الحكمة من تشريع الدعاء
تكمُن الحكمة من تشريع الله -سبحانه- للدعاء في أمورٌ جليلة، من أهمّها أنّ الدّعاء عبادة تُحقّق للعبد القُرب من الله -تعالى- ودوام صلته -سبحانه-، وبه يُظهر العبد ضعفه بين يديّ مولاه -عزّ وجلّ- فيتبتّل إليه، ويتضرّع بين يديه، ويتذلّل في طلب سؤله وحاجته، فيعطيه الله ما سأل، ويجيبه فيما طلب كما وعد الله -سبحانه- عباده المتّقين،[١] ولمّا كان الدّعاء في حقيقته استدعاءٌ لمطلوب؛ فقد تعدّدت صوره وأشكاله تِبعاً لتلك الغاية؛ فالدّعاء بالتوجُّه إلى الله بسؤاله الحاجات من أهم أشكاله، وقيام العبد بالأسباب التي تقتضي حصول مطلوبه وتحقّق مأموله مثل: الاشتغال بطاعة الله وذكره، وما يجب على العبد فعله من العبادات هي -أيضاً- شكل من أشكال الدّعاء،[٢] ويُقصَد بالدعاء لغةً: إمالة الشيء بالصوت أو الكلام، والرغبة فيه، أمّا في الاصطلاح فهو: إظهار التذلُّل والحاجة لله -تعالى-، والرجوع إليه، كما عرّفه الطيبيّ، وعرّفه المناويّ بأنّه: افتقار العبد إلى الله -سبحانه- بإظهار حال الاضطرار، وعُرِّف الدعاء أيضاً بأنّه: طلب كشف الغُمّة، وتحقيق الحاجة من الله.[٣]
آداب الدعاء
يُستحسَن للمسلم التحلّي بعددٍ من الآداب حين التوجّه إلى الله، وطلب الحاجات منه، يُذكر منها:[٤]
الثناء على الله -تعالى-، والصلاة على النبيّ قبل طلب الحاجة.
استشعار عظمة الله -سبحانه-، مع الرغبة والرهبة منه.
إظهار التذلُّل والحاجة والفقر لله -سبحانه-، والبكاء أثناء الدعاء.
دعاء الله بأسمائه الحُسنى، وصفاته العُليا.
الدعاء بأحسن الكلام، وجوامعه، مع الحرص على خَفْض الصوت.
التوجُّه إلى الله -تعالى- في جميع الأحوال، وعدم الاقتصار على الدعاء في الشدّة أو الحاجة.
التوجّه إلى الله بالدعاء في الأوقات الفاضلة المباركة.
الاعتراف بالذنوب والخطايا.
التوبة إلى الله -تعالى- من الذنوب والمعاصي؛ بالاعتراف بالذنوب، والندم على ارتكابها، والعَزم على عدم العودة إليها؛ فالتوبة سببٌ من أسباب زيادة الخيرات، وتحقيق البركة في كلّ شيءٍ، وإجابة الدعاء.[٥]
الحرص على الوضوء قبل الدعاء، والتوجُّه إلى القِبلة، ورَفْع اليدين عند الدعاء.
التوسل إلى الله -تعالى- بأنواع التوسُّل المشروعة، كالتوسُّل إليه بالأعمال الصالحة.
الحرص على تقديم الأعمال الصالحة بإخلاص النيّة لله -سبحانه-، مثل: التصدُّق، والصيام، وغيرهما؛ لتكون العبادة وسيلةً للإجابة.
تجنُّب الدعاء على الأهل، أو النفس، أو المال.
الدّعاء للوالدين والأهل والأخوة، وسائر المسلمين.
تكرار الدعاء وطلب الحاجة بإلحاح، ودون استعجال للإجابة، والسؤال ثلاث مرّات.
موانع الدعاء
معلومٌ أنّ الدعاء سببٌ من أسباب تحقيق مُراد العبد، ودَفع المكروه عنه، إلّا أنّ إجابة الدّعاء قد لا تتحقّق لأسباب كثيرة، منها: ضعف التّذلل والخضوع وعدم حضور القلب أثناء الدّعاء، أو الدّعاء بما لا يصحّ والتّعدّي فيه، أو بسبب كثرة المُحرَّمات وارتكاب المعاصي التي تَحول بين الدعاء والإجابة، وكثرة الغفلة عن أوامر الله والتّساهل في أدائها من موانع الإجابة، وقد يستعجل المرء في طلب الإجابة؛ فيترك الدّعاء، ولا يلحّ على الله فيه، مع ضرورة التّنبّه إلى أنّ استجابة الدعاء لا تنحصر في تحقيق ذات المطلوب؛ فقد يؤخّرها الله -سبحانه- للعبد في الآخرة، أو يرفع عنه شرّاً ما، وربّما كانت إجابة الدّعاء فيها أذىً أكبر للعبد؛ فكان عدم الاستجابة رحمة من الله به،[٦] ومن موانع إجابة الدعاء: الدعاء بقطيعة الرَّحِم أو الإثم، وكثرة ارتكاب المعاصي والمُحرَّمات التي بيَّنَها الله -تعالى-.[٧]
فَضْل الدعاء
يُعَدّ الدعاء من أجلّ العبادات التي يتقرّب بها العبد من ربّه؛ فالمسلم الذي يحرص على طلب حاجاته من الله وحده هو بذلك يدلّل على صدق إيمانه وحُسن إقباله على الله -تعالى-،[٨] وقد دلّت العديد من النصوص الشرعيّة على فَضْل الدعاء، ومنها: قَوْل النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (لا يردُّ القضاءَ إلَّا الدُّعاءُ، ولا يزيدُ في العمرِ إلَّا البرُّ)،[٩] وقال -صلّى الله عليه وسلّم-: (الدُّعاءُ ينفع مما نزل ومما لم ينزِلْ، فعليكم عبادَ اللهِ بالدُّعاءِ)،[١٠] وقال أيضاً: (سلُوا اللهَ مِنْ فضْلِهِ، فإِنَّ اللهَ يُحِبُّ أنْ يُسْأَلَ، وأفضلُ العبادَةِ انتظارُ الفرَجِ)،[١١] كما قال -عليه الصلاة والسلام-: (الدُّعاءُ هوَ العبادةُ ثمَّ قال وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)،[١٢] فالدعاء هو العبادة الحقيقية؛ لِما فيه من الإقبال على الله وحده؛ فلا يرجو إلّا إيّاه، ولا يخاف إلّا منه، وبذلك فإنّ العبد يعترف بعبوديّته لله -تعالى-.
</ul>