1- أهمية وفضائل المحافظة على نوافل العبادات. 2- أنواع نوافل العبادات للمحافظة عليها. مقدمة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
أيها الأخوة، فإن من يسر الإسلام وسماحته أن فتح باب التطوع والتنفل في العبادات والطاعات؛ رحمةً من الله سبحانه وتعالى بعباده الذين هم في أمسِّ الحاجة لكل ما يقربهم منه جل جلاله، ويرفع درجاتهم.
فقد افترض الله تعالى فرائض لا يسع العبد أن يفرط فيها، أو أن يتأخر عنها، وكذلك قد شرع بعض النوافل التي جاء الحث عليها؛ لعظيم فضلها، وجزيل ثوابها.
وهذا من عظمة وواقعية الإسلام؛ حيث إنه أمر على سبيل الوجوب بالحد الأدنى الذي لا بد منه، وهو مقدار الفرض من كل عبادة، ثم شجَّع على النوافل، وترك الباب مفتوحًا للاستزادة منها من غير أن يضع حدًّا، أو يقدر مقدارًا؛ فالباب مفتوح للتنافس، والأجواء طليقة للتحليق والترقي، فأين المجتهدون الطامحون؟!
والنافلة في اللغة: مطلق الزيادة، وأما في الشرع: فكل ما زاد على الفرض فهو نافلة، ويسمى تطوعًا وسنةً ومندوبًا؛ سواء كان ذلك في الصلاة، أو الزكاة، أو الصوم، أو الحج، قال تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: 79].
ولهذا فإن على المسلم أن يطمع فيما عند الله تعالى، وأن يتقرب إليه جل جلاله بالحرص على أداء النوافل التي وردت وصحت وثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يحافظ على ما يتسع له الوقت ويقوم به الجهد منها.
أيها الأخوة، إن للنوافل فضائل متعددةً، كل واحدة منها كفيلة بأن تبعث في نفس المسلم الصادق من الهِمَّة والنشاط والرغبة، ما يدعوه لأن يحافظ عليها ويواظب على فعلها:
1- أولها وهو أعظمها: أنها سبب لنيل محبة الله تعالى؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قال من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورِجْله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه)) ما أعظمه من فضل! الرحمن الرحيم يتحبب إلى عباده وهو غني عنهم، ويدلهم بفضله على ما يرفع قدرهم، فهل تخيلت يا عبدالله جمال الفضل وكمال الشرف وعلو المنزلة؟! بل هل تصورت كم ستكون حياتك هانئةً وسعادتك بالغةً، حين تحرص على النوافل وتؤديها مخلصًا لربك، فيحبك الذي خلقك وبيده كل أمرك! ماذا تتوقع إذا أحبَّك ربُّك؟! أتراه يصيبك منه حينئذٍ إلا كل خير؟! إنه تعالى ليحسن إلى كل عباده حتى المعرضين منهم، فكيف بمن يحبهم؟! إن أولئك الذين يحبهم الله لمحافظتهم على النوافل موفقون في سائر جوارحهم، فلا يسمعون إلا خيرًا، ولا ينظرون إلا إلى ما يسُرُّ، ولا يتناولون إلا ما ينفع.
2- ومن فضائل النوافل: أنها سور منيع، وسياج يحمي الفرائض من تسرب الضعف إليها؛ فمن حافظ على النوافل كان على الفرائض أكثر محافظة، ومن تهاون بها كانت الخطوة التالية إذا تمكَّن الكسل من المرء أن يفرط في الفرائض، والعياذ بالله. فالشيطان يُشجِّع المرء أولًا على ترك النافلة، محتجًّا بأنها ليست مفروضة، فإذا نجح في ذلك خطا خطوةً أخرى مع العبد الذي انخدع به وخضع لإيحاءاته. قال ابن حجر رحمه الله: (ملازمة الاقتصار على الفرائض وترك التنفل يفضي إلى إيثار البطالة، وعدم النشاط إلى العبادة).
3- ومن فضائل النوافل: أنها جوابر يجبر بها يوم القيامة ما قد يكون في الفرائض من نقص أو خلل غير مبطل. أرأيت الإنسان إذا كُسِر عضو من أعضائه كيف توضع له الجبيرة ليعود العضو كما كان؟! وكذلك النوافل تعوض النقص وتصلح الخلل في الفريضة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنَّ أول ما يُحاسَب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء، قال الرب عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوُّع؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك))؛ [رواه أبو داود، والترمذي، وصححه الألباني] وفي رواية: ((إن أول ما يُحاسَب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن كان أكملها كتبت له كاملةً، وإن لم يكن أكملها قال للملائكة: انظروا هل تجدون لعبدي من تطوُّع؟ فأكملوا بها ما ضيع من فريضته، ثم الزكاة، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك))؛ [رواه أحمد، وصحَّحه الألباني].
4- ومن فضائل النوافل: أنها دليل العبودية الحقة لله تعالى؛ لأن أي فعل لا بُدَّ له من دافع يدفع إليه. ومن المعلوم أن الإنسان يميل بطبعه إلى الراحة، فما الذي يجعل جنبه يتجافى عن مضجعه؟ وما الذي يبعثه من فراشه ليقف في ليل الشتاء البارد متذللًا خاشعًا بين يدي مولاه؟ إنه الشوق إلى مرضاة الله تعالى، والراحة التي يجدها في الركون إليه؛ فالنوافل دليلٌ واضحٌ، وبرهان ساطع على أن العبد يتذوَّق حلاوة العبادات ولا يستثقلها، ويدرك أثرها في حياته الدنيا والأخرى.
5- ومن فضائل النوافل:أنها باب واسع ومفتوح للربح والحصول على الأجر والثواب من غير حدود وقيود. ومن العجيب أن بعض الناس لا يشبعون من الربح الدنيوي، ولكنهم ربما زهدوا في الربح الأخروي، غير أن العاقل يعمل لآخرته كأنه يموت غدًا، ويتزوَّد لسفر طويل لا بُدَّ منه، والنوافل من خير الزاد وأفضل العتاد، وفي الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ركعتا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها))، قال أهل العلم: هما الركعتان قبل الفريضة. وقال صلى الله عليه وسلم: ((من صام رمضان ثم أتْبَعَهُ سِتًّا من شوال فكأنما صام الدهر كله))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من تصدَّق بعدْلِ تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يتقبَّلُها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها، كما يُرَبِّي أحدُكم فَلُوَّهُ، حتى تكون مثل الجبل))؛ [رواه البخاري]، وقال تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 261].
6- ومن فضائل النوافل:أنها وسيلة للصلة الدائمة بالله عز وجل، والعيش ساعة فساعة في طاعته وفي كنفه، قال تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: 14]، وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تعالى يقول: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، ومن تقرَّب إليَّ شبرًا تقرَّبتُ إليه ذراعًا، ومن تقرَّب مني ذراعًا تقرَّبتُ منه باعًا، ومن أتاني مشيًا أتيتُه هَرْولةً)).
7- ومن فضائل النوافل:أنها تنجي العبد من النار برحمة الله تعالى، وتحط عنه الخطايا، وترفع درجاته في الجنة؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حَرَّمَه الله على النار))؛ [رواه أحمد، والترمذي، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((عليك بكثرة السجود لله؛ فإنك لا تسجد لله سجدةً إلا رفعك الله بها درجةً وحَطَّ عنك بها خطيئةً))؛ [رواه مسلم].
8- ومن فضائل النوافل: أنها توصل صاحبها إلى الجنة؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال: ((يا بلال، حَدِّثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دَفَّ نعليك بين يدي في الجنة)) قال: ما عملت عملًا أرجى عندي من أني لم أتطهَّر طهورًا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي.
الخطبة الثانية:
(أنواع نوافل العبادات)
أولًا: النوافل في الصلاة:
1- فمن آكد التطوُّعات والنوافل في الصلوات: السنن الرواتب؛ ففي صحيح مسلم عن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من صلى اثنتي عشرة ركعةً تطوعًا في يوم وليلة بني له بهن بيت في الجنة))، وفي رواية للترمذي: ((أربعًا قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الفجر)).
2- ومنها: أربع قبل الظهر وأربع بعدها؛ ففي السنن عن أم حبيبة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من صلَّى أربعًا قبل الظهر وأربعًا بعدها لم تمسَّه النار))، وفي رواية: ((من حافظ على أربع قبل الظهر وأربع بعدها حَرَّمه الله على النار)).
3- ومنها أيضًا: أربع قبل العصر؛ ففي السنن عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعًا)).
4- ومنها أيضًا: ركعتان قبل المغرب؛ ففي صحيح البخاري عن عبدالله بن مغفل المزني رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب))، ثم قال في الثالثة: ((لمن شاء)) كراهية أن يتخذها الناس سنةً. وفي رواية: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين))، وفي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: ((كنا نصلي ركعتين بعد غروب الشمس، فكان صلى الله عليه وسلم يرانا، فلم يأمرنا ولم ينهانا)).
5- ومنها: قيام الليل؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل))، وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلَّى ركعةً واحدةً توتر له ما قد صلى)).
6- ومن أنواع النوافل: صلاة الضحى؛ وهي صلاة تشرع وقت الضحى، ووقتها من طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح إلى قبيل زوال الشمس بنحو ربع أو ثلث ساعة، وأفضل وقتها حين يبدأ اشتداد الحر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((صلاة الأوَّابين حين ترمض الفصال)) [ترمض: أي تحترق أخفاف صغار الإبل من شدة حر الرمل] وورد في فضلها كما في الحديث القدسي: ((يا بن آدم، صلِّ لي أربع ركعات في أول النهار أكفِك آخره))، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: ((أوصاني خليلي بثلاث، وذكر منها ركعتي الضحى)).
7- ومن السنن التي يترتب عليها الأجر العظيم: ركعتا الوضوء؛ ففي الصحيحين عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من توضَّأ نحو وضوئي هذا ثم قام فركع ركعتين لا يُحدِّث فيهما نفسه غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه))، وفي صحيح مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من أحدٍ يتوضَّأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة))، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال عند صلاة الفجر: ((يا بلال، حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دَفَّ نعليك بين يدي في الجنة)) قال: (ما عملت عملًا أرجى عندي من أني لم أتطهَّر طهورًا في ساعة ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي).
8- ومنها: ركعتا تحية المسجد؛ وهما ركعتان تشرعان لمن دخل المسجد قبل أن يجلس؛ ففي الصحيحين عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) ويجزئ عنهما السُّنَّة الراتبة أو الفريضة، فمن دخل لصلاة الظهر -مثلًا- فصلَّى سُنَّة الظهر أجزأت عنه، وليس عليه صلاة لتحية المسجد.
ثانيًا: النوافل في الصدقات:
فمن أعظم الأعمال المستحبة إلى الله تعالى صدقة يجود بها المسلم الغني على أخيه المسلم الفقير المحتاج، فقد قال الله تعالى حاثًّا على الصدقة ومبينًا أجرها المضاعف: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: 245]، ومن ثمرات نوافل الصدقات في المجتمع: قضاء حوائج الناس وإغاثة الملهوفين، فالزكاة المفروضة إذا لم تكفِ لسد حاجات المجتمع جاءت الصدقات لتكمل دور الزكاة في تحقيق التكافل الاجتماعي، وذلك من خلال تقديم المساعدات للمحتاجين عند حدوث الأزمات والكوارث.
ومن النوافل في الصدقات:
فمنها: الصدقات الجارية؛ وهي الصدقات المستمرة والباقية؛ أي: التي تبقى مدة طويلة ويستمر أجرها حتى بعد موت صاحبها، والقاعدة في الصدقات الجارية: [كل عمل صالح يستمر للإنسان بعد موته] ففي الحديث الصحيح: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)).
ومنها: الكلمة الطيبة: فهي من أنواع الصدقات؛ حيث حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، فقال: ((والكلمة الطيبة صَدَقة)) والكلمة الطيبة تتمثل في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر والنصيحة.
• ومنها: إعانة المسلم لأخيه المسلم؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((والله في عون العبد، ما دام العبدُ في عَوْنِ أخيه)).
• ومنها: الخطوات إلى الصلاة؛ كما في الحديث الصحيح: ((وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صَدَقة)).
• ومنها: سُقْيا الماء، وإفراغ الماء في المستسقى؛ كما في الحديث الصحيح: ((وإفراغك من دَلْوِك في دَلْوِ أخيك لك صَدَقة)).
• ومنها: إماطة الأذى عن الطريق؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إماطة الأذى عن الطريق صَدَقة)) وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، مُرْني بعمل أعمله؟ قال: ((أمِطِ الأذى عن الطريق؛ فهو لك صَدَقة))؛ [رواه أحمد]، وفي رواية: ((وإماطتك الحَجَر والشوكة والعظم عن الطريق لك صَدَقة)).
• ومنها: النفقة على الأهل وعلى النفس من كسب طيب؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدَّقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك))، وعن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما كسب الرجل كسبًا أطيب من عمل يده، وما أنفق الرجل على نفسه وأهله وولده وخادمه، فهو صَدَقة))؛ [رواه أحمد، وابن ماجه].
• ومنها: القرض الحَسَن، وتفريج هموم المسلمين وقضاء ديونهم؛ فعن بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من أنظر مُعْسِرًا فله بكل يوم مثله صَدَقة))، قال: ثم سمعته يقول: ((من أنظر مُعْسِرًا فله بكل يوم مثليه صَدَقة))، قلت: سمعتك يا رسول الله تقول: من أنظر مُعْسِرًا فله بكل يوم مثله صَدَقة، ثم سمعتك تقول: من أنظر مُعْسِرًا فله بكل يوم مثليه صَدَقة؟ قال: ((له بكل يوم صَدَقة قبل أن يحل الدَّيْن، فإذا حلَّ الدَّيْن فأنظره فله بكل يوم مثليه صَدَقة))؛ [رواه أحمد، وصححه الألباني]، وعن ابن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من مسلم يقرض مسلمًا قرضًا مرتين إلا كان كصدقتها مرة))؛ [رواه ابن ماجه، وصححه الألباني].
• ومنها: التهليل، والتكبير، والتحميد، والتسبيح؛ كما في الحديث الصحيح: ((أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحةٍ صدقةً، وكل تكبيرة صدقةً، وكل تحميدة صدقةً، وكل تهليلة صدقةً، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة... )) الحديث؛ [رواه مسلم].
• ومنها: الابتسامة في وجهه أخيك المسلم؛ ففي الحديث الصحيح: ((تبسُّمُك في وجه أخيك لك صَدَقة))، وفي صحيح مسلم عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه، قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طَلْق)).
• ومنها: مساعدة الأعمى، والأصم، والأبكم، والمشلول، وإغاثة الملهوف؛ كما في الحديث الصحيح: ((وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صَدَقة، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صَدَقة))؛ [رواه الترمذي، وابن حبان، وصححه الألباني].
• ومنها: تجنُّب كل أشكال الشرور والأذى والخطايا والآثام؛ ففي الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((على كل مسلم صَدَقة))، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: ((فيعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدَّق))، قالوا: فإن لم يستطع أو لم يفعل؟ قال: ((فيعين ذا الحاجة الملهوف))، قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: ((فيأمر بالخير أو بالمعروف))، قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: ((فيمسك عن الشر؛ فإنه له صَدَقة))، وفي رواية في الصحيحين أيضًا: ((تكف شرك عن الناس؛ فإنها صَدَقة منك على نفسك)).
• ومنها: الزروع والثمار التي يأكل منها الإنسان والطير والحيوان؛ ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يغرس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه إنسان، أو طير، أو بهيمة، إلا كانت له صَدَقة))، وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يغرس غرسًا إلا كان ما أكل منه له صَدَقة، وما سرق منه له صَدَقة، وما أكل السبع منه فهو له صَدَقة، وما أكلت الطير فهو له صَدَقة، ولا يرزؤه أحد (أي ينقصه ويأخذ منه) إلا كان له صَدَقة))، قال النووي رحمه الله: "في هذه الأحاديث فضيلة الغرس، وفضيلة الزرع، وأن أجر فاعلي ذلك مستمر ما دام الغراس والزرع، وما تولد منه إلى يوم القيامة".
• ومنها: التصدُّق على المصلي منفردًا لكي تكون جماعة؛ فعن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه، أن رجلًا دخل المسجد، وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يتصدَّق على هذا فيصلي معه؟)) "فقام رجل من القوم فصلَّى معه"؛ [رواه أحمد، وأبو داود، وابن حبان، وصححه الألباني].
• ومنها: أن يأتي شهوته بالحلال؛ ففي الحديث الصحيح: ((وفي بُضْع أحدكم صَدَقة))، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: ((أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر))؛ [رواه مسلم].
• ومنها: الصدقة بالنية إذا كان مُعْسِرًا؛ ففي الحديث الصحيح: ((وعبد رزقه الله علمًا ولم يرزقه مالًا فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالًا لعملت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء)).
ثالثًا: النوافل في الصيام:
• صيام يوم عرفة؛ ففي صحيح مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن صوم يوم عرفة فقال: ((يُكفِّر السنة الماضية والباقية)).
• صيام يوم عاشوراء؛ وهو اليوم العاشر من شهر الله المُحرَّم؛ ففي صحيح مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((صيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يُكفِّر السنة التي قبله))، ويستحب مع صيام عاشوراء صوم يوم قبله، وهو اليوم التاسع من شهر الله المحرم؛ كما في صحيح مسلم عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لئن بقيت إلى قابل لأصومنَّ التاسع)).
• صيام ستة أيام من شوال؛ ففي صحيح مسلم عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من صام رمضان، ثم أتبعه سِتًّا من شوال كان كصيام الدهر)).
• صيام الأيام البيض من كل شهر؛ عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه، قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة)؛ [رواه النسائي، والترمذي، وصححه ابن حبان]. ويجوز أن تكون ثلاثة أيام من الشهر؛ لما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((أوصاني خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام))، وفي صحيح مسلم عن معاذة العدوية أنها سألت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: ((أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؟ قالت: نعم، فقلت لها: من أي أيام الشهر كان يصوم؟ قالت: لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم)).
• الصيام من شهر شعبان؛ ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صيامًا في شعبان)).
• الصيام في العشر من ذي الحجة؛ ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام (يعني: أيام العشر من ذي الحجة)، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء)) وعن هنيدة بن خالد عن امرأته، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر))؛ [رواه أحمد، وأبو داود، وصححه الألباني].
• صيام شهر الله المُحرَّم؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ وأي الصيام أفضل بعد شهر رمضان؟ فقال: ((أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة، الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان، صيام شهر الله المُحرَّم)).
• صيام يومَي الاثنين والخميس؛ فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الاثنين والخميس، فسئل عن ذلك، فقال: ((إن أعمال العباد تُعرَض يوم الاثنين والخميس، وأُحِبُّ أن يعرض عملي وأنا صائم))؛ [رواه أبو داود، وأحمد، والنسائي، وصححه الألباني] وفي صحيح مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الاثنين، فقال: ((فيه ولدْتُ، وفيه أُنْزِل عليَّ)).
• صيام يوم وإفطار يوم؛ ففي الصحيحين عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ أحَبَّ الصيام إلى الله، صيام داود عليه السلام، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، وكان يصوم يومًا، ويفطر يومًا)).
فبادر- أخي الحبيب - إلى الخيرات، وسارع إلى الباقيات الصالحات؛ لكي تنال الخيرات والبركات، وترفع لك الدرجات، فتسعد في الدنيا والآخرة.
فطوبى لمن بادر عمره القصير، فعمر به دار المصير، وتهيأ لحساب الناقد البصير قبل فوات القدرة وإعراض النصير. نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لفعل الخيرات وترك المنكرات.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.