في أنفسنا آياتٌ لا تنتهي، فلو أن الإنسان صرَف عمرَه كلَّه في التدقيق في أجهزتِه وأعضائه، وعضلاته، وأعصابه، لانْقَضَى العمر ولم تنقضِ هذه الآيات الدالةُ على عظمة الله تعالى، وصدق القائل:
وفي كلِّ شيءٍ له آيةٌ *** تدلُّ على أنهُ الواحدُ
فاللهُ سبحانه وتعالى خلَق الخلق، وهو أعلم بما يضرُّهم وما ينفعهم؛ فيذكر في القرآن الكريم توجيهات للإنسان في حياته إلى حين وفاته، فعندما يُحرم شيئًا في كتابه ويُكرِّر التحريم في أكثر مِن آية كما في تحريم لحم الخنزير؛ حيث ورَد التحريم في أكثر مِن موضعٍ في كتاب الله؛ فهذا يدل على إحاطته وعلمه بما كان، وما سيكون، وما لم يكن.
وفي هذه الأيام يوجد فزَعٌ وخوف مِن أمراض الخنازير، فلم تكن هذه الأمراض غريبةً، لكن الطب الحديث ليؤكِّد ما ذكَر في القرآن الكريم منذ ما يزيد على 14 قرنًا من الزمان، وفي هذه السطور سوف نُعطي إن شاء الله نبذة عن هذا الحيوان المحرَّم.
الإعجاز العلمي في تحريم لحم الخنزير:
قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 173]، ماذا نعرف عن الخنزير؟
الخنزيرُ حيوان ثديي، خبيثُ الطبع، تجتمع فيه الصفاتُ السبعية والبهيمية، فهو آكِل كل شيء، وهو نهم كانس؛ فيأكل القمامات والفضلات والنجاسات بشراهة ونَهَم، وهو مفترس يأكل الفئران وغيرها، كما يأكل الجيَف، حتى جيف أقرانه وحتى فضلاته، ولو رُبِّي في أنظف الحظائر! بل يتعمَّد ترك فرائسه الميتة عدة أيام حتى تتعفَّن قبل أن يلتهمَها.
والخنزير سريع التوالد؛ إذ تلد أنثاه ما بين (10 - 20 خنوصًا)، وهو سريعُ النمو، وسببُ هذا النمو السريع هو الزيادة في هرمون النمو، والخنزير شرس الطبع، شديد الجماع، وتسود حياته الجنسية الفوضى.
ولحم الخنزير يحرم أكله بنصِّ القرآن الكريم، وقد ذهب الجمهور إلى أن الخنزير كله مُحرم؛ لحمه، وشحمه، وعظمه، وكل أجزائه، ولا يجوز الانتفاع به بأيِّ وجه من الوجوه؛ لأن التحريم لذاته؛ أي: لعلة مستقرة فيه، وهو وصف لاصق به.
أما اللحومُ الأخرى فهي مُحرَّمة لعلَّة عارضةٍ عليها، فالشاة مثلًا إذا ذكيتْ فلحمُها حلال طيب، ولا تحرم إلا إذا كانتْ ميتةً أو ذُبحتْ لغير الله، والمؤمنُ مُلتزمٌ حين يأتيه الأمر أو النهي مِن الله بالسمع والطاعة، حتى ولو لم يفهم علة الأمر والنهي.
الأضرار الصحية لتناوُل لحم الخنزير:
الفرق بين لحم الخنزير وغيره من اللحوم: أن لحم الخنزير يحتوي على كمية كبيرة من الدهون، تتخلَّل ضمن الخلايا العضلية في اللحم، علاوة على وجودها خارج الخلايا في الأنسجة الضامَّة بكثافة عالية، في حين أن لحوم الأنعام تكون الدهون فيها مفصولةً عن النسيج العضلي، ولا تكون ضمن الخلايا، وإنما خارج الخلايا وفي الأنسجة.
وقد أثبتت الدراساتُ العلمية أن الإنسان عندما يتناول دهون الحيوانات آكلة العشب، فإنَّ دُهُونها تُستحلب في أمعائه، وتُمتصُّ وتتحوَّل في جسمه إلى دهون إنسانية، أما عندما يأكل دهون الحيوانات آكلة اللحوم ومنها الخنزير، فإن استحلابها عسيرٌ في أمعائه، وإن جزئيات (الفليسريدات) الثلاثية لدهن الخنزير تُمتصُّ كما هي دون أن تتحول، وتترسَّب في أنسجة الإنسان كدهون حيوانية أو خنزيرية.
والكوليستيرول الناجم عن تحلُّل لحم الخنزير في البدن يظهر في الدم على شكل كوليستيرول جزئي كبير الذرة، يؤدي بدوره إلى ارتفاع في ضغط الدم، وتصلُّب الشرايين؛ مما يؤدي إلى احتشاء عضلة القلب.
وقد ثَبَتَ عمليًّا أن لحم الخنزير يحتوي على نسبة عالية مِن هرمون النمو الذي يُؤدي إلى زيادة نمو البطن (الكرش)، وزيادة معدل النمو، وخاصة نمو الأنسجة المهيَّأة للنمو السرطاني.
ويَحتوي لحم الخنزير أيضًا على مادة (الهستامين) التي تُؤدِّي إلى أمراض جلدية؛ مثل: الإكزيمة، والتهاب الجلد العصبي، وغيرهما.
الأمراض التي ينقلها الخنزير:
حرمت الشريعة الإسلامية لحم الخنزير، وطبق المسلمون الأمر طاعةً لله دون أن يناقشوا العلة من التحريم، ولكن العلماء أثبتوا نتائج مدهشة في الأبحاث التي تختصُّ بنقل الخنزير للأمراض؛ فأثبتوا أن لحم الخنزير مَرتعٌ خصب لأكثر من 450 مرضًا وبائيًّا، وهو يقوم بدور الوسيط لنقل 57 منها إلى الإنسان، مِن هذه الأمراض:
1- إنفلونزا الخنازير: وهو وباء أزعج وأفزع العالم كلَّه هذه الأيام، ينتشر هذا المرض على هيئة وباء يُصيب الملايين من الناس، ومِن مضاعفاته الخطيرة: التهاب المخ، وتضخُّم القلب، وغيرهما.
2- الحمرة الخنزيرية والدودة الشريطية، والحمَّى القلاعية والسالمونيلا...، وغيرها من الأمراض التي يطول بنا المقام لذِكْرِها، ومن الاكتشافات الحديثة التي أظهرتها الهندسة الوراثية أن هناك فيروساتٍ مرضيةً تندمج بالحامض النووي للخنزير، وتنتقل للإنسان فتُسبِّب له أمراضًا خطيرة، علمًا بأن هذه الفيروسات لا تموت بطرق الطبخ المعروفة.