صور من لطف الله عز وجل بعبده:
ومن لطفه: أنه يرحمهم من طاعة أنفسهم الأمَّارة بالسوء، التي هذا طبعها وديدنها، فيوفقهم لنهي النفس عن الهوى
ويصرف عنهم السوء والفحشاء، فتوجد أسبابُ الفتنة، وجواذب المعاصي، وشهوات الغي، فيرسل الله عليها برهان لطفه
نور إيمانهم الذي منَّ به عليهم، فيدعونها مطمئنين لذلك، منشرحة لتركها صدورهم.
♦ ومن لطفه بعباده: أنه يقدر أرزاقهم بحسب علمه بمصلحتهم لا بحسب مراداتهم، فقد يرون شيئًا وغيره أصلح
فيقدر لهم الأصلح وإن كرهوه لطفًا بهم برًّا وإحسانًا ﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾[الشورى: 19]
﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ﴾ [الشورى: 27]
♦ ومن لطيف لطفه بعبده إذ أهَّلَه للمراتب العالية والمنازل السامية التي لا تُدرك إلا بالأسباب العظام التي لا يدركها
إلا أرباب الهمم العالية، والعزائم السامية- أن يُقدر له في ابتداء أمره بعض الأسباب المحتملة المناسبة للأسباب التي أُهِّل لها، ليتدرج
من الأدنى إلى الأعلى، ولتتمرن نفسه، ويصير له ملكة من جنس ذلك الأمر، وهذا كما قدر لموسى ومحمد وغيرهما من الأنبياء صلوات الله وسلامه
عليهم في ابتداء أمرهم رعاية الغنم؛ ليتدرجوا من رعاية الحيوان البهيم وإصلاحه إلى رعاية بني آدم ودعوتهم وإصلاحهم.
♦ ومن لطفه بهم أنه يُقدرُ عليهم أنواع المصائب، وضروب المحن والابتلاء بالأمر والنهي الشاق رحمة بهم ولطفًا، وسوقًا إلى كمالهم
وكمال نعيمهم، ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]،
وكذلك يذيق عبده حلاوة بعض الطاعات فينجذب ويرغب، ويصير له ملكة قوية بعد ذلك على طاعات أجلّ منها وأعلى.
♦ ومن لطفه بعبده: أن يُقدر له أن يتربى في ولاية أهل الصلاح والعلم والإيمان وبين أهل الخير ليكتسب من أدبهم وتأديبهم، ولينشأ
على صلاحهم وإصلاحهم كما امتنَّ الله على مريم في قوله تعالى: ﴿ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ﴾[آل عمران: 37] إلى آخر قصتها.
ومن ذلك إذا نشأ بين أبوين صالحين وأقارب أتقياء أو في بلد صلاح، أو وفَّقَه الله لمقارنة أهل الخير وصحبتهم، أو لتربية العلماء الربانيين
فإن هذا من أعظم لطفه بعبده، فإن صلاح العبد موقوف على أسباب كثيرة، منها بل من أكثرها وأعظمها نفعًا هذه الحالة.
ومن ذلك لو نشأ العبد في بلد أهله على مذهب أهل السنة والجماعة فإن هذا لطف له. وكذلك: إذا قدر الله أن يكون
مشايخه الذين يستفيد منهم- الأحياء والأموات- أهل سنةٍ وتُقى، فإن هذا من اللطف الرباني.
♦ ومن لطف الله بعبده أن يجعل رزقه حلالًا في راحة وقناعة، يحصل به المقصود ولا يشغله عما خلق له
من العبادة والعلم والعمل، بل يُعينه على ذلك ويفرغه، ويريح خاطره وأعضاءه، وهذا من لطف الله تعالى بعبده.
♦ ومن لطف الله بعبده إذا قدر له طاعة جليلة لا تُنال إلا بأعوان: أن يقدر له أعوانًا عليها ومساعدين على حملها
قال موسى عليه السلام: ﴿ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا ﴾[طه: 29 - 33].
♦ ومن لطف الله بعبده: أن يعطي عبده من الأولاد والأموال والأزواج ما به تقرُّ عينه في الدنيا، ويحصل له به السرور
ثم يبتليه ببعض ذلك، ويأخذه ويعوضه عليه الأجر العظيم إذا صبر واحتسب، فنعمةُ الله عليه بأخذه على هذا الوجه
أعظم من نعمته عليه في وجوده، وقضاء مجرد وطره الدنيوي منه.
♦ ومن لطف الله بعبده:أن يبتليه ببعض المصائب، فيوفقه للقيام بوظيفة الصبر فيها، فيُنيلُه درجاتٍ عالية لا يدركها بعمله
وقد يشدد عليه الابتلاء بذلك، كما فُعِلَ بأيوب عليه السلام، ويوجِد في قلبه روح الرجاء وتأميل الرحمة، وكشف الضر، فيخفف ألمه وتنشط نفسه
وهذا من لطف الله بالمؤمنين أن جعل في قلوبهم احتساب الأجر، فخفت مصائبهم، وهان ما يلقون من المشاق في حصول مرضاته.
♦ ومن لطف الله بعبده المؤمن الضعيف: أن يعافيه من أسباب الابتلاء التي تضعف إيمانه، وتنقص إيقانه، كما أن من لطفه بالمؤمن القوي:
تهيئة أسباب الابتلاء والامتحان ويعينه عليها، ويحملها عنه ويزداد بذلك إيمانه ويعظم أجرُه، فسبحان اللطيف في ابتلائه وعافيته، وعطائه ومنعه.
♦ ومن لطف الله تعالى بعبده: أن يجعل ما يبتليه به من المعاصي سببًا لرحمته، فيفتح له عند وقوع ذلك باب التوبة والتضرع
والابتهال إلى ربه، وازدراء نفسه واحتقارها، وزوال العُجب والكبر من قلبه ما هو خير من كثيرٍ من الطاعات.
♦ ومن لطف الله بعبده:أن يسعى لكمال نفسه مع أقرب طريق يوصله إلى ذلك مع وجود غيرها من الطرق التي تبعد عليه
فيُيسر عليه التعلم من كتابٍ أو معلمٍ يكون حصول المقصود به أقرب وأسهل، وكذلك ييسره لعبادة يفعلها بحالة اليسر والسهولة
وعدم التعويق عن غيرها مما ينفعه، فهذا من اللطف.
♦ ومن لطف الله بعبده: قدّر الواردات الكثيرة، والأشغال المتنوعة، والتدبيرات والتعلقات الداخلة والخارجة التي لو قسمت على أمةٍ
من الناس لعجزت قواهم عليها أن يمن عليه بخلقٍ واسع، وصدر متسع، وقلبٍ منشرح، بحيث يُعطي كل فردٍ من أفرادها نظرًا ثاقبًا وتدبيرًا تامًّا
وهو غير مكترث ولا منزعج لكثرتها وتفاوتها، بل قد أعانه الله تعالى عليها، ولطف به فيها، ولطَفَ له في تسهيل أسبابها وطرقها.
♦ ومن لطفه بعبده الحبيب عنده: إذا مالت نفسه مع شهوات النفس الضارة، واسترسلت في ذلك، أن يُنغصها عليه
ويكدرها، فلا يكاد يتناول منها شيئًا إلا مقرونًا بالمكدرات، محشوًّا بالغصص؛ لئلا يميل معها كل الميل، كما أن من لطفه به
أن يُلذذ له التقربات، ويحلي له الطاعات؛ ليميل إليها كل الميل
w,v lk g't hggi u. ,[g fuf]i