كان إسماعيل باشا (1830-1895) منبوذ حيث كان هو الباشا والخديوي الساحر والمبذر في مصر خلال العقد السابق للاحتلال البريطاني، وهو إسماعيل بن إبراهيم باشا بن محمد علي باشا،
كان إسماعيل باشا (1830-1895) منبوذ حيث كان هو الباشا والخديوي الساحر والمبذر في مصر خلال العقد السابق للاحتلال البريطاني، وهو إسماعيل بن إبراهيم باشا بن محمد علي باشا، ويُعرف بالخديوي إسماعيل، ويعتبر من أبرز الحكام الذين ينتمون إلى السلالة العلوية، ولد الخديوي إسماعيل سنة ألف وثمانمائة وثلاثين وبالتحديد في الحادي والثلاثين من ديسمبر، وهو خامس حاكم مصري لهذه الأسرة.
نشأته
نشأ إسماعيل باشا في القاهرة، وهو حفيد محمد علي باشا مؤسس الحكم العلوي في مصر، والابن الثاني لإبراهيم باشا، والابن الأوسط من أبناء لإبراهيم باشا، كما واصل عمل الدولة العلوية من خلال شراء من السلطان العثماني الحق في لقب جديد وهو لقب “الخديوي” وورث من الأب إلى الابن اللقب الجديد لسلالته، واستقلاله الإداري والتجاري، وتخفيف القيود العسكرية التي فرضتها أوروبا على نفوذ مصر في 1841، ولكنّ الخديوي إسماعيل سجل هدفاً باهظاً ولم يكن هذا سوى مجرد بداية مغامراته المالية.
كما اعتنى إبراهيم باشا بالخديوي إسماعيل وعلمه أفضل تعليم، لأنّ الخديوي إسماعيل كان مؤهلًا في مختلف العلوم مثل العلوم الطبيعية والرياضيات، وكان مطلعًا على اللغة العربية، بالإضافة إلى اللغة التركية واللغة الفارسية، وحينما بلغ سن الرابعة عشرة قام إبراهيم باشا بإرسال ابنه إسماعيل إلى فيينا عاصمة النمسا حيث مكث فيها لمدة عامين اثنين، لينتقل بعد ذلك إلى مدينة باريس الفرنسية.
حكمه وإنجازاته
خلف الخديو إسماعيل محمد سعيد حاكمًا على مصر في الثامن عشر من شهر يناير من عام 1863، حينما زادت الحرب الأهلية الأمريكية من الطلب على القطن المصري، وكانت الأرباح المتوقعة من قناة السويس سوف تنتهي، مما جعل مصر تبدو أكثر ازدهارًا مما كانت عليه في الواقع في نشوة ستينيات القرن التاسع عشر حيث حلم الخديو إسماعيل بإمبراطورية مصرية في شمال شرق إفريقيا والقاهرة باسم “باريس على النيل”، مما دعاه لاقترض الكثير من مستقبل مصر وأنفق ببذخ على الاستكشافات حتى نهر النيل وبحيرة “فيكتوريا” بهف توسيع النفوذ المصري، كما أنفق ببذخ على بناء العديد من الأشغال العامة مثل القنوات المحسنة وخطوط التلغراف الجديدة وعلى تحديث القاهرة أيضًا.
شهدت فترة حكم الخديوي العديد من الأحداث المهمة على المستوى المصري وتمكن الخديو من تحقيق معدل جيد من التحسينات رغم تسجيل بعض السلبيات، ومن أبرز الأعمال الإيجابية التي قام بإنجازها تلك المُتعلّقة بتنظيم البلاد، والعناية ب التعليم ورفع نسبته في مصر، وبتحسين الاقتصاد المصري وذلك من خلال زيادة رقعة المساحات المزروعة، بالإضافة إلى الانتهاء من العمل في قناة السويس، وإصلاح المنظومتين القضائيّة والإداريّة في مصر.
عزله ووفاته
أمّا ما يُسجّل عليه فهو تكاثر الديون وتراكمها على مصر ممّا أدى إلى تفاقم وتأزم الأوضاع السياسية فيها، ويرجع السبب الرئيسي لعزل الخديوي إسماعيل لعدة أمور ومنها ما يلي:
انتشار الديون وتراكمها في مصر، وهو ما أدى إلى تدهور الأوضاع السياسية في مصر، واهتمام إسماعيل شخصيًا بقناة السويس، والامتياز الذي تفاوض من أجله سلفه مع الشركة الفرنسية، ووافق على دفع تعويض ضخم يساوي نصف رأس المال الأصلي للشركة من أجل القضاء على العمل القسري والمتطلبات المرهقة الأخرى للامتياز الأولي للافتتاح الكبير للقناة في عام 1869.
كما أنفق إسماعيل أكثر من مليون دولار على ترفيه الشخصيات الأجنبية المرموقة، وحينما أنهت الحرب الأهلية الأمريكية طفرة القطن المصري، ولم تحقق قناة السويس في البداية الأرباح المتوقعة فلجأ إسماعيل إلى قروض ضخمة بتخفيضات مدمرة للحصول على الأموال اللازمة لتحقيق أحلامه، كما تعهد بإيرادات السكك الحديدية والضرائب والأراضي الملكية في عام 1875 في حالة يأس وباع استثماره المتبقي، وهو 44 في المائة من أسهم شركة قناة السويس، إلى رئيس الوزراء البريطاني دزرائيلي مقابل 4 ملايين جنيه إسترليني.
أفلس في عام 1876 مع زيادة الديون 14 ضعفًا إلى حوالي 1 مليار جنيه إسترليني منذ انضمامه في عام 1863، واضطر إسماعيل إلى قبول الإشراف المالي للأنجلو فرنسي المسمى “التحكم المزدوج”، وأدى تدفق الأجانب خلال فترة حكمه، والامتيازات الخاصة التي حصلوا عليها من خلال الامتيازات، وتأثيرهم المتزايد بشكل واضح في مصر في أواخر سبعينيات القرن التاسع عشر إلى تطور حركة وطنية مصرية.
عندما سعى إسماعيل لنقل اللوم من نفسه للأجانب عن كارثة مصر المالية وهدد بسمارك بالتدخل الألماني، نجحت بريطانيا حينها وفرنسا العظمى في إقالة السلطان العثماني إسماعيل في عام 1879 لصالح ابنه توفيق باشا، حيث مهدت طموحات إسماعيل المغرورة وبذخه الجسيم الطريق للاحتلال البريطاني على مصر بعد 3 سنوات من تنسيبه.
تعرضت الدولة العثمانية لضغوط كبيرة من أوروبى لعزل الخديو، مما أدى إلى إصدار السلطان عبد الحميد الثاني مرسوماً بهذا الشأن، وصدر هذا المرسوم في عام تسعة عشر وتسعة وسبعين بعد الميلاد، وبعد أن تلقى الخديوي إسماعيل مرسومًا عثمانيًا سافر إلى منفاه في أستانة وبقي في المنفى حتى وفاته في الثاني من مارس سنة ألف وثمانمائة وخمسة وتسعين ميلادية، ووافته المنية في مدينة اسطنبول بتركيا.
أوجيني دي مونتيجو
لعل الكثير يتسائل حول شخصية تلك المراة التي اغرقت الخديوي اسماعيل في الديون وأدت إلى إفلاسه وغرله عن منصب الخديوي ونفيه فهي “أوجيني دي مونتيجو” إمبراطورة فرنسا وواحدة من أكثر النساء تأثيراً في عصرها اللواتي ساعدن في تغيير تاريخ العالم، كما ولدت في إسبانيا في مايو 1826 باسم دونا ماريا يوجينيا إغناسيا، ودرست في دير القلب المقدس في باريس، وبعد ذلك سافرت إلى المملكة المتحدة لدراسة اللغة الإنجليزية، واكتسبت الكثير من الخبرة من رحلاتها المتكررة، وحولتها من مجرد امرأة جميلة إلى سيدة ذكية وجذابة ذات شخصية حيث جعلت جاذبيتها الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث يقع في حبها ويتزوجها في عام 1853، كما نجحت أوجيني في جعل الفرنسيين يحبونها ويحترمونها ولعبت دورًا حيويًا في المجتمع الفرنسي في وقت كانت فيه أدوار المرأة بشكل عام ضئيلة للغاية.
دعمت بقوة تعليم الإناث وسلطت الضوء على اختراقات المرأة الفرنسية في الأدب والفنون والتعليم. عززت العلاقات الثنائية بين إنجلترا وفرنسا، نتيجة صداقتها القوية مع الملكة فيكتوريا، وسافرت إلى مصر لأول مرة عام 1869، ممثلة نابليون الثالث في حضور افتتاح قناة السويس وكانت أوجيني ضيف الشرف في حفل الافتتاح، كما أثنى الخديوي إسماعيل على أوجيني كثيرًا خلال الحفل وقال: “عيني رائعة تنظر إليك مدى الحياة”، ودفعت هذه الكلمات الكثير من المؤرخين إلى افتراض أن الخديوي إسماعيل كان مولعًا بأوجيني وكانت هناك شائعات تقول إنه كان يحبها عندما كان يدرس في فرنسا لكن عائلتها عارضت علاقة الحب هذه.
وزارت أوجيني مدينتي قناة السويس ومدينة بورسعيد بعد الحفل وأصبحت مولعة ببورسعيد وأهلها، لذلك أطلق الخديوي إسماعيل اسمها على أحد شوارع بورسعيد الشعبية على الرغم من تغيير اسم شارع أوجيني رسميًا إلى “صفية زغلول”، لا يزال الناس يطلقون عليه اسم “شارع أوجيني”، واتهمها الفرنسيون بالتجسس ضد فرنسا بعد الحرب الفرنسية البروسية عام 1870، مما دفعها للفرار إلى إنجلترا مع أسرتها حيث استقرت حتى نهاية حياتها، وتوفيت في يوليو 1920 عن عمر يناهز 94 عامًا ودُفنت في هامبشاير بجانب زوجها وابنها.