تعد اللغة الأم هوية المرء ، وهوية أمته التي ينتسب إليها في الوقت نفسه . ولغتنا العربية الفصيحة هي لغتنا الأم ، التي وحدت بين العرب بطريق القرآن الكريم، ولا
تعد اللغة الأم هوية المرء ، وهوية أمته التي ينتسب إليها في الوقت نفسه . ولغتنا العربية الفصيحة هي لغتنا الأم ، التي وحدت بين العرب بطريق القرآن الكريم، ولا يمكن لهذه اللغة أن تموت ؛لأن كلام الله بها يتلى، وهو حافظها ، وحاميها ،بحفظ كلامه سبحانه وتعالى،وأضفى عليها هالة من القدسية بين ما يزيد على مليار من المسلمين في شتى أنحاء العالم .
إن لهذه اللغة العظيمة سيرةً في الزمان طويلةً وفي المكان عريضةً والتاريخ والحدث أيضا، إذ ((إن العربية متمثلة في الشعر الجاهلي و القرآن الكريم لغة نامية متطورة بلغت درجة كبيرة من النضج والاستواء، بعد أن قطعت مراحل، وتعاقبت عليه أطوار تنقلت من خلالها من حال إلى حال)).
ولعل قيمة هذه اللغة ، تكمن في ترتيبها السادس، الذي أقرته اليونسكو بين اللغات التــي
تستعملها نصف البشرية، بعد الصينية والإنكليزية والهندية والإسبانية والروسية وتأتي قبل اللغة الفرنسية.
كما تحتل لغتنا العربية مكانة كبيرة في نظر الباحثين ، والمستشرقين المنصفين ؛ فهذا المستشرق الأمريكي "كوتهيل" يقول معترفا بقيمتها التي لم يقدرها الغرباللغة العربية واقع وتحديات(قَلَّ منّا ـ نحن الغربيين ـ مَنْ يُقدّر اللغة العربية حق قدرها ، من حيث أهميتُها وغناها، فهي بفضل تاريخ الأقوام التي نطقت بها وبداعي انتشارها في أقاليمَ كثيرة، واحتكاكها بمدنيات مختلفة ، قد نمت إلى أن أصبحت لغةً مدنية بأسرها ، بعد أن كانت لغة قبلية . لقد كان للعربية ماض مَجيدٌ ، وفي تقديري سيكون لها مستقبلٌ زاهر)).
ويزيد مستشرق أمريكي آخر شهادة حية على عظمتها ، وصفاتها التي كتبت لها الخلود والصمود أمام اللغات المختلفة ، فيقول: (( إن للغة العربية من اللين والمرونة ما يمكنانها من التكيف وفق مقتضيات العصر ، وهي لم تتقهقر فيما مضى أمام أي لغة أخرى من اللغات التي احتكت بها ، وهي ستحافظ على كيانها في المستقبل كما حافظت عليه في الماضي)).
إلا أن هذه المكانة التي يقر بها غير العرب ، لم تجعلها بمنأى عن تحديات كبيرة تواجهها لغتنا على الصعيدين ؛ الخارجي والداخلي، تتلخص في مجملها في منافسة اللغات الأجنبية لها في حقول تعليم العلوم والتكنولوجيات ، فتوسعت رقعة اللغة الإنجليزية والفرنسية في مجال الإعلام الخاص والعام على السواء ، وانحسرت لغتنا أمامهما لأسباب كثيرة داخلية ، أكثر منها خارجية ، وصارت العربية لا تمثل سوى0.4 % من بين اللغات المتواجدة على الشابكة أوالانترنيت مقابل 47 % للانكليزية و9 % للصينيةو8% لليابانية و6 % للألمانية و4 % لكل من الإسبانية والفرنسيةو3 % للإيطالية و2 % لكل من البرتغالية والروسية.
يضاف إلى هذه التحديات التي تعاني منها لغتنا الفصيحة ، محاربتها بالدعوة إلى استعمال اللهجات العامة، بدعوى تيسير التواصل بين المتكلمين، وحتى يتم الإجهاز عليها ـ وليتهم يستطيعون ـ شجعوا البحوث التي تخدم العاميات ، وتقديم الدعم المادي لها من قبل الغرب ، الذين يهدفون من وراء ذلك إلى القضاء على الهوية والشخصية ، والسيادة الوطنية ، التي طالما باتوا يحلمون بها ، ومن مساعيهم ما تطالعنا به إحدى المجلات الغربية ، بأن بعض الجامعات الأمريكية قامت بإلغاء تدريس اللغة العربية والاستعاضة عنها باللهجات العربية مثل الشامية والمصرية والمغربية والعراقية ، وأما في فرنسا ، فقد استبعدت العربية من امتحانات الشهادة الثانوية، حيث كان يسمح للطالب باختيار لغة ثانية كالإنجليزية والألمانية والإسبانية والعربية...كل ذلك يحصل إما بغفلة من أهلها هنا وهناك
وهم لا يعلمون وإما بإيعاز وتأييد منهم وهم عالمون و واعون.
ولله در الشاعر إذ يقول:
لا أشتكي زمني هذا فأظلمهُ ... وإنّما أشتكي من أهلِ ذا الزّمنِ
ولا نعني بهذه الأمثلة أن أيدي الجميع مكتوفة ، وقلوب الكل متواطئة ، بل هناك مَن قيّضهم الله لأجل القيام بدور الدفاع عن هذه اللغة المقدسة ، ممثلا في دور بعض مجامع اللغة العربية النشيطة، التي تحسست الخطر المحدق بلغتها ، وكذلك فعلت بعض الهيئات الرسمية في بعض الدول العربية بالاهتمام بهذا اللسان المبين عبر مراحل التعليم ، بتطوير مناهج تدريسها ، وجعل المضامين بما يتماشى والتطور المذهل الذي يعيشه العالم أجمع ، دون إغفال الإعداد الجيد لمعلميها، والرفع المستمر من كفاءاتهم البيداغوجية، ودعم التلاميذ بالوسائل العلمية ، والوسائط الممكنة ، بالقدر الذي يجعلهم يواكبون المستجدات ، ويستفيدون من مختلف التكنولوجيات.
و يبقى أملنا ـ في الأخيرـ في مؤسسات الدولة، في جميع أطوار التعليم ، والهيئات الرسمية ، وغير الرسمية كبيرة،على التمكين لهذه اللغة ، و لا يتأتى ذلك إلا برسم استراتيجية بعيدة المدى ، وعلى جميع الأصعدة ، وتوافر النية الخالصة بجعل اللغة العربية لغة العلم والتخاطب بين أفراد الأمة الواحدة
حتى لا تتلقف آذاننا صرخة اللغة على لسان الشاعر:
فلا تكلوني للزمان فإنني ...أخاف عليكم أن تحين وفاتي