الْحَيَاةِ الدُّنْيَا غڑ وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ)
[الزخرف:33- 35]
?2. القلب المستوحش:
فإن الذنوب تورث القلب وحشة وحزنًا يلقيان ظلالهما على القلب
فور اقتراف الذنب ومقارفة الخطيئة، ونحن نتحدث هناك عن من عمر
بالإيمان قلبه، فمثل هذا لا تتم له لذة المعصية أبدًا
ولا يكتمل بها فرحة، بل لا يباشرها إلا والحزن يخالط قلبه،
ولكن سكر الشهوة يحجبه عن الشعور به،
فمن خلال قلبه من هذا الحزن فليتهم إيمانه،
وليبك على موت قلبه...
إنا لله وإنا إليه راجعون
خراب الديار:
قال مالك بن دينار:
"إن القلب إذا لم يكن فيه حزن خرب، كما أن البيت إذا لم يسكن خرب".
ليس الحزن ضمانًا لعدم خراب القلب، بل سبب من أسباب دخول الجنة
عند الحسن البصري، الذي قال:
"إن المؤمن ليذنب الذنب فما يزال به كئيبًا حتى يدخل الجنة".
يا أخي
يا مدعي الحزن بالقول، وأفعالك تكذب لسانك،
لو كان في قلبك حزن، لبدا أثره على جسدك،
لظهر بكاء من خشية الله، لظهر إتباعًا للسيئات بالحسنات،
لظهر دفنًا للنفس في أحضان الصالحين،
لظهر هجرانًا لأهل المعاصي،
لظهر توبة صادقة وعبرة نادمة وعزمًا حديداً.
3. وحشة مع الصالحين:قال أبو الدرداء:
ليحذر أحدكم أن تلعنه قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر،
ثم قال:
أتدرون مم هذا؟
قال: إن العبد ليخلو بمعاصي الله،
فيلقي الله ببغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر.
إذا وجدت من إخوانك جفاء فذلك ذنب أحدثته، فتب إلى الله عز وجل،
وإذا وجدت منهم زيادة محبة فذلك لطاعة أحدثتها فاشكر الله عز وجل.
وليس فقط الجفاء بل الاستهانة والاستخفاف
من كل من دب فوق الأرض
صغيرًا كان أم كبيرًا، حقيرًا كان أم جليلًا،
دل ذلك حديث حذيفة بن اليمان الذي نص على أنه:
"ما استخف قوم بحق الله عز وجل إلا بعث الله عليهم من يستخف بحقهم.
وما أصدق قول العمري الزاهد حين برهن على صحة قانون حذيفة فقال:
"من ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من مخافة المخلوقين،
نزعت منه هيبته الطاعة، فلو أمر ولده أو بعض مواليه لاستخف به".
4. تعسير الأمور: قال عز وجل:
{وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}
[الشورى: من الآية 30].
وقال النبي ï·؛:
«إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه»
(حسن كما في صحيح ابن ماجة رقم [3248]).فالمؤمن الذي يقيس أُموره بمقياس الإيمان
على يقين بأنه لا يقع بلاء إلا بذنب، ولا تنزل محنة إلا بإثم.
أما الماديون الغارقون في بحر الشهوات
فيتبرمون ويضجرون إذا وقعوا في شدة،
أو واجهتهم محنة دون أن يعلموا أنهم السبب؛
لأنهم بدؤوا بالعداء أولاً واقترفوا الذنب.
فعوقبوا، والبادىء أظلم.
قال سفيان الثوري:
"إني لأعرف ذنبي في خلق امرأتي ودابتي وفأرة بيتي".
وهذه معرفة لا ينالها إلا من نور الله قلبه وأضاء بصيرته وهداه سواء السبيل،
نسأل الله أن نكون منهم.
5. حرمان الطاعة:
يقول سفيان:
حرمت قيام الليل أربعة أشهر بذنب،وابن سيرين
يعير رجلا بالفقر فيحبس في دين،ومكحول
يعير آخر بالرياء في البكاء
فيحرم البكاء من خشية الله سنة.والحقيقة أن تعجيل هذه العقوباتهو من علامات حب الله للعبد
فإنها محتملة تمر سريعاً وتنقضي،أما عقوبة الآخرة فما لا عين رأتولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر.
قال رسول الله ï·؛:
«إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه
حتى يوافى به يوم القيامة»
(صحيح كما في ص ج ص رقم (307)).
فالمقرب عند الله هو المعاقب،
والمطرود من رحمة الله هو المسكوت عنه
في الدنيا ليدخر له العقاب في الآخرة.
لحظة من فضلك!!!قد يذنب العبد ولا يشعر أن الله عاقبه،
ولا يحس أن نعم الله عليه تغيرت،فما تفسير ذلك؟!
أقول:
فقدان حلاوة الخشوع ولذة المناجاة حرمان،
الزهد في الازدياد من الطاعات حرمان،
إغلاق باب القبول حرمان،
قحط العين وعدم بكائها حرمان،
قسوة القلب وعدم تأثره عند سماع الموعظة،
والمحرومون كثير ولكن لا يشعرون.
أخي العاصي...
كم نظرت عينك إلى الحرام فقل بكاؤها، وكم غبت عن صلاة الفجر فانطمس نور وجهك،
وكم رتعت في المال الحرام فمحقت بركته،
وكم مرة استمتعت بلذاذة الألحان فحرمت تلاوة القرآن،
وغزا حب الدنيا قلبك فخرجت الآخرة منه، لأن الآخرة عزيزة لا تقبل الشركة.
6. المعاصي تزرع المعاصي:
ومناط ذلك هو أن الرجل إذا عمل بمعصية الله ابتدره الشيطان وابتعد عنه الملك،
فلا يدل الشيطان إلا على شر ومعصية وإثم ومهلكة،
لذلك صدق سهل بن عاصم حين قال:
"عقوبة الذنب الذنب".
تماماً كحلقات السلسلة يشد بعضها بعضًا،
أو كحبات العقد الواحد إذا سقط منه حبة
انفرط العقد وسقطت باقي الحبات.
وقد كان ابن القيم موفقًا حين أقسم فقال:
"تالله ما عدا عليك العدو (الشيطان) إلا بعد أن تولى