نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، واحدة من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، والحسن بن علي هو جدُّ أبيها، ولدت بمكة عام 145هـ= 762م أي في زمن الدولة العباسية وتحديدًا في عهد أبي جعفر المنصور، في عام 150هجرية انتقلت نفيسة للمدينة وعمرها 5 سنوات عندما ولَّى أبو جعفر المنصور أباها على المدينة، وبها أتمّت حفظ القرآن وعمرها 8 سنوات.
بعد ذلك غضب أبو جعفر المنصور على أبيها وصادر أمواله وحبسه في بغداد، وظل أبيها محبوسًا إلى وفاة أبو جعفر المنصور عام 158هجرية، حيث أطلقه الخليفة محمد المهدي من السجن بعد ولايته.
في عام 161هجرية وعندما عمرها 16سنة تزوَّجت السيدة نفيسة من إسحاق بن جعفر الصادق بن محمد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب الملقَّب بالمؤتمن (أخو موسى الكاظم)، وأنجبت له القاسم وأم كلثوم، وفي 168هجرية مات والدها الحسن وهو في طريقه للحج مع الخليفة عن 85 عامًا.
في عام 193هجرية وعندما كان عمرها آنذاك 48 سنة هاجرت السيدة نفيسة من المدينة إلى مصر مع زوجها وأقامت بها، وكانت ذات مال وإحسان إلى عموم الناس، وكانت عابدة زاهدة كثيرة الخير، وكانت تطيل القيام، وتكثر من الصيام، فقيل لها: ألا ترفقين بنفسك؟ فقالت: كيف أرفق بنفسي وأمامي عقبة لا يقطعها إلّا الفائزون؟!
بعد ذلك كادت السيدة نفيسة تترك مصر من كثرة الزوَّار، فتدخَّل السري بن الحكم والي مصر حينئذ وأقنعها بالبقاء مع تحديد يومين في الأسبوع للزيارة، ووهبها دارًا واسعة هي مكان قبرها الآن، وكان العلماء يزورونها ويأخذون عنها، وقد رُوي أنَّ الإمام الشافعي لما دخل مصر عام 199ه حضر عندها، وسمع عليها الحديث، ولما توفي الشافعي عام 204 أدخلت جنازته إليها تبعًا لوصيته، فصلتْ عليه في دارها.
حبُّ آل البيت
قال الله سبحانه وتعالى {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23]، أحد المعاني لهذه الآية: أن تودوني في قرابتي، أي تحسنوا إليهم وتبروهم، وهذا قول سعيد بن جبير، وروى مسلم عن زيد بن أرقم عن رسول الله أنه قال: «وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي»[1]، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِي مِنْ بَعْدِي"[2]، وروى الترمذي في صحيحه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ القَصْوَاءِ يَخْطُبُ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللَّهِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي"[3].
في شهر رمضان من سنة 208هـ= 824م ماتت السيدة نفيسة فحزن أهل مصر لموتها حزنًا شديدًا، وقد عزم زوجها إسحاق بن جعفر أن ينقلها إلى المدينة النبوية، فمنعه أهل مصر من ذلك، وسألوه أن يتركها عندهم، فدفنت في المنزل الذي كانت تسكنه، قال الذهبي: وَلِجَهَلَةِ المِصْرِيِّيْنَ فِيْهَا اعْتِقَادٌ يَتَجَاوَزُ الوَصْفَ، وَلاَ يَجُوْزُ مِمَّا فِيْهِ مِنَ الشِّرْكِ، وَيَسْجُدُوْنَ لَهَا، وَيَلْتَمِسُوْنَ مِنْهَا المَغْفِرَةَ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ دَسَائِسِ دُعَاةِ العُبَيْدِيَّةِ.
الملاحظة العجيبة في حياة نفيسة بنت الحسن أنها حجَّت 30 مرة وكلها عندما كانت في المدينة، وهذا باب كبير من أبواب الخير لا يفتحه الكثير من القادرين! وهي مسألة فيها خلاف كبير بين العلماء: هل يحجُّ المتيسِّر مرارًا أم يخرج نفقة الحج في باب من وجوه الخير المختلفة؟
تحذير:
تحذير:
تحذير:
في الواقع هذا جائز وهذا جائز، ولكني أميل مع الذهاب للحج كلما تيسَّر ذلك، ولو كلُّ عام (بالطبع دون تحايل على ولاة الأمر في بلادك وفي السعودية)
وروى النسائي أيضًا وهو صحيح عن أَبِي هُرَيْرَةَ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَفْدُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَلَاثَةٌ: الْغَازِي، وَالْحَاجُّ، وَالْمُعْتَمِرُ"[5].
وعن بريدة، أن رسول الله ﷺ قال: «النَّفَقَةُ فِي الحَجِّ كَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ»[7].
وعن جابر بن عبد الله قال رسول الله ﷺ: «مَا أَمْعَرَ حَاجٌّ قَطُّ». قيل لجابرٍ: ما الإمعار؟ قال: «مَا افْتَقَرَ»[8].
وعن رسول الله ﷺ قال: «تَعَجَّلُوا إِلَى الحَجِّ؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ»[9].
روى ابن حبان والبيهقي وهو صحيح عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَالَ اللَّهُ: إِنَّ عَبْدًا صَحَّحْتُ لَهُ جِسْمَهُ، وَوَسَّعْتُ عَلَيْهِ فِي الْمَعِيشَةِ، يَمْضِي عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ لَا يَفِدُ إِلَيَّ لَمَحْرُومٌ»[10]. (الوفد في حجٍّ أو عمرة)[11].
[1] مسلم: كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه (2408).
[2] أبو يعلي (5924).
[3] الترمذي: كتاب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه و سلم، باب مناقب أهل النبي صلى الله عليه وسلم (3786).
[4] الترمذي: كتاب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في ثواب الحج والعمرة (810)، وقال حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن مسعود، وقال الشيخ الألباني: حسن صحيح، والنسائي: كتاب الحج، فضل المتابعة بين الحج والعمرة (3610).
[5] النسائي: كتاب الجهاد، باب الغزاة وفد الله تعالى (3121)، وقال الألباني صحيح.
[6] البخاري: كتاب الإحصار وجزاء الصيد، باب حج النساء (1762).
[7] أحمد (23050)، واللفظ له، والبيهقي: السنن الكبرى، (8432)، والطبراني: المعجم الأوسط (5274)، اسناد حسن
[8] الطبراني: المعجم الأوسط، (5213)، والبيهقي: شعب الإيمان (3839)، وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح.
[9] أحمد (2869)، واللفظ له، وقال شعيب الأرناءوط: حسن. وابن ماجه (2883)
[10] ابن حبان (3703) وقال شعيب الأرناءوط: حديث صحيح، والبيهقي في شعب الإيمان (3837).
طرح رائع كروعة حضورك
اشكر ك علي روعة ماقدمت واخترت
من مواضيع رائعه وهامة ومفيدة
عظيم الأمتنان لكَ ولهذا الطرح الجميل والرائع
لاحرمنا ربي باقي اطروحاتك الجميلة
تحياااتي