-==(( الأفضل خلال اليوم ))==-
أفضل مشارك : أفضل كاتب :
بيانات اۘكًتَفّيٍتۙ ۤبِكۨ♔
اللقب
المشاركات 79527
النقاط 92667
بيانات اسير الاحزان
اللقب
المشاركات 95296
النقاط 100614

 ننتظر تسجيلك هـنـا

{ اعلانات غيمة عطر) ~
 
 
 
{ دعم فني للمنتديات   )
   
{ مركز رفع الملفات والصور   )
   
{ ❆فَعِاليَآت غيتِمـة عِـطِـر ❆ ) ~
                          



الإهداءات

وقفات ودروس من سورة البقرة (11)

المعلم الحادي عشر: نموذج المنافق والمؤمن: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم منذ أسبوع واحد
اۘكًتَفّيٍتۙ ۤبِكۨ♔ متواجد حالياً
Saudi Arabia     Female
Awards Showcase
 
 عضويتي » 3
 جيت فيذا » Mar 2017
 آخر حضور » منذ دقيقة واحدة (11:17 PM)
آبدآعاتي » 79,527
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »
 التقييم » اۘكًتَفّيٍتۙ ۤبِكۨ♔ has a reputation beyond reputeاۘكًتَفّيٍتۙ ۤبِكۨ♔ has a reputation beyond reputeاۘكًتَفّيٍتۙ ۤبِكۨ♔ has a reputation beyond reputeاۘكًتَفّيٍتۙ ۤبِكۨ♔ has a reputation beyond reputeاۘكًتَفّيٍتۙ ۤبِكۨ♔ has a reputation beyond reputeاۘكًتَفّيٍتۙ ۤبِكۨ♔ has a reputation beyond reputeاۘكًتَفّيٍتۙ ۤبِكۨ♔ has a reputation beyond reputeاۘكًتَفّيٍتۙ ۤبِكۨ♔ has a reputation beyond reputeاۘكًتَفّيٍتۙ ۤبِكۨ♔ has a reputation beyond reputeاۘكًتَفّيٍتۙ ۤبِكۨ♔ has a reputation beyond reputeاۘكًتَفّيٍتۙ ۤبِكۨ♔ has a reputation beyond repute
 آوسِمتي »
 
افتراضي وقفات ودروس من سورة البقرة (11)

Facebook Twitter



المعلم الحادي عشر: نموذج المنافق والمؤمن:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ * وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [البقرة: 204 - 207].



أولًا: نموذج المنافق:

نموذج المنافق الذي يعرضه سياق السورة يطال كل منافق اتصف بالصفات التي وصفه بها الله جل في علاه، وإن كان سبب نزول الآيات في الأخنس بن شريق الثقفي حسب ما ورد في كتب التفسير.



صفات هذا النموذج كما وصفه الله جل في علاه:

1- ظاهره لا يتوافق مع باطنه، يظهر الخير ويبطن الشر:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ﴾ [البقرة: 204].



قال السدي: نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي، جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأظهر الإسلام وفي باطنه خلاف ذلك. وعن ابن عباس: أنها نزلت في نفر من المنافقين تكلموا في خبيب وأصحابه الذين قتلوا بالرجيع وعابوهم، فأنزل الله في ذم المنافقين ومدح خبيب وأصحابه: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 207]. وقيل: بل ذلك عام في المنافقين كلهم وفي المؤمنين كلهم. وهذا قول قتادة، ومجاهد، والربيع بن أنس، وغير واحد، وهو الصحيح"؛ ابن كثير.



وقال البغوي في تفسيره: " قال الكلبي ومقاتل وعطاء: نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة، واسمه أبي وسمي الأخنس؛ لأنه خنس يوم بدر بثلاثمائة رجل من بني زهرة عن قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رجلًا حلو الكلام حلو المنظر، وكان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجالسه ويظهر الإسلام ويقول: إني لأحبك، ويحلف بالله على ذلك، وكان منافقًا، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدني مجلسه، فنزل قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [البقرة: 204]؛ أي: تستحسنه ويعظم في قلبك، ﴿ وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ ﴾ [البقرة: 204]؛ يعني: قول المنافق، والله إني بك مؤمن، ولك محب، ﴿ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ﴾ [البقرة: 204].



2- من صفاته أنه ألد الخصام:

﴿ وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ﴾ [البقرة: 204]، قال الحسن: ﴿ أَلَدُّ الْخِصَامِ ﴾؛ أي: كاذب القول، قال قتادة: شديد القسوة في المعصية، جدل بالباطل، يتكلم بالحكمة ويعمل بالخطيئة.



روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أبغض الرجال إلى الله تعالى الألدُّ الخصم"؛ "تفسير البغوي".



3- همته الإفساد في الأرض:

﴿ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ﴾ [البقرة: 205]؛ أي: هو أعوج المقال، سيئ الفعال، فذلك قوله، وهذا فعله: كلامه كذب، واعتقاده فاسد، وأفعاله قبيحة.



وهذا المنافق ليس له همة إلا الفساد في الأرض، وإهلاك الحرث، وهو: محل نماء الزروع والثمار والنسل، وهو: نتاج الحيوانات الذين لا قوام للناس إلا بهما؛ ابن كثير.



4- الكبر صفة ملازمة للمنافق، لا يعترف بخطأ، بل يرى أنه فوق كل خطيئة:

﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [البقرة: 206]؛ أي: إذا وعظ هذا الفاجر في مقاله وفعاله، وقيل له: اتق الله، وانزع عن قولك وفعلك، وارجع إلى الحق؛ امتنع وأبى، وأخذته الحمية والغضب بالإثم؛ أي: بسبب ما اشتمل عليه من الآثام"؛ ابن كثير.



قال عبدالله بن مسعود: إن من أكبر الذنب عند الله أن يقال للعبد: اتقِ الله، فيقول: عليك نفسَك.



ثانيًا: نموذج المؤمن:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [البقرة: 207].


ورد في التفاسير أن هذه الآية نزلت في صهيب بن سنان الرومي رضي الله عنه، لكنَّ الأكثرين حملوا ذلك على كل مجاهد في سبيل الله، فهو إذن نموذج عام، يطال كل مؤمن باع نفسه لله، فكانت حياته كلها جهادًا في سبيله.



قال ابن عباس، وأنس، وسعيد بن المسيب، وأبو عثمان النهدي، وعكرمة، وجماعة: نزلت في صهيب بن سنان الرومي، وذلك أنه لما أسلم بمكة وأراد الهجرة، منعه الناس أن يهاجر بماله، وإن أحب أن يتجرد منه ويهاجر، فعل. فتخلص منهم وأعطاهم ماله، فأنزل الله فيه هذه الآية، فتلقَّاه عمر بن الخطاب وجماعة إلى طرف الحرة. فقالوا: "ربح البيع"، فقال: وأنتم فلا أخسر الله تجارتكم، وما ذاك؟ فأخبروه أن الله أنزل فيه هذه الآية. ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "ربح البيع صهيب، ربح البيع صهيب".


وأما الأكثرون فحملوا ذلك على أنها نزلت في كل مجاهد في سبيل الله؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 111]؛ تفسير ابن كثير.



المعلم الثاني عشر: الإسلام هو دين البشرية بكافة تشريعاته:

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾ [البقرة: 208 - 210].



نزلت هذه الآية -كما أخرج ابن جرير عن عكرمة- "في نفر ممن أسلم من اليهود وغيرهم؛ كعبدالله بن سلام، وثعلبة وأسد بن عبيد، وطائفة، استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يسبتوا، وأن يقوموا بالتوراة ليلًا، فأمرهم الله بإقامة شعائر الإسلام والاشتغال بها عما عداها".



وفي ذكر عبدالله بن سلام مع هؤلاء نظر؛ إذ يبعد أن يستأذن في إقامة السبت، وهو مع تمام إيمانه يتحقق نسخه ورفعه وبطلانه، والتعويض عنه بأعياد الإسلام.



وعن ابن عباس: "﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ﴾ [البقرة: 208]، يعني: مؤمني أهل الكتاب، فإنهم كانوا مع الإيمان بالله مستمسكين ببعض أمر التوراة والشرائع التي أنزلت فيهم، فقال الله: ﴿ ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ﴾، يقول: ادخلوا في شرائع دين محمد صلى الله عليه وسلم ولا تدعوا منها شيئًا، وحسبكم بالإيمان بالتوراة وما فيها.



﴿ فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ ﴾ [البقرة: 209]؛ أي: عدلتم عن الحق، وتنحيتم عن طريق الاستقامة، وزدتم وحذفتم من شرع الله، وحكمتم بالهوى من بعد ما جاءتكم شريعة الله واضحة بينة، وقامت عليكم الحجة، فاعلموا أن الله عزيز في انتقامه، لا يفوته هارب، ولا يغلبه غالب، حكيم في أحكامه ونقضه وإبرامه؛ ولهذا قال أبو العالية وقتادة والربيع بن أنس: عزيز في نقمته، حكيم في أمره. وقال محمد بن إسحاق: العزيز في نصره ممن كفر به إذا شاء، الحكيم في عذره وحجته إلى عباده"؛ ابن كثير.


ويقول الشوكاني في تفسير هذه الآية:

"لما ذكر الله سبحانه أن الناس ينقسمون إلى ثلاث طوائف: مؤمنين، وكافرين، ومنافقين، أمرهم بعد ذلك بالكون على ملة واحدة. وإنما أطلق على الثلاث الطوائف لفظ الإيمان؛ لأن أهل الكتاب يؤمنون بنبيهم وكتابهم، والمنافق مؤمن بلسانه وإن كان غير مؤمن بقلبه. والسَّلَم بفتح السين وكسرها، قال الكسائي: ومعناهما واحد، وكذا عند البصريين، وهما جميعًا يقعان للإسلام والمسالمة.


وقد حكى البصريون في سِلْم وسَلْم وسَلَم أنها بمعنًى واحد، وكافةً حال من السلم أو من ضمير المؤمنين، فمعناه على الأول: لا يخرج منكم أحد، وعلى الثاني: لا يخرج من أنواع السلم شيء؛ بل ادخلوا فيها جميعًا: أي في خصال الإسلام، وهو مشتق من قولهم كففت: أي منعت؛ أي: لا يمتنع منكم أحد من الدخول في الإسلام، والكفُّ: المنع، والمراد به هنا الجميع، ﴿ ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ﴾ [البقرة: 208]؛ أي: جميعًا.


وقوله: ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾ [البقرة: 208]؛ أي: لا تسلكوا الطريق التي يدعوكم إليه الشيطان"؛ انتهى الشوكاني.



وهل ينتظر هؤلاء المتبعون لخطوات الشيطان المائلون عن صراط الحق، إلا أن تقع بهم أهوال يوم القيامة؟ يوم ﴿ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾ [البقرة: 210]؟! اللهم أجرنا من أهوال ذلك اليوم واحشرنا مع النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقًا.



ولا شك أن الإحالة إلى بني إسرائيل بعد آية الدخول في السلم كافة لها دلالاتها.


يقول تعالى: ﴿ سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [البقرة: 211، 212].


فبعد أن أمر الله الناس أن يدخلوا في الإسلام بكل شرائعه وقوانينه، وأنذرهم يوم تقوم الساعة وهم غافلون حين يأتي الله في ظلل من الغمام والملائكة، توجه بالخطاب إلى نبيه أن يسأل بني إسرائيل عمَّا كان من أمرهم مع ربهم عندما بدَّلوا إيمانهم كفرًا.



فبالرغم من كل الآيات التي أنزلت إليهم، على عظمها وإعجازها، إلا أنها لم تُجْدِ معهم نفعًا، قلوب صماء والعياذ بالله، أبت إلا أن تُغيِّر نعمة الله التي أنعم بها عليهم - شريعة الله – بالكفر، فكان عقاب الله متربصًا بهم، وهذا حال من يفعل فعلهم.



يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: "يقول تعالى مخبرًا عن بني إسرائيل: كم قد شاهدوا مع موسى ﴿ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ﴾ [البقرة: 211]؛ أي: حجة قاطعة على صدقه فيما جاءهم به، كيده وعصاه وفلقه البحر وضربه الحجر، وما كان من تظليل الغمام عليهم في شدة الحر، ومن إنزال المَنِّ والسلوى وغير ذلك من الآيات الدالَّات على وجود الفاعل المختار، وصدق من جرت هذه الخوارق على يديه، ومع هذا أعرض كثير منهم عنها، وبدَّلوا نعمة الله كفرًا؛ أي: استبدلوا بالإيمان بها الكفر بها، والإعراض عنها، ﴿ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [البقرة: 211]؛ انتهى.



ويقول القرطبي في قوله تعالى: "﴿ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [البقرة: 211] أنه لفظ عام لجميع العامة، وإن كان المشار إليه بني إسرائيل، لكونهم بدلوا ما في كتبهم، وجحدوا أمر محمد صلى الله عليه وسلم، فالجحود منسحب على كل مبدل نعمة الله تعالى. وقال الطبري: النعمة هنا الإسلام، وهذا قريب من الأول. ويدخل في اللفظ أيضًا كفار قريش، فإن بَعْثَ محمد صلى الله عليه وسلم فيهم نعمة عليهم، فبدلوا قبولها والشكر عليها كفرًا"؛ انتهى. والله أعلم.



وسبب كل كفر، وكل حياد عن شرع الله الركون إلى الحياة الدنيا وزينتها، وتفضيل الزائل على الدائم.



﴿ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [البقرة: 212].



والذين كفروا بنعمة الله التي أنزلت عليهم يتمادون في كفرهم؛ لأنهم يرفلون بنعيم الدنيا ولا يدرون أنها "زينت لهم"، ويتمادون في سخريتهم من المؤمنين واستضعافهم والاستخفاف بهم، وما دروا أن ميزان الأرض يختلف عن ميزان السماء، فينظرون بمقياس الأرض، مقياس المادة، ويغفلون عن الآخرة، الغيب الذي كلمنا الله عز وجل عنه، بجنتها ونارها. أما المؤمنون فيؤمنون بغيب الله وما ادَّخَره لعباده في الآخرة دار الخلد، فيقيسون بمقياس السماء، وهم بهذا حازوا الدرجات العلا في الآخرة ﴿ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [البقرة: 212].



يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية:

"ثم أخبر تعالى عن تزيينه الحياة الدنيا للكافرين الذين رضوا بها واطمأنوا إليها، وجمعوا الأموال ومنعوها عن مصارفها التي أمروا بها مما يرضي الله عنهم، وسخروا من الذين آمنوا الذين أعرضوا عنها، وأنفقوا ما حصل لهم منها في طاعة ربهم، وبذلوا ابتغاء وجه الله؛ فلهذا فازوا بالمقام الأسعد والحظ الأوفر يوم معادهم، فكانوا فوق أولئك في محشرهم ومنشرهم، ومسيرهم ومأواهم، فاستقروا في الدرجات في أعلى عليين، وخلد أولئك في الدركات في أسفل السافلين؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [البقرة: 212]؛ أي: يرزق من يشاء من خلقه، ويعطيه عطاءً كثيرًا جزيلًا بلا حصر ولا تعداد في الدنيا والآخرة"؛ انتهى ابن كثير.



اللهم ارزقنا إيمانًا يدخلنا الجنة دون حساب ولا عذاب.



المعلم الثالث عشر: اجتماع البشرية على دين التوحيد من لدن آدم عليه السلام، قبل تفرقهم في أودية الضلال، وبعث الله النبيين لهم مبشرين ومنذرين:

﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [البقرة: 213].


وفي هذه الآية تذكير بأن هذه الرسالة إنما هي حلقة في مسيرة الرسالات والأنبياء الذين بعثهم الله للبشرية هداة مبشرين ومنذرين بعد أن وقع الاختلاف في بني آدم، وتوضح الآية سبب هذا الاختلاف ﴿ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ﴾ [البقرة: 213].


وقد سبق بسط المسألة في السمات المميزة لسورة البقرة، تحت عنوان: "تقعيد مسألة دين التوحيد على أنه هو الدين الذي تأسست عليه البشرية قبل الاختلاف".



المعلم الرابع عشر: أحكام وشرائع في تنظيم المجتمع المسلم:

كان المسلمون حريصين على تنظيم حياتهم وفقًا لما يحكم به شرع الله الذي جاءهم به نبي الرحمة، فكانوا يسألونه عن كل ما يعرض لهم من أمور يجدون في أنفسهم منها شيئًا، فالخمر والميسر على سبيل المثال كانا شائعين في مجتمع الجاهلية الذي أتوا منه، لكنهم كانوا بفطرتهم يعلمون أنهما أمران خبيثان، وبعد أن أشرق في قلوبهم نور الإسلام شرعوا بالتحري عن حكم قطعي لما يريبهم، كما كان من أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سؤاله عن حكم الخمر.


وقد بينا سابقًا عند وقوفنا عند آية الأهِلَّة ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ﴾ [البقرة: 189] وعن القتال في الشهر الحرام ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ﴾ [البقرة: 217]، بينا مدلولات هذا الأسلوب الحواري في القرآن الكريم، ولا بأس من إعادة إدراجه هنا:

من أقوى مدلولات هذا الأسلوب الحواري في القرآن الكريم:

1- الحس الفطري الإيماني المتيقظ لدى المؤمنين الذين يستشعرون من خلاله الأمور القلقة التي كانوا عليها في الجاهلية، ويريدون التثبت من حلها أو حرمتها، يريدون التيقُّن من ضوابط حياتهم بكل محاورها من منظور أوامرالله ونواهيه:﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ ﴾[البقرة: 215]،﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ﴾[البقرة: 219]،﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ﴾[البقرة: 217]،﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ﴾[البقرة: 222].


2- أن العلاقة بين المؤمن والتشريع ليست علاقة إلغاء للعقل في الأمور التي تتناول أمور حياته، بل هي علاقة تفاعل... طبعًا هنا لا نتكلم عن الأمور الغيبية التي لا تخضع للسؤال والجواب، ومنها الروح، على سبيل المثال، التي قال فيها تعالى:﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85].



1- الحكم الأولي في الخمر والميسر:

﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [البقرة: 219].



هذه الآية ممهدة لتحريم الخمر، ولم تكن مصرحة بل معرضة؛ ولهذا قال عمر رضي الله عنه، لما قرئت عليه: "اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا".



يقول ابن كثير في تفسيره:

"قال الإمام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، عن عمر أنه قال: لما نزل تحريم الخمر قال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت هذه الآية التي في البقرة ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ﴾، فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا، فنزلت الآية التي في النساء: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾ [النساء: 43، فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة نادى: ألا يقربن الصلاة سكران. فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت آيتا المائدة: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 91]، فدعي عمر، فقرئت عليه، فلما بلغ ﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ قال عمر: انتهينا، انتهينا"؛ ابن كثير.


2- الحكم في نفقة التطوع:

كان السؤال الأول في نفقة التطوع، في وجوهها:

﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 215].



"قال مقاتل بن حيان: هذه الآية في نفقة التطوع. وقال السدي: نسختها الزكاة"؛ ابن كثير.



"قال السدي: نزلت هذه الآية قبل فرض الزكاة ثم نسختها الزكاة المفروضة. وقال ابن جريج وغيره: "هي ندب، والزكاة غير هذا الإنفاق، فعلى هذا لا نسخ فيها، وهي مبينة لمصارف صدقة التطوع، فواجب على الرجل الغني أن ينفق على أبوَيْه المحتاجين ما يصلحهما في قدر حالهما من حاله، من طعام وكسوة وغير ذلك. قال مالك: ليس عليه أن يزوِّج أباه، وعليه أن ينفق على امرأة أبيه"؛ القرطبي.



أما السؤال الثاني فكان في مقدارها:

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [البقرة: 219].



جاء في تفسير ابن كثير: "حدثنا يحيى أنه بلغه: أن معاذ بن جبل وثعلبة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله، إن لنا أرقاء وأهلين، فما ننفق من أموالنا، فأنزل الله: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ ﴾ [البقرة: 219].



وقال الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ﴾ [البقرة: 219] قال: ما يفضل عن أهلك. وكذا روي عن ابن عمر، ومجاهد، وعطاء، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومحمد بن كعب، والحسن، وقتادة، وغير واحد: أنهم قالوا في قوله: ﴿ قُلِ الْعَفْوَ ﴾ يعني الفضل.



وقد رواه مسلم في صحيحه، وأخرج مسلم أيضًا عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: ابدأ بنفسك فتصَدَّق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل شيء عن أهلك فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا"، ثم قد قيل: إنها منسوخة بآية الزكاة، كما رواه علي بن أبي طلحة، والعوفي عن ابن عباس، وقاله عطاء الخراساني والسدي، وقيل: مبينة بآية الزكاة، قاله مجاهد وغيره، وهو أوجه"؛ ابن كثير.



ويقول القرطبي في قوله تعالى: "﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ﴾ [البقرة: 219] في أمر الدنيا والآخرة، قال المفضل بن سلمة: أي في أمر النفقة ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [البقرة: 219] في الدنيا والآخرة، فتحبسون من أموالكم ما يصلحكم في معاش الدنيا، وتنفقون الباقي فيما ينفعكم في العقبى. وقيل: في الكلام تقديم وتأخير؛ أي: كذلك يبين الله لكم الآيات في أمر الدنيا والآخرة لعلكم تتفكرون في الدنيا وزوالها وفنائها فتزهدون فيها، وفي إقبال الآخرة وبقائها فترغبون فيها"؛ انتهى القرطبي.



3- في اليتامى: حكم مخالطة أموال اليتيم:

ثم يأتي السؤال عن اليتامى مباشرة بعد السؤال عن الخمر والميسر والإنفاق، والسياق متصل من حيث الموضوع؛ لأنه اقترن بذكر الأموال، والأمر هنا بحفظ أموال اليتامى. وقيل: إن السائل عبدالله بن رواحة. وقيل: كانت العرب تتشاءم بملابسة أموال اليتامى في مؤاكلتهم، فنزلت هذه الآية.



﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة:219- 220].



قال ابن عباس قال: لما نزلت في سورة الإسراء: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [الأنعام: 152]، وفي سورة النساء: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: 10]، انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه، وشرابه من شرابه، فجعل يفضل له الشيء من طعامه فيحبس له حتى يأكله أو يفسد، فاشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ﴾ [البقرة: 220]، فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم"؛ ابن كثير.



4- حكم نكاح المشركين والمشركات:

﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [البقرة: 221].



• يقول ابن كثير: "هذا تحريم من الله عز وجل على المؤمنين أن يتزوجوا المشركات من عبدة الأوثان، ثم إن كان عمومها مرادًا، وأنه يدخل فيها كل مشركة من كتابية ووثنية، فقد خص من ذلك نساء أهل الكتاب بقوله: ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ﴾ [المائدة: 5].



• "واختلف العلماء في تأويل هذه الآية، فقالت طائفة: حرم الله نكاح المشركات في سورة "البقرة" ثم نسخ من هذه الجملة نساء أهل الكتاب، فأحلهن في سورة "المائدة"، وروي هذا القول عن ابن عباس، وبه قال مالك بن أنس وسفيان بن سعيد الثوري، وعبدالرحمن بن عمرو الأوزاعي. وقال قتادة وسعيد بن جبير: لفظ الآية العموم في كل كافرة، والمراد بها الخصوص في الكتابيات، وبينت الخصوص آية "المائدة" ولم يتناول العموم قط الكتابيات. وهذا أحد قولي الشافعي، وعلى القول الأول يتناولهن العموم، ثم نسخت آية "المائدة" بعض العموم، وهذا مذهب مالك رحمه الله، ذكره ابن حبيب، وقال: ونكاح اليهودية والنصرانية وإن كان قد أحَلَّه الله تعالى مستثقل مذموم. وقال إسحاق بن إبراهيم الحربي: ذهب قوم فجعلوا الآية التي في "البقرة" هي الناسخة، والتي في "المائدة" هي المنسوخة، فحرموا نكاح كل مشركة كتابية أو غير كتابية، قال النحاس: ومن الحجة لقائل هذا مما صح سنده ما حدثناه محمد بن ريان، قال: حدثنا محمد بن رمح، قال: حدثنا الليث عن نافع أن عبدالله بن عمر كان إذا سئل عن نكاح الرجل النصرانية أو اليهودية قال: حرم الله المشركات على المؤمنين، ولا أعرف شيئًا من الإشراك أعظم من أن تقول المرأة ربها عيسى، أو عبد من عباد الله!"؛ تفسير القرطبي.



• "وقال بعض العلماء: وأما الآيتان فلا تعارض بينهما، فإن ظاهر لفظ الشرك لا يتناول أهل الكتاب؛ لقوله تعالى: ﴿ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [البقرة: 105]، وقال: ﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ ﴾ [البينة: 1]، ففرق بينهم في اللفظ، وظاهر العطف يقتضي مغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه، وأيضًا فاسم الشرك عموم وليس بنص، وقوله تعالى: ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾ [المائدة: 5] بعد قوله: ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ ﴾ [المائدة: 5] نص، فلا تعارض بين المحتمل وبين ما لا يحتمل"؛ القرطبي.

هذا والله أعلم.



إلا أن الناظر في أحوال الماضي والحاضر، يجد أن الزواج ممن يصنفون كتابيات كانت نتائجه غير محمودة، بل يمكن تصنيفها بأنها مدمرة، سواء على مستوى الحكم في عصور الإسلام، أو على مستوى المجتمع، أو على مستوى الأسرة في عصرنا الحالي، وليست قصص تفكُّك الأسرة وتشرُّد الأولاد وانقسامهم في الديانة بين الأم والأب بقليلة.

والله المستعان.



5- أحكام المحيض:

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222].



قال الإمام أحمد: حدثنا عبدالرحمن بن مهدي، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس: أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحاب النبيِّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ ﴾ [البقرة: 222] حتى فرغ من الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح"، فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئًا إلا خالفنا فيه! فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا: يا رسول الله، إن اليهود قالت كذا وكذا، أفلا نجامعهن؟ فتغيَّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما، فخرجا، فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل في آثارهما، فسقاهما، فعرفا أن لم يجد عليهما؛ رواه مسلم من حديث حماد بن سلمة.



قالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني فأغسل رأسه وأنا حائض، وكان يتكئ في حجري وأنا حائض، فيقرأ القرآن. وفي الصحيح عنها قالت: كنت أتعرَّق العَرق وأنا حائض، فأعطيه النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فمه في الموضع الذي وضعت فمي فيه، وأشرب الشراب فأناوله، فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشرب.
وقال أبو داود: حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن جابر بن صبح، سمعت خلاسًا الهجري قال: سمعت عائشة تقول: كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد، وإني حائض طامث، فإن أصابه مني شيء، غسل مكانه لم يَعْدُه، وإن أصاب- يعني ثوبه- شيء غسل مكانه لم يَعْدُه، وصلى فيه"؛ ابن كثير.



ثم تأتي آيات الأيمان بين آيات المحيض وآيات الطلاق والعلاقة بينهما جلية،﴿ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [البقرة:224- 225].



• ﴿ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ ﴾ قال العلماء: لما أمر الله تعالى بالإنفاق وصحبة الأيتام والنساء بجميل المعاشرة، قال: لا تمتنعوا عن شيء من المكارم تعلُّلًا بأنا حلفنا ألا نفعل كذا، قال معناه ابن عباس والنخعي ومجاهد والربيع وغيرهم. قال سعيد بن جبير: "هو الرجل يحلف ألا يبرَّ ولا يصل ولا يصلح بين الناس، فيقال له: بر، فيقول: قد حلفت، والمعنى: لا تجعلوا اليمين بالله قوة لأنفسكم، وعدة في الامتناع من البر.



• ﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ ﴾ اختلف العلماء في اليمين التي هي لغو، فقال ابن عباس: "هو قول الرجل في درج كلامه واستعجاله في المحاورة: لا والله، وبلى والله، دون قصد لليمين"، قال المروزي: لغو اليمين التي اتفق العلماء على أنها لغو هو قول الرجل: لا والله، وبلى والله، في حديثه وكلامه غير معتقد لليمين ولا مريدها، وروى ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أن عروة حدثه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "أيمان اللغو ما كانت في المراء والهَزْل والمزاحة والحديث الذي لا ينعقد عليه القلب"، وفي البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: نزل قوله تعالى: ﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ ﴾ في قول الرجل: لا والله، وبلى والله". وقيل: اللغو ما يحلف به على الظن، فيكون بخلافه، قاله مالك، حكاه ابن القاسم عنه، وقال به جماعة من السلف. قال أبو هريرة: "إذا حلف الرجل على الشيء لا يظن إلا أنه إياه، فإذا ليس هو، فهو اللغو، وليس فيه كفارة"، ونحوه عن ابن عباس. وحكى ابن عبدالبر قولًا: إن اللغو أيمان المكره. قال ابن العربي: أما اليمين"؛ القرطبي.



• ﴿ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: هو أن يحلف على الشيء وهو يعلم أنه كاذب. قال مجاهد وغيره: وهي كقوله: ﴿ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ ﴾ [المائدة: 89].

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



,rthj ,]v,s lk s,vm hgfrvm (11)





رد مع اقتباس
قديم منذ أسبوع واحد   #2



 
 عضويتي » 665
 جيت فيذا » Jul 2019
 آخر حضور » منذ 5 ساعات (05:56 PM)
آبدآعاتي » 490
 حاليآ في » 7up
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه
جنسي  »
 التقييم » أميرة الياسمين is on a distinguished road
 آوسِمتي »
 

أميرة الياسمين متواجد حالياً

افتراضي



جزاك الله خيرا
وجعلة فى ميزان حسناتك




رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
(11), من, البقرة, سورة, ودروس, وقفات

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:18 PM



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.
vEhdaa 1.1 by NLP ©2009