كلمة في الوباء وباء عمّ أصقاع الأرض، حارت فيه العقول والفهوم، وأصاب البشر بالذهول، وتغيرت أحوال البلاد والعباد، ثم ما لبثوا أن تعايشوا معه، وأظنهم لو نزلت
وباء عمّ أصقاع الأرض، حارت فيه العقول والفهوم، وأصاب البشر بالذهول، وتغيرت أحوال البلاد والعباد، ثم ما لبثوا أن تعايشوا معه، وأظنهم لو نزلت عليهم صواعق ثم استفاقوا لعادوا لما كانوا عليه من الظلم والإجرام، والضر والإيذاء، والإغراق في الشهوات، والغش والجشع، وأكل أموال الناس بالباطل، وعدم إرجاع الحقوق إلى أصحابها ورد المظالم.
يقول ابن الجوزي في كتابه صيد الخاطر: "خطرت لي فكرةٌ فيما يَجْري على كثيرٍ من العالم من المصائب الشديدة، والبلايا العظيمة، التي تتناهى إلى نهاية الصُّعُوبة فقلتُ: سبحان الله! إن الله أكرم الأكرمين، والكرمُ يُوجب المسامحة، فما وجهُ هذه المعاقبة؟ فتفكّرت، فرأيتُ كثيراً من الناس في وجودهم كالعدم؛ لا يتصفّحون أدلةَ الوحدانية، ولا ينظرون في أوامر الله تعالى ونواهيه، بل يجرون ـ على عاداتهم ـ كالبهائم، فإن وافقَ الشّرعُ مرادَهم وإلا فَمُعَوّلُهُم على أغراضِهم، وبعد حصول الدِّينار لا يبالون، أمِن حلال كان أم من حرام، وإن سَهُلت عليهم الصلاةُ فعلوها، وإن لم تسهل تركوها، وفيهم من يبارزُ بالذّنوب العظيمة، مع نوع معرفة النّاهي، وربما قَوِيَتْ معرفةُ عَالِمٍ منهم، وتفاقمت ذنوبُه، فعلمتُ أن العقوباتِ وإن عَظُمت دونَ إجرامهم، فإذا وقعت عقوبةُ لتّمحّصِ ذَنبٍ صاحَ مُستغيثُهم: ترى هذا بأيِّ ذَنب؟ ويَنسى ما قد كان، مما تتزلزل الأرض لبعضه".
هذا والله أعلم..