السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: كنا في مجلس صالح المري وهو يتكلّم، فقال لفتى بين يديه: اقرأ يا فتى. فقرأ الفتى قول الله تعالى: ( وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ
كنا في مجلس صالح المري وهو يتكلّم، فقال لفتى بين يديه: اقرأ يا فتى. فقرأ الفتى قول الله تعالى: ( وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ) آية 18 - سورة غافر. فقطع صالح عليه القراءة وقال: كيف يكون لظالم حميم أو شفيع، والمطالب لهُ رب العالمين؟ إنّك والله لو رأيت الظالمين وأهل المعاصي يساقون في السلاسل والأنكال إلى الجحيم حفاة عراة مسودّة وجوهم، مزرقّةٌ عيونهم، ذائبةٌ أجسادهم، ينادون يا ويلنا يا ثبورنا ما نزل بنا ماذا حلّ بنا؟ أين يذهب بنا ماذا يُراد منّا؟ والملائكة تسوقهم بمقامع النيران، فمرّه يجرّون على وجوهم ويسحبون عليها منكبيّن، ومرّة يقادون إليها مقرّنين، من بين باكٍ دماً بعد انقطاع الدموع، ومن بين صارخ طائر القلب مبهوت أنك والله لو رأيتهم على ذلك لرأيت منظراً لا يقوم له بصرك ولا يثبت له قلبك، ولا تستقرّ لفظاعة هوله على قرار قدمك.
ثم نَحَبَ وصاح: يا سوء منقلباه وبكى وبكى الناس فقام فتى من الأزد فقال: أكلُّ هذا في القيامة يا أبا بشر؟
قال: نعم، والله يا ابن أخي وما هو أكثر لقد بلغني أنهم يصرخون في النّار حتى تنقطع أصواتهم، فما يبقى منها إلا كهيئة الأنين من المدنف، فصاح الفتى.
أنا لله، وأغفلتاه عن نفسي أيام الحياة، وأسفاه على تفريطي في طاعتك، يا سيداه، وأسفاه على تضييع عمري في دار الدّنيا ثمّ بكى واستقبل القبلة وقال:
اللهمّ إنِّي أستقبلك في يومي هذا بتوبة لا يخالطها رياءً لغيرك الّلهمّ فاقبلني على ما كان فيّ، واعف عمّا تقدّم من فعلي وأقلّ عثرتي وارحمني ومن حضرني، وتفضّل علينا بجودك وكرمك يا أرحم الراحمين، لك ألقيت معاقد الآثام من عنقي، وإليك أنبت بجميع جوارحي، صادقاً لذلك قلبي فالويل لي إن لم تقبلني.
ثم غُلب فسقط مغشياً عليه، فحُمل بين القوم صريعاً فمكث صالح وإخوانه يعودونه أيّاماً ثمّ مات والحمد لله فحضره خلقٌ كثير يكبون عليه ويدعون له. وكان صالح كثيراً ما يذكره في مجلسه فيقول: وبأبي قتيل القرآن وبأبي قتيل المواعظ والأحزان.