تفسير القرآن الكريم بالحروف المهملة: قال الشيخ عبدالكريم الخضير حفظه الله: هناك نوعٌ من التفسير فيه شيءٌ من التَّرَف، ولا يليق بعظمة كتابِ الله جلَّ وعلا، وهذا سلكه بعضُهم، بتفسير
قال الشيخ عبدالكريم الخضير حفظه الله: هناك نوعٌ من التفسير فيه شيءٌ من التَّرَف، ولا يليق بعظمة كتابِ الله جلَّ وعلا، وهذا سلكه بعضُهم، بتفسير القرآن بالحروف المهملة؛ أي: الحروف غَير المنقوطة، ويظهر في هذا النوع من التفسير - في كثيرٍ من مواضعه - التعسُّفُ؛ لأن مؤلِّفه يأتي في تفسير آياته بكلماتٍ لا نقطَ فيها ولا إِعجام، فيأتي بكلمات غريبة ووحشيَّة، وأسلوبٍ قد يكون ركيكًا، وهذا لا يُعرف عند أئمة الإسلام ولا سلفهم؛ اهـ.
قلت: وهو كما قال، مما اضطرَّ من ألَّف على هذه الطريقة إلى لَيِّ أعناق الألفاظ، والتعسُّف في انتقاء غريبها، حتى اضطرَّ إلى عمل ملحقٍ لتفسيره؛ لبيان معاني الألفاظ الحوشية والغريبة الواردةِ فيه.
ومن هذا النوع من التفاسير:
1- "سواطع الإلهام" [لحَلِّ كلام الله الملك العلاَّم][1]؛ لأبي الفيض فيضي بن المبارك الأكبر آبادي الهندي، المتوفى سنة 1004 هـ[2]، قال في أوله: أحامد المحامد ومحامد الأحامد لله مُصعد لوامع العلم، ومُلهم سواطع الإلهام، مُرَصِّص أساس الكَلم، ومُؤسس مُحكَم الكلام... إلخ[3]، قال حاجي خليفة: تكلَّف فيه غايةَ التكلُّف[4]، قلت: وهو مطبوع قديمًا في مجلدين، وفي آخره (2/ 379، 397) ملحَق للمؤلِّف في حَلِّ لغات هذا التفسير، سمَّاه: "حَل معاسر سواطع الإلهام"، مُرَتَّب على حروف الهجاء؛ لأن من سار على هذا المنهج، والتزم هذا الشرط، فلا بُدَّ أن يحشد من حوشي اللغة ما يُتمم به عمله كيف ما كان.
قال العلاَّمة محمد صديق بن حسن خان القنوجي: صَنَّفه في سنتين، وأتمَّه في سنة 1002 هـ، يدلُّ على إطالة يده في علم اللغة[5]، قلت: وللمؤلف أيضًا: "موارد الكلِم"، رسالة في الأخلاق بالحروف المهملة[6].
تنبيه: قال العلاَّمة محمد صديق بن حسن خان القنوجي: كان فيضي على طريقة الحُكَماء، وكذا إخوانه، وكانوا معروفين بانحلال العقائدِ، وسوءِ التديُّن، والإلحاد، والزندقة، نعوذ بالله منها[8].
2- التفسير المعمول من غير الحروف المنقطة؛ لعلي بن قطب الدين البهبهاني، المتوفى سنة 1206 هـ، وهو تفسيرٌ كبير في ثلاث مجلدات، ينتهي أولها إلى سورة يونس، وثانيها إلى سورةِ العنكبوت، وثالثها إلى آخر سورة الناس، قال آقا بزرگ الطهراني: كلُّها في مكتبة الشيخ محمد بن طاهر السماوي في النجف، لكن الإنصاف أنَّ المُفَسِّر قد أتعب نفسه كثيرًا في تأليف هذه المجلدات الثلاثة[9].
3- تفسير سورة الفاتحة بالحروف المهملة؛ لعلي بن محمد الحزوري الآمدي الشافعي، مفتي آمد، المتوفى سنة 1210 هـ[10].
4- تفسير سورة الفاتحة بالحروف المهملة؛ لعبدالسلام بن السيد عمر بن محمد الحنفي المارديني، مفتي ماردين، المتوفى سنة 1259 هـ[11].
5- تفسير الكلام المُبَجَّل، المُسَمَّى: "دُرُّ الأسرار"؛ للشيخ محمود بن محمد نسيب بن حسين بن يحيى حمزة الحسيني الحمزاوي الحنفي، مفتي الديار الشامية، المتوفى سنة 1305 هـ[12]، بدأ تفسيره بدل البسملة بقوله: اسم الله العلاَّم أول الكلام[13].
نماذج من تفسيره: ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ﴾ [الفاتحة: 7]: هم الهود، وكلُّ عاصٍ، وهو الأعمُّ، ﴿ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 7]: لدعوى الأهل والولد للواحد الأحد، أو أولو العمى وعدم العلم[14]، ﴿ الْغَيْبِ ﴾ [البقرة: 3]: ما لا وصول للحِسِّ له[15]، ﴿ المص ﴾ [الأعراف: 1]: الله أعلم ما المراد، كسائر السور على ما هو المُعَوَّل[16]، ﴿ الر ﴾ [يونس: 1]: الله أعلم ما المراد على الأصحِّ، كما مرَّ مرارًا[17]، ﴿ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ﴾ [الكهف: 1]: كعدم سلوك كلامه على مسلك مؤدَّاه المراد[18]، ﴿ إِذْ نَادَى ﴾: دعا ﴿ رَبَّهُ نِدَاءً ﴾: دعاءً ﴿ خَفِيًّا ﴾ [مريم: 3]: سِرًّا، وإسراره له إمَّا لعدم إطْلاع أحدٍ على دعائه، أو لعدم لومِ أحدٍ له على رَوْمِهِ الولد مع هرَمه، أو لهرمه صار كلامُه ودعاؤه همسًا[19]، ﴿ وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ﴾ [الليل: 2]: سطع ولمع لألاؤه، ومحا دلس الدهماء[20]، ﴿ جِيدِهَا ﴾ [المسد: 5]: كردها[21]، ولفظ النبي صلى الله عليه وسلم يذكره في تفسيره دائمًا بلفظ: الرسول محمد؛ تجنبًا لنقط الحروف، وعند الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، يقول: صلى الله على روحه وسلم[22]، وعند ذِكر أحد الأنبياء، يقول: رَدَّد الله له أكمل السلام، بدل: عليه السلام، وهو مطبوع قديمًا في مجلدين بدمشق سنة 1306 هـ - 1891 م، وطُبع مؤخرًا في مجلدين أيضًا بدار الكتب العلمية ببيروت سنة 1432 هـ - 2011 م.
6- تفسير سوره الكوثر بالحروف المهملة؛ لزين العابدين أفندي الرومي، قلت: وهو مخطوط في المكتبة المحمودية، المدينة المنورة، برقم: (5/ 2711).