عكرشة بنت الأطرش والوساطة في الخير ولو بالتعرض للأذى
كانت عِكْرِشَةُ بِنْتُ الْأَطْرشِّ بن رواحة، من نصراء أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وكانت من ربَّات الفصاحة والبلاغة والبيان.
معنى عكرشة: هو نوع من النباتات في البادية أو هي أنثى الأرنب. ويصلح الاسم للرجال كذلك.
ولعكرشة قصة مع معاوية ابن أبي سفيان يقول الراوي: «دخلت عكرشة بنت الأطرش على مُعَاوِيَة [رضي الله عنه] وَهِي متوكئة على عكاز لَهَا فَسلمت عَلَيْهِ بالخلافة، فَقَالَ لَهَا مُعَاوِيَة هيه يَا عكرشة الْآن صرتُ أَمِيرَ الْمُؤمنِينَ؟
قَالَت: نعم إذ لَا عَليّ حَيّ!
فَقَالَ لَهَا مُعَاوِيَة السِّت صَاحِبَة الكَوْرِ (العمامة) المسدول، وَالْوسط المشدود، والمتقلدة بِالسَّيْفِ ذِي الحمائل، وَأَنت واقفة بَين الصفين يَوْم صفّين تَقُولِينَ: ... وذكر خطبة لا تثبت بكلماتها..
ثم قَالَ مُعَاوِيَة: وَكَأَنِّي أراك على عكازتك هَذِه وَقد انكفأ عَلَيْك العسكران يَقُولُونَ هَذِه عكرشة بنت الأطرش فإن كدت لتؤلبين عَليّ أهل الشَّام لَوْلَا مَا قدَّر الله وَمَا جعل لنا من هَذَا الامر وَكَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا،
ثمَّ قَالَ مَا حملك على ذَلِك؟
قَالَت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ يَقُول الله عز وَجل {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء إِن تبد لكم تَسُؤْكُمْ} إن اللبيب إِذا كره شَيْئا لَا يحب إعادته.
قَالَ صدقتِ. اذكري حَاجَتك.
قَالَت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ان الله تَعَالَى جعل صَدَقَاتنَا على فقرائنا ومساكيننا، وردَّ أَمْوَالنَا فِينَا إِلَّا بِحَقِّهَا، وَإِنَّا فَقدنَا ذَلِك، فَمَا ينتعش لنا فَقير، وَلَا ينجبر لنا كسير.
كأنها ترمي إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى اليَمَنِ: «إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ، فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ.."[1].
واجتمع كثير من العلماء على أن الزكاة لا تخرج من القطر إلا بعد كفاية أهله. (لا يجيزون نقل الزكاة، وبهذا قال الشافعي في أصحِّ قوليه، وقال سعيد بن جبير، وعمر بن عبد العزيز، والبعض أجاز عند زيادة الحاجة في البلد المنقول إليه، والبعض أجاز لذوي القربى.
تكمل عكرشة: فَإِن كَانَ ذَلِك من رَأْيك فمثلك من انتبه من الْغَفْلَة وراجَع الْعقل، وإن كَانَ عَن غير رأيك فَمَا مثلك من اسْتَعَانَ بالخونة، وَاسْتعْمل الظلمَة.
قَالَ مُعَاوِيَة: يَا هَذِه إِنَّه تنوبنا النوائب هِيَ أولى بِنَا مِنْكُم؛ من بحور تنبثق، وثغور تنفتق!
قَالَت يَا سُبْحَانَ الله مَا فرض الله لنا حَقًا جعل فِيهِ ضَرَرًا على غَيرنَا، وَلَو علم جلّ ثَنَاؤُهُ أن فِي مَا جعل لنا ضَرَرًا على غَيرنَا لما جعله لنا وَهُوَ علام الغيوب!!
قَالَ مُعَاوِيَة: هَيْهَات يَا أهل الْعرَاق قد فقهكم عَليّ بن أبي طَالب فَلَنْ تُطاقوا!
ثمَّ أَمر لَهَا بردِّ صدقاتها وإنصافَها، وضَيَّفَها وأطرفها (أي أطرفها بهدية)، وردَّهَا إِلَى أَهلهَا مكرمَة»[2].
وساطة الخير، ولو تعرَّضت للأذى: (مفتاح الخير)
روى ابن ماجه عَنْ أنس بن مالك، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ، مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ»[3].
التوسُّط بين الناس لتحقيق المصلحة
وذلك بمعنى استخدام ما أنعم الله به عليك من مركز اجتماعي، أو كبر سنٍّ، أو بلاغة، أو قوَّة حجة، أو علاقة معينة خاصة؛ كقرابة، أو صلة عمل.
روى الطبراني في حديث صحيح عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ وَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٍ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دِينًا، أَوْ تُطْرَدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلِأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، شَهْرًا، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلَأَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَلْبَهُ أَمْنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى أَثْبَتَهَا لَهُ أَثْبَتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدَمَهُ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الْأَقْدَامُ»[4].
{مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} [النساء: 85]
وروى البخاري عن أَبِي مُوسَى، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ أَوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ قَالَ: «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ»[5].[6].
[1] البخاري: كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا (1425).
[2] ابن بَكَّار الضبِّي: أخبار الوافدات من النساء على معاوية بن أبي سفيان، ص37: 39. وابن عساكر: تاريخ دمشق 69/ 290.
[3] ابن ماجه: كتاب افتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، باب من كان مفتاحا للخير: (237) قال الشيخ الألباني: حسن.
[4] الطبراني في المعجم الصغير (861).