«الرفق زينة المعاملات».. بهذه الجملة يوضح علماء الدين مكانة خلق الرفق في أنواع التعامل، سواء الإنسان مع نفسه أو مع غيره، مؤكدين أنه من أعظم الأخلاق التي أوصى بها الرسول، صلى الله عليه وسلم، إذ يحث على الصبر والحِلم وملاطفة الناس، ويوجد الألفة والتيسير والتوفيق في الأمور، مطالبين بتكثيف حملات التوعية لاستعادته ضمن منظومة القيم والأخلاق.
الدكتور عبد الفتاح العواري، العميد الأسبق لكلية أصول الدين بالقاهرة، يحذر من أن غياب صفة الرفق بين الناس فى التعامل، يؤدى إلى التشاحن، ويضيع الحقوق، وينافي سنة الرسول، صلى الله عليه وسلم، فالرفق خُلق رفيع فاضل اعتنى به الإسلام، وحثت عليه شريعته، وكان النبي، صلى الله عليه وسلم رفيقا رحيما رءوفا بأمته، وكانت كل سبله بالرفق، وإذا خُير بين أمرين اختار أيسرهما، ما لم يكن إثما، وقد وصفه الله، عز وجل، بالرحمة، فقال: «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ».
وصايا نبوية
وينقل د. العواري عن السيدة عائشة، رضي الله عنها، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه» [رواه مسلم] ، وكان، صلى الله عليه وسلم، سمحا فى تعامله مع أهله وأصحابه، وفى بيعه وشرائه وقضائه، وحتى مع أعدائه، كما كان رفيقا مع الحيوان، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى غفر لامرأة بغي رأت كلبا يلهث من شدة العطش فسقته فشكر لها صنيعها، وغفر لها، كما أخبر أن امرأة أخرى دخلت النار فى هرة حبستها لا هى أطعمتها ولا هى تركتها تأكل من خشاش الأرض.
ويضيف د. العواري: ما أحوج الأمة إلى أن تقتدى بأخلاق نبيها، وتترسم خطاه فى رفقه مع أهله والأطفال والسائلين، وفى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وفى مختلف المعاملات بين الناس والنصح والتعليم وسائر الأمور الحياتية، حتى نبتعد عن الشدة والفظاظة والغلظة، التى لم تكن من أخلاق نبينا، صلى الله عليه وسلم، ولا هديه، فعن أنس، رضي الله عنه، قال: «خدمتُ رسولَ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، عشرَ سنينَ، فما قال لي أُفٍّ قطُّ، وما قال لي لشيٍء صنعتُه: لِمَ صنعتَه، ولا لشيٍء تركتُه: لِمَ تركتَه»، بل كان مما أوصى به، صلى الله عليه وسلم، أتباعه في غزواتهم: «اغزُوا بِسمِ اللهِ، وفي سبيلِ اللهِ، لا تغُلُّوا، ولا تغدِروا، ولا تُمثِّلوا، ولا تقتُلوا وليدًا ولا امرأةً ولا شيخًا»، ترفقا حتى فى الحروب. ويطالب الدكتور محمد نجيب عوضين، أستاذ الشريعة بكلية الحقوق جامعة القاهرة، بنشر وإحياء منظومة القيم والأخلاق الحميدة فى المجتمع، بصفة عامة، وخلق الرفق بصفة خاصة، من خلال حملات التوعية عبر البرامج فى وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعى والمناهج الدراسية والندوات ودور العبادة، فالرفق يزين أمور الإنسان إذا التزم به، كما أن الصدور و النفوس تُوغر إذا لم يلتزم به، فعلينا إدخال الرفق في جميع أمور الحياة، سواء فى العبادات أو الحوار والجدل ونحو ذلك.
ويتابع أنه يجب أيضا أن يكون فى سلوك الإنسان مع نفسه أو غيره والنبات وحتي الجماد، مبينا أن الإسلام نصح بالرفق في جوانب عدة، من بينها الرفق المتبادل بين الآباء والأبناء، وبين الصغير والكبير، وفى المطالبة بالحقوق، ورد الديون، فيقول النبي، صلى الله عليه وسلم: «رحم الله رجلا سمحا إذا باع و إذا اشتري وإذا اقتضي»، وكذلك لا يبخس حق الناس فى أشيائهم حتى لا يؤدى الى الشجار وفتنة الغش والاستغلال، وكذلك معاملة الناس للسلع يجب أن تكون بترو بحيث لا يعبث بها أو يؤدى إلى فسادها.
إتيان الرخص
ويوضح د. عوضين أن الرفق فى العبادات يكون من خلال إتيان الرُخص فيها، فالإنسان المُبتلى فى جسده أو الضعيف، ترفق الشرع به ورخص له بالجلوس فى وضع مريح حتى لا ينفر من الصلاة، والمرأة فى كثير من ظروفها لها أحكام خاصة فى الصيام، والذى يعمل فى مكان شديد الحرارة ولا يستطيع الصيام له رخصة فى الإفطار والتعويض فى وقت يستطيع فيه الصيام، وهذا كله رفق من المولى بالعباد، وكذلك نرى الرفق فى تعليم العبادة للصغير حتى يحبها.
ويشير إلى أنه من أحب أنواع الرفق، نصح العاصى بالرجوع عن معصيته، فيكون التوجيه بطريقة يضمن فيها الاستجابة وعدم الزجر، وأيضا الرفق عند الدعوة بأمر أو تكليف، وهو ما أمر الله به نبيه، صلى الله عليه وسلم، فقال له: «وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»، كما أن الطريق له حقوق، ويجب الرفق به، كإماطة الأذى عنه، وعدم إلقاء القمامة وأذى المارة أو التسكع فيه، ومن الرفق كذلك ألا نحمل الدواب أكثر مما تستطيع، كما يحتاج النبات إلى رعاية وسقى وتنظيف، وحتى السائل فى الطريق لا ينهره أحد، إذ قال تعالى: «وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ».
/ghg hgHoghr>> hgvAtrE>> .AdkmE hgluhlghj