• وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اللهم لا عيشَ إلا عيشُ الآخرة))؛ متفق عليه.
• وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يَتْبَعُ الميتَ ثلاثةٌ: أهلُه وماله وعمله، فيرجع اثنان، ويبقى واحد؛ يرجع أهله وماله، ويبقى عملُه))؛ متفق عليه.
• وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يؤتى بأنعمِ أهلِ الدنيا من أهل النارِ يومَ القيامة، فيُصبَغ في النار صبغة، ثم يقال: يا بن آدم، هل رأيتَ خيرًا قط؟ هل مرَّ بك نعيمٌ قط؟ فيقول: لا والله يا رب. ويؤتى بأشد الناس بؤسًا في الدنيا من أهل الجنة، فيُصبَغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا بن آدم، هل رأيت بؤسًا قط؟ هل مرَّ بك شِدةٌ قط؟ فيقول: لا والله، ما مر بي بؤس قط، ولا رأيتُ شِدةً قط))؛ رواه مسلم.
• وعن المستورد بن شداد رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما الدنيا في الآخرة إلا مثلُ ما يجعل أحدُكم إصبعه في اليمِّ، فلينظُرْ بمَ يرجع؟))؛ رواه مسلم.
• وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بالسوق والناس كَنَفَتَيْهِ، فمرَّ بجَدْيٍ أَسَكَّ ميتٍ، فتناوله، فأخذ بأذنهِ، ثم قال: ((أيكم يحبُّ أن يكون هذا له بدرهمٍ؟))، فقالوا: ما نحبُّ أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟!
ثم قال: ((أتحبُّون أنه لكم؟))، قالوا: والله لو كان حيًّا كان عيبًا؛ لأنه أسكُّ، فكيف وهو ميت؟ فقال: ((فو الله، لَلدنيا أهوَنُ على الله مِن هذا عليكم))؛ رواه مسلم.
قال سَماحة العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:
ذكر المؤلِّف رحمه الله أحاديثَ في بيان الزهد في الدنيا، وأن النعيم هو نعيم الآخرة، منها: عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اللهم لا عيشَ إلا عيشُ الآخرة))؛ يعنى العيشة الهنيئة الراضية الباقية هو عيش الآخرة، أما الدنيا فإنه مهما طاب عيشها فمآلها للفناء، وإذا لم يصحبها عملٌ صالح فإنها خسارة.
ولهذا ذكر في ضمن الأحاديث هذه "أنه يؤتى بأنعم أهل الدنيا في الدنيا"؛ يعني أشدهم نعيمًا في بدنه وثيابه وأهله ومسكنه ومركوبه وغير ذلك، "فيُصبَغ في النار صبغة"؛ يعني يغمس فيها غمسة واحدة، ويقال له: "يا بن آدم، هل رأيتَ خيرًا قط؟ هل مرَّ بك نعيمٌ قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ما رأيت"؛ لأنه ينسى كلَّ هذا النعيم، هذا وهو شيء يسير، فكيف بمن يكون مخلَّدًا فيها - والعياذ بالله - أبد الآبدين؟
وذكر أيضًا حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ في السوق بجَدْيٍ أسكَّ، والجدي من صغار الماعز، وهو أسكُّ: أي مقطوع الأذنين، فأخذه النبي عليه الصلاة والسلام ورفعه وقال: ((هل أحد منكم يريده بدرهم؟))، قالوا: يا رسول الله، ما نريده بشيء، قال: ((هل أحد منكم يودُّ أن يكون له؟))، قالوا: لا، قال: ((إن الدنيا أهوَنُ عند الله تعالى من هذا الجدي)).
فهذا جدي ميت لا يساوي شيئًا، ومع ذلك فالدنيا أهونُ وأحقر عند الله تعالى من هذا الجدي الأسكِّ الميت، فهي ليست بشيء عند الله، ولكن من عمل فيها عملًا صالحًا، صارت مزرعة له في الآخرة، ونال فيها السعادتين: سعادة الدنيا، وسعادة الآخرة.
أما من غفل وتغافل وتهاون ومضت الأيام عليه وهو لم يعمل، فإنه يخسر الدنيا والآخرة؛ قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الزمر: 15]، وقال تعالى: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 - 3].
وكل بني آدم خاسرٌ إلا هؤلاء الذين جمعوا هذه الأوصاف الأربعة: آمنوا، وعملوا الصالحات، وتواصَوا بالحق، وتواصَوا بالصبر. جعلنا الله وإياكم منهم.