عن أبي سلمة بن عبدالرحمن رضي الله عنه أنه قال: سألت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان صداقه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشًّا، قالت: أتدري ما النشُّ؟ قال: قلت: لا، قالت: نصف أوقية، فتلك خمسمائة درهم، فهذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه؛ رواه مسلم.
المفردات:
أبي سلمة بن عبدالرحمن: هو أبو سلمة بن عبدالرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي الزهري المدني، قيل اسمه عبدالله وقيل إسماعيل، ولد سنة اثنتين وعشرين من الهجرة وقال في التقريب: كان مولده بضع وعشرين؛ اهـ، وقد ولي القضاء في المدينة لسعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية في خلافة معاوية رضي الله عنه، وكان صبيح الوجه كأن وجهه دينار، وكان يخضب بالحناء والكتم، وكان من أئمة الفقهاء وشيوخهم، وقد حدث عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورَضِيَ الله عنهم، وكان ثقة كثيرَ الحديث، وقد توفِّي أبو سلمة بالمدينة سنة أربع وتسعين في خلافة الوليد بن عبدالملك وهو ابن اثنتين وسبعين سنة، قال ابن سعد في الطبقات: وهذا أثبت من قول من قال: إنه توفِّي سنة أربع ومائة رحمه الله.
كم كان صداقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي ما مقدار المهر الذي دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوجاته.
أوقية: هي بضم الهمزة وتشديد الياء، وهي عند أهل الحجاز أربعون درهمًا.
أتدري ما النشُّ: أي أتعلم مقدار النش؟ والنش بفتح النون وتشديد الشين.
قال: قلت: لا: أي قال أبو سلمة: قلت لعائشة رضي الله عنها: لا أعلم مقدار النش.
قالت: نصف أوقية: أي قالت عائشة رضي الله عنها: مقدار النش هو نصف أوقية، تعني عشرين درهمًا.
فتلك خمسمائة درهم: أي فجميع مقدار هذا الصداق خمسمائة درهم وهي حاصل ضرب اثني عشر ونصف في أربعين وهو يساوي 500 درهم.
فهذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه: أي فالخمسمائة درهم هي مقدار مهر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي دفعه للزوجة من زوجاته صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهنَّ.
البحث:
ليس المراد من قول عائشة رضي الله عنها: فهذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه - أن جميع زوجات رسول الله كان مهر الواحدة منهنَّ خمسمائة درهم، بل المراد أن هذا هو الغالب في مهور نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان مهر صفية عتقها كما تقدم في الحديث الأول من أحاديث هذا الباب، كما أن مهر أم حبيبة رضي الله عنها كان أربعة آلاف درهم أو أربعمائة دينار، وإن كان النجاشي رحمه الله هو الذي تبرَّع بهذا المهر وأدَّاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تكريمًا للنبي صلوات الله وسلامه ورحمته وبركاته عليه وعلى آله وصحبه، وقد ذكر ابن هشام في السيرة النبوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق خديجة رضي الله عنها عشرين بكرة، قال الحافظ في الفتح: وقد أخرج الطحاوي من طريق نافع عن ابن عمر في قصة جويرية بنت الحارث أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل عتقها صداقها، وقال الحافظ في الفتح أيضًا: أخرج أبو داود من طريق عروة عن عائشة في قصة جويرية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها لما جاءت تستعين به في كتابتها: هل لك أن أقضي عنك كتابتك وأتزوجك؟ قالت: قد فعلت هذا، وقد ذكر ابن هشام في السيرة النبوية أن مهور نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت أربعمائة درهم، لكن حديث الباب يقدم على ما ذكره ابن هشام؛ لأن حديث الباب أصح منه، قال الحافظ في التلخيص: حديث أبي سلمة: سألت عائشة ما كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان صداقة لأزوجه اثنتي عشرة أوقية ونشًّا، أتدري ما النش؟ قلت لا، قالت: نصف أوقية؛ مسلم في صحيحه، واستدركه الحاكم فوهِم، وفي الباب عن عمر عند مسلم أيضًا وعن أم حبيبة عند النسائي (تنبيه): إطلاقه أن جميع الزوجات كان صداقهنَّ كذلك محمول على الأكثر، وإلا فخديجة وجويرية بخلاف ذلك، وصفية كان عتقها صداقها، وأم حبيبة أصدقها عنه النجاشي أربعة آلاف؛ كما رواه أبو داود والنسائي، وقال ابن إسحاق عن أبي جعفر: أصدقها أربعمائة دينار؛ اهـ.