الكرامات عند أهل السنة تعريف الولي: الولي: هو المؤمن التقي، المتبع للقرآن والسنَّة، بفهم سلفنا الصالح؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية - ج 11 ص 666). قال الله تعالى: ï´؟
انقسَم الناس في محبتهم وتقديرهم لأولياء الله الصالحين على ثلاثة أقسام:
•القسم الأول: وهو قسم فرَّط وقصَّر في حق أولياء الله الصالحين، فلم يعرف فضلهم، ولم يعطِهم حقهم في التقدير.
•القسم الثاني: وهو قسم أفرط وبالغ في محبته لأولياء الله الصالحين، فطافوا حول قبورهم، وطلبوا منهم المساعدة من دون الله تعالى، وتقربوا إليهم بالنذور والذبائح، ومن هذا القسم مَن يفضلون الأولياء على بعض الأنبياء؛ كالشيعة الروافض.
أمثلة من الغلو في تعظيم الأولياء:
(1) يقول أمير محمد الكاظمي القزويني (الشيعي): الأئمة من أهل البيت عليهم السلام أفضلُ من الأنبياء؛ (الشيعة في عقائدهم وأحكامهم - للكاظمي - ص 73 الطبعة الثانية).
(2) قال آيتهم عبدالحسين دستغيب (الشيعي): أئمتنا الاثنا عشر عليهم السلام أفضل من جميع الأنبياء، باستثناء خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله، ولعل أحدَ أسباب ذلك هو أن اليقين لديهم أكثر؛ (اليقين - لعبدالحسين دستغيب - ص 46 - طبعة دار التعارف - بيروت لبنان 1989).
(3) قال آيتهم الخميني (الشيعي): إن للإمام مقامًا محمودًا، ودرجة سامية، وخلافة تكوينية، تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون، وأن مِن ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقامًا لا يبلغه مَلَك مقرب، ولا نبي مرسل؛ الحكومة الإسلامية - للخميني - ص 52: ص 53).
•القسم الثالث: وهو قسم وسَط في محبته وتقديره لأولياء الله الصالحين، وهم أهل السنَّة والجماعة.
ويمكن أن نوجز وسَطيَّة أهل السنَّة في محبتهم وتقديرهم لأولياء الله الصالحين في الأمور التالية:
1/ أهل السنَّة يؤمنون بأن الله يحفظ أولياءه الصالحين.
قال سبحانه: ï´؟ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ï´¾ [آل عمران: 173، 174].
روى البخاريُّ عن أبي هريرة، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إن اللهَ قال: مَن عادى لي وليًّا، فقد آذنتُه بالحرب))؛ (البخاري حديث: 6502).
قال الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله: المراد بولي الله: العالم بالله، المواظب على طاعته، المخلِص في عبادته.
قوله: (فقد آذنتُه بالحرب)؛ أي: أعلمتُه، وهذا تهديد شديد؛ لأن مَن حاربه الله أهلكه، وهو مِن المجاز البليغ؛ لأن مَن كرِه مَن أحب الله خالف الله، ومَن خالف الله عانده، ومن عانده أهلكه، وإذا ثبت هذا في جانب المعاداة ثبت في جانب الموالاة؛ فمَن والى أولياءَ الله أكرمه الله؛ (فتح الباري - لابن حجر العسقلاني - ج 11 ص 350).
2/ أهل السنَّة يؤمنون بكرامات أولياء الله الصالحين:
تعريف الكرامة:
الكرامة: أمر خارق للعادة، غير مقرونٍ بدعوى النبوة، يُجريه الله تعالى على يد عبدٍ مِن عباده الصالحين؛ إكرامًا له، فيدفع به عنه ضرًّا، أو يحقق له نفعًا، أو ينصر به حقًّا؛ (فتاوى اللجنة الدائمة ج 1 ص 574).
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: مِن أصول أهل السنَّة والجماعة: التصديق بكرامات الأولياء، وما يُجري الله على أيديهم من خوارق العادات؛ كالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها، وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، وسائر قرون الأمة، وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية - ج 3 - ص 155).
أمثلة لبعض كرامات أولياء الله الصالحين:
(1) جُرَيج الراهب:
روى البخاري عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لم يتكلَّم في المهد إلا ثلاثة؛ عيسى، وكان في بني إسرائيل رجل يقال له: جريج، كان يصلي، جاءته أمه فدعته، فقال: أجيبها أو أصلي، فقالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المُومِسات، وكان جريج في صومعته، فتعرضت له امرأة وكلمته، فأبى، فأتت راعيًا فأمكنته من نفسها، فولدت غلامًا، فقالت: مِن جُريجٍ، فأتَوه فكسروا صومعته، وأنزلوه وسبُّوه، فتوضأ وصلى ثم أتى الغلام، فقال: مَن أبوك يا غلام؟ قال: الراعي، قالوا: نبني صومعتك من ذهبٍ، قال: لا، إلا من طينٍ))؛ (البخاري حديث 3436).
(2) روى البخاري عن أسيد بن حضيرٍ، قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة، وفرسه مربوطة عنده، إذ جالت الفرس، فسكت فسكتت، فقرأ فجالت الفرس، فسكت وسكتت الفرس، ثم قرأ فجالت الفرس، فانصرف، وكان ابنه يحيى قريبًا منها، فأشفق أن تصيبه، فلما اجتَرَّه رفع رأسه إلى السماء، حتى ما يراها، فلما أصبح حدَّث النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: اقرأ يا بن حُضيرٍ، اقرأ يا بن حُضيرٍ، قال: فأشفقتُ يا رسول الله أن تطأ يحيى، وكان منها قريبًا، فرفعت رأسي فانصرفت إليه، فرفعت رأسي إلى السماء، فإذا مثل الظُّلَّة فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها، قال: ((وتدري ما ذاك؟))، قال: لا، قال: ((تلك الملائكة دنَتْ لصوتك، ولو قرأتَ لأصبحت ينظر الناس إليها، لا تتوارى منهم))؛ (البخاري حديث: 5018).
(3) روى البخاري عن أنس بن مالكٍ: (أن رجلينِ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلةٍ مظلمةٍ، ومعهما مثل المصباحين يضيئان بين أيديهما، فلما افترقا صار مع كل واحدٍ منهما واحد حتى أتى أهله)؛ (البخاري: حديث: 465).
وهذان الصحابيان هما: أسيد بن حضيرٍ، وعباد بن بشرٍ، وذلك بدليل الرواية التالية.
روى أحمد عن أنسٍ بن مالك: أن أسيد بن حضيرٍ وعباد بن بشرٍ كانا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلةٍ ظلماء حندسٍ (شديدة الظلمة)، قال: فلما خرجا من عنده أضاءت عصا أحدهما، فكانا يمشيان بضوئها، فلما تفرَّقا أضاءت عصا هذا وعصا هذا؛ (حديث صحيح) (مسند أحمد ج 20 ص 295 حديث: 12980).
3/ أهل السنَّة يعتقدون أن الأنبياء أفضل من الأولياء.
لقد أوجَبَ الله تعالى على جميع الناس متابعة الرسل الكرام.
قال تعالى: ï´؟ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا * فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ï´¾ [النساء: 64، 65].
وقال سبحانه: ï´؟ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ï´¾ [آل عمران: 31].
• قال الإمام الطحاوي رحمه الله في تقرير عقيدة أهل السنَّة: (ولا نفضِّل أحدًا من الأولياء على أحدٍ من الأنبياء عليهم السلام، ونقول: نبيٌّ واحد أفضل من جميع الأولياء)؛ (شرح العقيدة الطحاوية - ص 504).
• قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: اتفق سلفُ الأمة وأئمتها وسائر أولياء الله تعالى على أن الأنبياء أفضل من الأولياء؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية - ج 11 - ص 221).
4/ أهل السنَّة يعتقدون أن أولياءَ الله الصالحين غيرُ معصومين من المعاصي.
قال الإمام الشوكاني رحمه الله: أولياء الله غير الأنبياء، ليسوا بمعصومين، بل يجوز عليهم ما يجوزُ على سائر عباد الله المؤمنين، لكنهم قد صاروا في رتبة رفيعة ومنزلة عليَّة، فقلَّ أن يقع منهم ما يخالف الصواب وينافي الحق، فإذا وقع ذلك فلا يخرجهم عن كونهم أولياء الله؛ (ولاية الله والطريق إليها - للشوكاني - ص 234: 233).