضح السبكي أن من معاني شكر الولاية أن يتأكد السلطان أنه "والرعية سواء". ثم شرع في بيان معاني الشكر التي يجب أن يتسم بها السلطان بشكل عملي، وهي "أن ينظر في الإقطاعات [المالية] ويضعها مواضعها، ويستخدم من ينفع المسلمين"، وكذلك "من وظائفه الفكرة (= الاهتمام) في العلماء والفقراء وسائر المستحقين، وتنزيلهم منازلهم".

ثم تحدث عن قضية مهمة شهدها هذا العصر الذي عرف عقوبات كثيرة مخالفة للشريعة تحت مصطلح "السياسة" (مثل التسمير والسلخ والخوزقة والتوسيط)، وكان بعض المماليك يتخذونها وسيلة لبسط سيطرتهم الأمنية. واللافت أن السبكي لاحظ أن هناك نقدا لالتزام بعض المسؤولين بالشريعة الإسلامية، حيث توصف عقوباتها باللين أمام نظام الإرهاب الذي اتبعته بعض السلطات المملوكية، وعن هذا يقول: "فإذا رأيت من يعيب على نائب السلطنة انقياده للشرع وينسبه بذلك إلى اللين والرخاوة؛ فاعلم أنه يُخشى عليه أن يكون ممن طُبع على قلبه".
وتلك الملاحظة التي سجلها السبكي تشير إلى فكرة مهمة، وهي أن المماليك هم أول من أقام قضاء يحكم بالقانون الوضعي (قانون ‘الياسة‘ المغولي) منفصلا عن القضاء الشرعي، فسبقوا بذلك ما فعله الاستعمار الغربي بعدهم بقرون.
وكما يقول المقريزي -في ‘المواعظ والاعتبار‘- فإن المماليك "فوضوا لقاضي القضاة كل ما يتعلق بالأمور الدينية.. وجعلوا إليه النظر في الأقضية الشرعية..، واحتاجوا في ذات أنفسهم إلى الرجوع لعادة جنكزخان والاقتداء بحكم ‘الياسة‘، فلذلك نصبوا الحاجب ليقضي بينهم فيما اختلفوا فيه من عوايدهم.. على مقتضى ما في ‘الياسة‘".
ومن الأفكار المهمة التي وردت في الكتاب نقده للمؤسسة العسكرية المملوكية، وهي مؤسسة الحكم والنخبة السياسية في ذلك العصر؛ فقد حرم السبكي تجنيد الفقير العاجز الذي لا يستطيع أن يدفع البدل، وكذلك انتقد بشدة سياسة تسخير الفلاحين من المجندين في إقطاعيات قادة الجيش لأن "الفلاح حر لا يدَ لآدمي عليه، وهو أمير نفسه".
كما رفض فكرة أن يستمر الفلاح في الجيش فوق ثلاث سنوات، واعتبر ذلك من قبائح "الديوان" العسكري محتجا على جعل القوانين العسكرية فوق أحكام الشريعة، فـ"من قبائحهم (= العسكر) أنهم إذا اعتمدوا شيئا مما جرت به عوائدهم القبيحة؛ يقولون: هذا شرع الديوان! والديوان لا شرع له، بل الشرع لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم. فهذا الكلام ينتهي إلى الكفر؛ وإن لم تنشرح النفس لتكفير قائله فلا أقل من ضربه بالسياط".
رفضوا مساجدهم "الحرام" وقوانينهم الوضعية وقدموا رُؤى للإصلاح.. هل حاول ابن تيمية وال 1-69.jpg?w=770&r
مدني وعسكري
ولعل من المدهش حقا في الكتاب تلك الصفحات الطوال التي كتبها لتحليل العلاقات المدنية العسكرية في تلك الفترة، وبتلك الدقة التي تكاد تتماس في الكثير من الأحيان مع إشكالات الجيوش والحياة المدنية في العصر الحديث.

فقد رصد السبكي شعور الازدراء الذي كان يسِم سلوكَ العسكر حينها تجاه النخبة العلمائية والثقافية، والتضييق عليها في الرزق؛ فقال إن "من قبائح كثير من الأمراء (= القادة العسكريين) أنهم لا يوقرون أهل العلم، ولا يعرفون لهم حقوقهم".
وتحدث أيضا عن مظاهر الفساد المالي الذي اعترى المؤسسة العسكرية في زمنه، فلم يتّصف المنتمون إليها حتى بـأخلاق "نبلاء اللصوص"؛ فكان رأيه أن الذهب الذي تطرّز به أزياؤهم ونياشينهم لو وُضع في الخزينة العامة و"تداوله المسلمون لانتفعوا به، ورخُصت البضائع، وكثرت الأموال".
وهذا التلويح بتأميم ثروات العسكر استصحب فيه تفاصيل موقف العز بن عبد السلام حينما رفض فرض ضرائب على الشعب أثناء التحضير لمعركة عين جالوت، وقام بتأميم أموال قادة المماليك من أمثال الظاهر بيبرس وسيف الدين قُطُز (ت 658هـ/1260م).
وفي كلامه عن الوسط العلمي؛ تحدث السبكي عن النعم والنقم التي تسود حياة العلماء، مشيرا إلى ثلاث وظائف رئيسية يجب أن يقوم بها العلماء؛ وهي: التعليم والإفتاء والنصح العام، وشدد على ضرورة أن يتحرر الفقيه من سطوة الدنيا ومن أسر تفاصيلها.
وكان من رأي السبكي أن العلم والعقل ليسا هما مفتاح الغنى، وقد يكون طريق الجهل أسرع وأضمن لمن يريد أن يغتني من وراء توسد القضاء من الفقهاء؛ ولذلك أرشد هؤلاء إلى أن الالتحاق بالجيش لأنه أجدى في تلبية طموحاتهم المالية.
ورصد كذلك شراء المناصب القضائية بـ"البَرْطَلة" (الرشوة المالية) ورأى أن هذا يُسقط أحكام القضاة الشرعية، مفندا مزاعم من يقول منهم: "أكرِهت على القضاء"، مؤكدا أنه لم يرَ "مَن أكرِه على القضاء الإكراه الحقيقي..، فقبحها الله تعالى من طائفة"!!
ثم حذر من بعض المشاكل العلمية التي فشت في عصره مثل آفة التعصب المذهبي، فقال مخاطبا الفقهاء: "وأما حملكم الناس على مذهب واحد فهو الذي لا يقبله الله منكم، ولا يحملكم عليه إلا محض التعصب والتحاسد. قبح الله مثل هذا الفقيه"!
رفضوا مساجدهم "الحرام" وقوانينهم الوضعية وقدموا رُؤى للإصلاح.. هل حاول ابن تيمية وال ط§ظ„طھط§ط±ظٹط®-ط§ظ„ط
رؤية خلدونية
رغم أن ابن خلدون كتب ‘المقدمة‘ وتاريخه ‘العِبر وديوان المبتدأ والخبر‘ قبل وصوله إلى مصر عام 784هـ/1382م للاستقرار فيها، وإن زاد في عمليه كثيرا هناك ونقحهما؛ فإنه عقد فصلا في تاريخه عنونه بـ"الخبر عن دولة الترك (= المماليك) القائمين بالدولة العباسية بمصر والشام من بعد بني أيوب ولهذا العهد ومبادي أمورهم وتصاريف أحوالهم".

وتحدث مؤرخنا في هذا الفصل عن تدرج الأتراك في سلم المجتمع الإسلامي، بداية من عملهم في الصنائع والمهن، مرورا بانخراطهم في الجيوش جنودا مقاتلين، ودخولهم دواوين الحكم مديرين وكتبة مثقفين، وانتهاء بتبوّئهم أعلى مناصب السلطة العسكرية والسياسية قادة وسلاطين، وخاصة في مصر بعد نهاية الدولة الأيوبية فيها عمليا بمقتل الملك المعظم توران شاه الأيوبي سنة 648هـ/1250م وتسلم مماليكها السلطة بدءا من السيدة شجرة الدر (ت 655هـ/1257م).
ولعل وضع ابن خلدون في مصر بوصفه ضيفا لاجئا وإيثاره السلامة جعلاه لبقا في حديثه المقتضب عن المماليك؛ فهو يرى أنه كان "من لطف الله سبحانه أن تدارك الإيمان بإحياء رمقه، وتلافى شمل المسلمين بالديار المصرية بحفظ نظامه وحماية سياجه، بأن بعث لهم من هذه الطائفة التركية وقبائلها الغزيرة المتوافرة أمراء حامية وأنصارا متوافية"، مؤكدا أن "أكثر.. الترك الذين بديار مصر من القفجاق (= قبيلة مغولية)"، وجاعلا "لملوك الترك بمصر… الفضل والمزية بما خصهم الله من ضخامة الملك وشرف الولاية بالمساجد المعظمة وخدمة الحرمين".
أما ‘المقدمة‘؛ فقد كتبها ابن خلدون وهو على مشارف تاريخ يلملم أوراقه، إذ كان يكتب وهو يعرف أن عالمه الإسلامي يقف على الحافة بعد أن "نادى لسانُ الكون في العالم بالخمول" الذي كان ينتظر حضارته، ولم يذكر فيها دولة المماليك إلا عرضا عند حديثه عن وظيفة "الحاجب" وصناعة "الطراز" (= زخرفة الملابس السلطانية) في عدد من الدول، فذكر ما جرى به العمل فيهما بدولة المماليك.
لقد كانت ‘المقدمة‘ إجابة تفصيلية عن أسئلة ابن المقفع الأربعة، لكن ابن خلدون أجاب عنها بطريقة مختلفة مركزا على سؤال الحضارة ومتحدثا عن الدول صعودا وهبوطا، وكيف تنسلخ الدولة من الأخرى بإكمال دورتها العُمُرية مثل الإنسان الذي يولد فيكبر ثم يهرم فيموت، وإذا "انتقض عمران الأرض [فذلك] بانتقاض البشر".
رفضوا مساجدهم "الحرام" وقوانينهم الوضعية وقدموا رُؤى للإصلاح.. هل حاول ابن تيمية وال bfb952d1-9ed6-4572-8
إجابة حضارية
كان ابن خلدون يريد أن يشخّص بدقة ما الذي حدث للحضارة العربية الإسلامية؟ وحينما يكون السؤال على مستوى الحضارة تصبح الإجابة على مستوى الدين والعوائد والسياسة والاقتصاد والمعارف، وطبيعة العمران الاجتماعي، والتكوينات الاجتماعية والدوافع العصبية، وقد حفل الكتاب بالرؤى عن كل ذلك، وعن العلاقة بين أرباب رأس المال وأصحاب السلطة، وبين المثقفين والعسكريين، وعن تاريخ العلوم وانماط عمل الوظائف والصناعات.

لقد كانت "العصبية" مادة ابن خلدون الذهبية التي فهم من خلالها كيف صعدت الدولة العربية المضرية، ثم كيف ضعفت من داخل جهاز الدولة نفسها باستخدام الموالي والأرقاء، راصدا لحظة ظهور العصبية العجمية وخاصة التركية القائمة على شرعية القوة العسكرية، والتي آلت إليها مصائر الحكم في معظم وأهم أصقاع الإسلام.
وتبدو ‘المقدمة‘ كقرص ممغنَط شديد التكثيف مهّد فيه ابن خلدون الطريق لفهم أن الحضارة هي شيء أكبر من دولة ومن مذهب ومن عرق، وعندما كتب ‘المقدمة‘ كانت الحضارة الإسلامية في أشد لحظاتها تراجعا، فقد "تبدل الخلق من أصله وتحول العالم بأسره، وكأنه خَلْق جديد ونشأة مستأنَفة وعالَم محدَث".
لقد كان هذا هو الوقت المثالي ليدوّن قصة الحضارة، حيث "احتاج [الناس] لهذا العهد من يدون أحوال الخليقة والآفاق وأجيالها والعوائد والنِّحل التي تبدلت". وبالتالي فقد أجاب ابن خلدون على أسئلة ابن المقفع بشأن طرق "صلاح الراعي والرعية" في زمنهما الرابع إجابة حضارية، ذاهبا إلى خضوع الحاكم وشعبه لسنن تاريخية وقواعد اجتماعية، هما نتاجها وهما مادتها وأدوات الفعل فيها.
فهل رمى مؤرخنا العظيم ولي الدين ابن خلدون الحضرمي -من وراء ما نظّر له في ‘المقدمة‘- إلى تقديم قواعد حضارية يمكن لدول عهده -بما فيها دولة المماليك- والدول اللاحقة الأخذُ بها لإصلاح الأوضاع المتدهورة، وتأخير السقوط أطول فترة ممكنة –على الأقل- إن تعذّر تحاشيه بالمطلق؟
الموضوع الأصلي : رفضوا مساجدهم "الحرام" وقوانينهم الوضعية وقدموا رُؤى للإصلاح.. هل حاول ابن تيمية وال     -||-     المصدر :     -||-     الكاتب : فيصل

vtq,h lsh[]il "hgpvhl" ,r,hkdkil hg,qudm ,r]l,h vEcn ggYwghp>> ig ph,g hfk jdldm ,hg

]]>
عطر الشخصيات التاريخيه والانساب المشهورة فيصل https://www.g-3e6r.com/vb/showthread.php?t=21900
من هي سحابة الرحمانية https://www.g-3e6r.com/vb/showthread.php?t=21899&goto=newpost Tue, 23 Apr 2024 02:55:05 GMT * تعتبر فترة حكم السلطان السعدي أحمد منصور الذهبي أهم المحطات في تاريخ المغرب، وأزهى نهضة حضارية عسكرية واقتصادية وعمرانية، لكن قبل فترة حكمه كان...


تعتبر فترة حكم السلطان السعدي أحمد منصور الذهبي أهم المحطات في تاريخ المغرب، وأزهى نهضة حضارية عسكرية واقتصادية وعمرانية، لكن قبل فترة حكمه كان الصراع كبيرا على ولاية العهد، وهناك بعض المؤرخين الذين يؤكدون أن سحابة الرحمانية لها فضل كبير في الحفاظ على الحكم، وهي من قادت المعارضة مع إبنها الأمير عبد الملك السعدي وساعدته في الجلوس على العرش بفضل ذكائها وحكمتها، ثم تولى إبنها الثاني أحمد منصور الذهبي الحكم بعد وفاة شقيقه، وتلقى الدعم الكبير من سحابة حتى ازدهرت الدولة على يديه، وهذا ما سنعرفه من خلال هذا المقال.



نبذة عن سحابة الرحمانية
لقبها البعض بالأميرة العالمة، بينما البعض اختار لها اسم السيدة الصالحة، عرفت بقلبها الرحيم و حرصها على الذكر وقيام الليل، هي ابنة الشيخ الأجل أبي العباس أحمد بن عبد الله الوزكيتي، أمير قصبة تاوريرت الذي دعم بشكل كبير نشأة الدولة السعدية بسوس ودرعة، يقول بعض المؤرخين أن إسمها هو مسعودة، و لم يذكر التاريخ أي تفاصيل بخصوص تاريخ ميلادها و طفولتها.

ستلعب هذه المرأة من قبيلة الرحامنة دورا سياسيا بالغ الأهمية في فترة حساسة من تاريخ المغرب، تزوجها السلطان السعدي محمد الشيخ سنة1548، و ولدت أبا العباس أحمد الذي لقب فيما بعد بالمنصور الذهبي، حكم المغرب ما بين 996 هجرية و1012 هجرية.

بعد أن اغتال العثمانيون محمد الشيخ، سنة 1557، وقع صراع كبير على الحكم بين أبنائه، انتهى بتولي عبد الله الغالب بالله، زمام الحكم وكانت التقاليد حينها تنص على تسلم الأخ الأكبر الحكم، وكان عبد الملك هو المرشح الأول للجلوس على العرش، لكن محمد الملقب بالمتوكل استولى على الحكم حينذاك، فقررت سحابة بعد ذلك اللجوء إلى العثمانيين لتطلب منهم يد العون لاسترجاع حق أبنائها الأمراء عبد الملك وأحمد في الحكم، و لولا هذه السيدة العظيمة، تقول كتب التاريخ، لسارت الأمور في منحى آخر.

دور سحابة في تأسيس الدولة السعدية
لم تحكم سحابة الرحمانية نهائيا، ولكن كان لها دور كبير للغاية في استرجاع الحكم لابنها عبد الملك الأول، الذي قاد معركة وادي المخازن الشهيرة وتوفي بعد سنتين فقط من توليه الحكم، وخلفه احمد المنصور الذهبي ابن سحابة الثاني، الذي يعتبر أهم الملوك في التاريخ.

كيف اقنعت سحابة السلطان العثماني بمساعدة ابنها
بعد وفاة زوجها، ذهبت سحابة مع ابنها إلى تركيا، من أجل الحصول على دعم الأتراك، وطلبت مساعدة السلطان العثماني مراد الثالث لكي يصل ابنها إلى حكم المغرب، ويزيح مغتصب العرش، فرفض في البداية، لكن خبرتها و درايتها بالسياسة التي اكتسبتها بعد العيش في قصور السعديين لسنوات جعلتها تنجح في إقناعه.

طلبت سحابة من السلطان العثماني الشفاعة في رأس زوجها محمد الشيخ المعلق بالقلعة بعد ذبحه من الأتراك فسلمه إليها، وطلبت مساعدة مراد الثاني في استرجاع الحكم لابنها عبد الملك، فاتفق معها مراد الثالث على أن يساعدها لكن بعدة شروط، كان أهمها مشاركة المغاربة مع الأتراك في حملتهم العسكرية ضد الإسبان في تونس، وانتدب عبد الملك لمرافقة الحملة.

كان مراد الثالث يترقب وصول أخبار عن الحملة بفارغ الصبر حينها، و كان الأتراك قد جهزوا ثلاث مراكب بحرية لإبلاغه بخبر الانتصار، و لما فتحت تونس طلب عبد الملك من مساعديه أن يذهبوا ليلا برسالته إلى أمه سحابة يبلغونها بخبر الفتح وطلب منهم أن يسبقوا المراكب الثلاثة لكي تكون هي أول من يبلغ السلطان العثماني بالخبر السعيد، و تلقت أمه الرسالة بالفعل وذهبت إلى السلطان مسرعة، و بشرته بالفتح قبل أي شخص أخر، والتمست منه أن يعطيها مكافئتها و يساعدها لكي يستعيد ابنها عبد الملك الحكم، فوافق السلطان مراد على الفور.

كيف حدثت معركة وادي المخازن
بعد موافقة السلطان مراد الثالث، أصدر أمره الذي حملته سحابة إلى والي الجزائر ليساعد ابنها عبدالملك على استعادة ملكه، بالإضافة إلى جيش العثمانيين الذي رافقه، ثم دخل عبد الملك إلى فاس بعد معركة الركن، وفر مغتصب الحكم المتوكل يطلب نجدة ملك البرتغال، بعد ذلك تمت بيعة عبد الملك في سنة 1576م، بمدينة مراكش و قام عبد الملك بتعزيز العلاقات مع الخارج، وكانت لديه علاقة وطيدة مع ملكة الانجليز إليزابيث، و هذا لكرهه الشديد للبرتغال والإسبان.

تطور الأمر من نزاع على السلطة بين محمد المتوكل والسلطان عبد الملك، إلى حرب مع البرتغال بقيادة الملك سبستيان، حيث ظل المتوكل مع زوجته بياتريس يحاولان استرجاع الحكم بأي طريقة ممكنة وكان ذلك بمساعدة أهل سوس أولا، ثم ملك البرتغال سباستيان الذي حاول القيام بحملة صليبية للسيطرة على جميع شواطئ المغرب، و جرت بعد ذلك معركة كبيرة في وادي المخازن بالقصر الكبير، قتل فيها الملك سباستيان، وغرق المتوكل بعد أن حاول الهرب شمالا و وجدت جثته طافية فوق سطح الماء و تم التنكيل به في كافة أنحاء المغرب انتقاما مما فعله، واستشهد عبد الملك السعدي عند انتهاء المعركة بسبب الجهد الكبير الذي بذله في قيادة الجيش وتحميس الجند رغم مرضه الشديد، ودامت الحرب حوالي أربع ساعات وعشرين دقيقة، و سميت بمعركة الملوك الثلاثة وفقدت الإمبراطورية البرتغالية في هذه المعركة سيادتها وملكها وجيشها والعديد من رجال الدولة.

كان لسحابة الرحمانية الفضل في استمرار سلطان المغرب وحمايته، عن طريق تحفيز ابنها عبد الملك ودعمه لكي ينتصر على أقوى الإمبراطوريات آنذاك متمثلة في إسبانيا والبرتغال، ولولا ما حققه في معركة وادي المخازن العظيمة بفضل مساعدتها و مشورتها السديدة لكان التاريخ مختلفا تماما، ولأصبح المغرب في خانة المستعمرات البرتغالية دون شك.

متى اسست سحابة باب دكالة بمراكش
كانت سحابة الرحمانية تهتم كثيرا بالقضايا الاجتماعية خاصة في عهد ابنها أحمد منصور الذهبي، الذي حكم المغرب ما بين 896 ھ و1012 ھ، فأنشأت المساجد والقناطر و الجسور، وشاركت في كل نشاط خيري بشكل فعال، ” فكم جهزت من يتامى، وكم زوجت من أيامى، وكم بذلت من صدقات، وكم أجزلت من صلات..”، يقول العباس بن إبراهيم.

قامت سحابة بتأسيس مسجد باب دكالة بمراكش سنة 965 ھجرية، وجهزته بخزانة كبيرة للكتب، كما خصصت له أحباسا للكراسي العلمية، و قدمت الدعم للطلبة الغرباء، ويزعم بعض العامة المغاربة أنها قد بنت هذا المسجد كفارة لما انتهكته في حرمة رمضان، حيث أنها دخلت احد البساتين الكبيرة في قصورها و هي في حالة وحم، فتناولت الخوخ و الرمان في شهر رمضان المبارك ثم ندمت على ما فعلته ندما شديدا، وللتكفير عن خطيئتها قامت ببناء الجامع و قامت بالعديد من الأعمال الخيرية.

وفاة سحابة الرحمانية
توفيت سحابة الرحمانية يوم الثلاثاء السابع والعشرين من شهر محرم سنة ألف ميلادية، و يرقد جثمان سحابة الرحمانية في قبور السعديين بحي القصبة في مدينة مراكش، في ضريح سلطاني يضم مجموعة من أبرز شخصيات الدولة السعدية ، من قبر محمد الشيخ مؤسس الدولة، إلى بقية أفراد العائلة، وما زالت الآثار الموجودة في المدينة شاهدة على عطائها و أعمالها الخيرية الوافرة.
الموضوع الأصلي : من هي سحابة الرحمانية     -||-     المصدر :     -||-     الكاتب : فيصل

lk id sphfm hgvplhkdm

]]>
عطر الشخصيات التاريخيه والانساب المشهورة فيصل https://www.g-3e6r.com/vb/showthread.php?t=21899