والاكتفاء بالحلال يعني أن يقنع المسلم بما رزقه الله تعالى من الطرق المشروعة، فيعف نفسه به، ولا يطلب ما سواه من الحرام .
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا : حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة وعفة في طعمة» (رواه الطبراني وإسناده حسن، راجع المنذري: الترغيب والترهيب والهيثمي، مجمع الزوائد . وقال العلامة الألباني: وهذا سند صحيح، انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة) .
ومعنى عفة في طعمة : أي أن يقنع المسلم ويكتفي ويعف نفسه بالحلال عن طلب الحرام .
ومن وصايا لقمان لابنه : «يا بني استغن بالكسب الحلال، فإنه ما افتقر أحد إلا أصابه ثلاث خصال : رقة في دينه، وضعف في عقله، وذهاب مروءته، وأعظم من هذا الخصال استخفاف الناس به» (الإمام الغزالي: إحياء علوم الدين ، وابن قدامة المقدسي، مختصر منهاج القاصدين) .
والعمل الصالح سبب للحياة الطيبة وهناء العيش والقناعة بالقليل .
قال تعالى : " مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً " [النحل: 97] .
جاء في تفسير المراد بالحياة الطيبة : أنها القناعة (انظر الشيخ محمد السفاريني الحنبلي، غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب، والإمام القشيري: أبا القاسم عبد الكريم بن هوازن، الرسالة القشيرية) .
والقناعة في الجانب المالي تعني الرضا والتسليم بما رزقه الله تعالى وقسمه للإنسان ولو كان قليلاً، وتعني اليأس عما في أيدي الناس، وعدم التطلع إلى الحرام في قليل أو كثير. فإن من لم يرض بما قسمه الله تعالى له، وتطلع إلى الكثير فاته عز القناعة وتدنس لا محالة بالطمع، وجره هذا إلى مساوئ الخلاق وارتكاب المنكرات .
وإن الاكتفاء بالحلال بعد طلبه والقناعة به أحد أسباب ثلاثة هي مصدر السعادة والاستقرار في الدنيا .
عن عبد الله بن محصن رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها» (أخرجه الترمذي، ابن الأثير، جامع الأصول ، انظر تخريج الأرناؤوط فيه. وقد حسنه الترمذي) .
وهي أيضًا سبب لتحقيق الفلاح في الدار الآخرة .
عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بما آتاه» (أخرجه مسلم والترمذي، ابن الأثير، جامع الأصول) .
وعن فضالة بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «طوبى لمن هُدِيَ للإسلام وكان عيشه كفافًا وقنع» (أخرجه الترمذي وابن الأثير).
ولهذا فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : «اللهم ارزق آل محمد قوتًا (متفق عليه عن أبي هريرة، محمد فؤاد عبد الباقي، اللؤلؤ والمرجان) أي كفافًا» .
وفي القناعة والرضا والعفاف غني عما في أيدي الناس، وصيانة بها عن الحرام .
عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس» (أخرجه الشيخان والترمذي) .
وقال سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه : «يا بني إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة فإنها مال لا ينفد، وإياك والطمع فإنه فقر حاضر، وعليك باليأس مما في أيدي الناس، فإنك لا تيأس من شيء إلا أغناك الله عنه» (الشيخ محمد السفاريني، غذاء الألباب) .
وسئل بشر بن الحارث عن القناعة فقال : «لو لم يكن فيها إلا التمتع بعز الغنى لكان ذلك يجزي».. ثم قال : مروءة القناعة أشرف من مروءة البذل والعطاء (الشيخ محمد السفاريني، غذاء الألباب) .
احمد الطويل