بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين الشريف الادريسي في أواخر القرن الخامس الهجري سنة 493هـ، وفي مدينة (سبتة) بالمغرب ولد رجل منأعظم علماء الجغرافيا
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين الشريف الادريسي في أواخر القرن الخامس الهجري سنة 493هـ، وفي مدينة (سبتة) بالمغرب ولد رجل منأعظم علماء الجغرافيا في العالم، إنه (محمد بن عبد الله بن إدريس) المعروف بالشريفالإدريسي. ولد محمد بن عبد الله بن إدريس سنة 493هـ، ونشأ محبًّا للعلم يحب الطبيعة والأزهار،وكثيرًا ما كان يتتبع نمو الأزهار، والنباتات ومظاهر الطبيعة التي كانت تعجبه، وتشغل باله،ذهب الإدريسي في طفولته إلى الكُتَّاب ليحفظ القرآن ويتعلم اللغة والفقه، ولكنه لم ينتظرحتى يكمل دراسته، بل خرج للرحلة، ومشاهدة مظاهر الطبيعة في البلاد، فأكمل دراسته،وتعلمه خلال رحلاته ومشاهداته، ولم يهتم الإدريسي بعلوم الدين فقط، وإنما خرج يطوففي البلاد يشاهد ويدون، ويرسم ما شاهده، وقد دفعته نفسه التواقة إلى القيام برحلةكبيرة تغطي أرجاءالعالم الإسلامي، كما زار البرتغال وإيطاليا وسواحل فرنسا وإنجلترا، وكان لهذه الرحلات أثرها في تنمية معلوماته الجغرافية. اتصل الإدريسي بالملك (روجر الثاني) ملك صقلية وكانت صقلية لا تزال تزدهر فيها الثقافةالإسلامية على الرغم من استيلاء النورمانديين عليها من المسلمين؛ فطلب من الإدريسيأن يرسم له خريطة للعالم، فاختار الرجال، ودربهم على دقة المشاهدة ليصوروا مايشاهدونه برسومهم ويزودوه بمعلوماتٍ جغرافيةٍ عن البلاد التي سينزلون بها، وحين اطمأن إلى قدرتهم على إنجاز مهمته أرسلهم إلى بلادٍ كثيرة، وكان الإدريسي يدون المعلوماتالتي تصل إليه منهم، ويعيد صياغتها. ثم جمع الإدريسي كل ما وصل إليه في كتاب سماه (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق)وقد احتوى الكتاب على كثير من المعلومات الخاصة بغرب أوربا، وقد اشتهر هذا الكتاب بينعلماء الشرق والغرب وخاصة المشتغلين بالجغرافيا، واستغرق إخراج هذا الكتاب خمسةعشر عامًا. وبعد الانتهاء من تأليفه، أهداه إلى صديقه الملك روجر سنة 1154م الذي أعجب به، وكافأهعليه، ثم قام برسم خريطة للعالم حسب طلب الملك (روجر) على لوح مستطيل من الفضة؛حيث اشتملت على عدد كبير من الأسماء، ثم طلب منه أن يصنع له كرة توضح شكل الكرةالأرضية، فأمر الإدريسي أن تفرغ له من الفضة الخالصة دائرة مفصلة عظيمة الحجم فيوزن 400 رطل، فلما كملت أمر العمال أن ينقشوا عليها صور الأقاليم ببلادها، وأقطارهاوريفها وخلجانها وبحارها ومواقع أنهارها وعامرها والطرق والمسافات بين البلاد والمراسي،لا يتركون شيئًا، ويأتون به على هيئته وشكله، فصنع بذلك أول مجسم لكرة أرضية دقيقةعُرفت في التاريخ على هذا الشكل، ولكن للأسف تعرضت للضياع. ولم يَبْقَ من آثار الإدريسي إلا كتابه وأطلس خرائطه، ويعد الإدريسي أول جغرافيمتخصص في هذا العلم، فقد فاق (بطليموس) العالم اليوناني القديم الذي كان يدرسالرياضيات والفلك، فكان اهتمامه بالجغرافيا لهذا السبب، أما الإدريسي فلم يهتم إلابالجغرافيا فقط، فجعلها علمًا مثل باقي العلوم ومن إسهاماته في هذا المجال أنه أكد علىخطوط الطول والعرض لتحديد المكان والمسافة، وقال بكروية الأرض، وترك عددًَا من الخرائطلمنابع نهر النيل والبحار وأقاليم العالم القديم. وقد اهتمت الدول المختلفة بنقل المعلومات التي كتبها الإدريسي عنها ودرسوها فكانالإدريسي بذلك أعظم جغرافي آنذاك، وحصل على تلك المكانة بفضل ملكاته الممتازة فيرسم الخرائط، ويعتبر أطلسه أهم أثر للخرائط التي رُسِمَتْ في العصور الوسطي، وقداستطاع (كونراد ميللر) أن يستخرج من أطلس خرائط الإدريسي خريطة جامعة للعالم،وطبعت سنة 1938م ملونة وفي 1951م طُبِعَت باللغة العربية وظل الاعتماد على خرائطهفي أوربا حتى القرن السادس عشر الميلادي. ولم يكن الإدريسي بارعًا في الجغرافيا وحدها بل برع أيضًا في النبات وبخاصة الأعشابالطبية، وألف فيه كتابه (الجامع لصفات أشتات النبات) وقد استفادابن البيطار) النباتي المشهور من هذا الكتاب الذي لم يصل إلينا، ونقل منه مائة مرة أشياءتختص بالأشجار والنبات والأزهار.
وظل الإدريسي يعمل في خدمة العلم، تحت رعاية صديقه الملك (روجر الثاني) ومن جاءبعده، حتى توفي في سنة 560هـ على رأي أكثر المؤرخين وهو بعيد وغريب عن بلدهيسعى للعلم.
موسوعة الاسرة المسلمة بحث وتقديم ناطق ابراهيم العبيدي