الإسراء: هو ذهاب الله بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم راكبًا على البراق من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى في القدس في جزء من الليل، ثم رجوعه من ليلته.
الإسراء: هو ذهاب الله بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم راكبًا على البراق من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى في القدس في جزء من الليل، ثم رجوعه من ليلته.
المعراج: هو صعود الرسول صلى الله عليه وسلم من المسجد الأقصى في تلك الليلة بعد إسرائه إلى السموات العلى، ثم إلى سدرة المنتهى، ثم رجوعه إلى بيت المقدس من تلك الليلة.
أ- أما بركاته الدينية، فلكونه مقر الأنبياء، ومهاجر الكثير منهم، وقبلتهم، ومهبط الملائكة، وهو أحد المساجد الثلاثة التي تُشَد إليها الرحال: مسجد مكة، ومسجد المدينة، ومسجد بيت المقدس، والتي يضاعف فيها ثواب الصلاة.
ب- وأما الدنيوية فلما يحيط بها من الأنهار الجارية، والزروع والبساتين النفرة.
6- ﴿ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ﴾ المراد بها ما أراه الله لنبيه في هذه الليلة من مخلوقات الله وآلائه، وجلاله، وعجائب صنعه، والتعبير بـ ﴿ مِنْ ﴾ هنا غاية البلاغة، لأن الله أرى نبيه بعض آياته لا كلها، إذ آيات الله لا تنتهي، ولا يتسع لها قلب بشر.
7- وما أبلغ أن يختم الآية بقوله: ﴿ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ فهو وعد للمؤمنين بالِإسراء بالجميل، والثواب الجزيل، ووعيد للمكذبين المرجفين للصدر السابق نفسه".
جمهور السلف والخلف من العلماء على أن الإسراء والمعراج كانا في ليلة واحدة، وبروح الرسول صلى الله عليه وسلم وجسده، وهو الذي يدل عليه قوله تعالى في أول سورة الإسراء ﴿ بِعَبْدِهِ ﴾ ولا يكون إلا بالروح والجسد.
وهناك أحاديث صحيحة تشير إلى أن الإسراء والمعراج كانا بالروح والجسد: منها أنه شُق صدره الشريف، وركب البراق، وعُرج به إلى السماء، ولاقى الأنبياء، وفُرضت عليه الصلوات الخمس، وأن الله كلمه، وأنه كان يرجع بين موسى عليه السلام وبين ربه عز وجل.
الإسراء ووحدة الوجود:
لقد وقع بعض الكتاب المعاصرين في وحدة الوجود حين كتبوا عن الإسراء، فقال الدكتور محمد حسين هيكل في كتابه: (حياة محمد صلى الله عليه وسلم):
فهذا الروح القوي قد اجتمعت فيه في ساعة الإسراء والمعراج وحدة هذا الوجود بالغة غاية كمالها،.. تداعت في هذه الساعة كل الحدود أمام بصيرة محمد، واجتمع الكون كله في روحه فوعاه منذ أزله إلى أبده، وصوره في تطور وحدته إلى الكمال عن طريق الخير والفضل.
بطلان فكرة وحدة الوجود:
وفكرة وحدة الوجود فكرة خاطئة وافدة إلى الإسلام فيما وفد إليه من آراء فاسدة، وهي من مخلفات الفلسفات القديمة، وقد انتصر وتشيع لها بعض المتصوفة الذين ينتسبون إلى الإسلام، وكتب فيها، فكان عاقبتهم الإلحاد في الله وصفاته.
وقد أبان بطلانها كثير من علماء الأمة الراسخين في العلم المتثبتين في العقيدة؛ والقول بها يؤدي إلى القول بالطبيعة، وقدم العالم، وإنكار الألوهية، وهدم الشرائع السماوية، التي قامت على أساس التفرقة بين الخالق والمخلوق، وبين وجود الرب، ووجود العبد، ومقتضى هذا المذهب أن الوجود واحد، فليس هناك خالق ومخلوق، ولا عابد ومعبود، ولا قديم وحادث، وعابدوا الأصنام والكواكب، والحيوانات حين عبدوها إنما عبدوا الحق، لأن وجودها وجود الحق، إلى آخر خرافاتهم التي ضلوا بسببها، وأضلوا غيرهم، والتي أضرت بالمسلمين، وجعلتهم شيعًا وأحزابًا.
ولقد بلغ من بعضهم أنه قال: إن النصارى ضلوا لأنهم اقتصروا على عبادة ثلاثة، ولو أنهم عبدوا الوجود كله لكانوا راشدين.
وتفسير الإسراء والمعراج بهذه الفكرة يقتضي إنكارهما على حسب ما جاء به القرآن والسنة الصحيحة المشهورة، فليس هناك إسراء حقيقة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى بذات النبي صلى الله عليه وسلم، وليس هناك عروج بالنبي من بيت المقدس إلى السماوات السبع..، وما الداعي إلى ذلك ما دام الكون كله قد اجتمع في روح النبي كما قال صاحب هذا الرأي، فالمسجد الحرام، والمسجد الأقصى في روحه، والسموات وما فيهن في روحه، ثم ما الداعي إلى كل هذا التكلف والإغراب من الدكتور هيكل -يرحمه الله- في فهم نصوص صريحة جاءت بلسان عربي مبين؟!
"انظر الإسراء والمعراج للشيخ محمد أبو شهبة ص 32 - 34".
1- يكاد يجمع المحققون من العلماء على أن الإسراء والمعراج كانا بعد البعثة المحمدية، وأنهما كانا في اليقظة والمنام: [كما سيأتي في بحث عقوبة العصاة]..
2- وقد اختلف العلماء في أي سنة كان؟ وفي أي شهر؟
أ- قال البعض: إنهما كانا قبل الهجرة بسنة، وإلى هذا ذهب الزهري، وعروة بن الزبير، وابن سعد وادعى ابن حزم الِإجماع على هذا.
ب- والذي عليه أكثر المحققين أنهما كانا في شهر ربيع الأول، وقيل في شهر ربيع الآخر، وقيل في شهر رجب وهو المشهور بين الناس.
ج- والذي ترجح عند العلماء أن الإسراء والمعراج كانا في ليلة الثانية عشر من شهر ربيع الأول فقد ذكر ابن كثير في "البداية والنهاية" أثرًا عن جابر وابن عباس يشهد لذلك:
قال جابر وابن عباس: (وُلد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول، وفيه بُعث، وفيه عُرِج به إلى السماء، وفيه هاجر).
أقول: يشهد لبعض هذا الأثر الحديث الآتي:
"سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الإثنين؟ قال: ذاك يوم وُلدتُ فيه، وفيه بُعثت، وفيه أنزل عليَّ" (أي القرآن). "رواه مسلم".
الإسراء والمعراج حق أخبر بهما القرآن والسنة، فوجب التصديق بهما، وأنهما من المعجزات، وهما أمران ممكنان للعقل، ومن ادعى استحالتهما فعليه البيان.
إن العلم الحديث يطالعنا الآن باكتشافات جديدة: فالطائرة النفاثة تسبق سرعة الصوت، وأمكن الصعود إلى القمر، إلى غير ذلك من المخترعات؛ فإذا كان الإنسان مع ضعفه قد استطاع أن يقوم بمثل هذه الاختراعات التي جعلت من المسافات البعيدة قريبة ضمن قوانين دقيقة، أفلا يقدر خالق هذا الإنسان والكون أن ينقل رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى حيث أراد بقدرة فائقة وسرعة عجيبة؟ إنه على كل شيء قدير.
الحوادث التي سبقت الإسراء:
إن القارىء لسيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يرى أن حادثة الإسراء والمعراج قد سبقتها أحوال قاسية، وحوادث أليمة، أحاطت بالرسول من كل جانب واعترضت سبيل دعوته وسببت له مشاكل كثيرة، لو حصلت لغيره من الدعاة والمصلحين لأوهنت قواهم وأعاقتهم عن دعوتهم، ولكن ما في الرسول صلى الله عليه وسلم من شجاعة وصبر، وإيمان بصدق دعوته جعله يستهين بكل ما يحصل له ويعترض طريقه، ولعل في هذا درسًا عمليًا مفيدًا للدعاة والمصلحين من حملة رسالته ليقتدوا به، ويستهينوا بالصعاب التي تعترض سبيلهم.
وأهم هذه الحوادث الأليمة التي سبقت إسراءه صلى الله عليه وسلم ثلاث:
1- موت عمه أبي طالب:
لا شك أن أبا طالب كان نصيرًا لابن أخيه محمد صلى الله عليه وسلم وحاميًا له، حيث لم يجرؤ أحد أن يُلحِق بالنبي أذىً شديدًا إلا بعد موت عمه، إذ وجد الكفار فرصة سانحة للاستخفاف بشأنه والإمعان في إيذائه صلى الله عليه وسلم.
2- خروجه إلى الطائف:
لقد ضاق الرسول صلى الله عليه وسلم بالمشركين في مكة ذَرْعًا بعد كل هذا التكذيب والإيذاء الذي صدر منهم له، فكان لا بد له من الانتقال إلى بلد آخر لنشر الدعوة فيه.
وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف أقرب بلد إلى مكة، وله فيها أقارب وأرحام لعله يستعين بهم على المشركين في بلده، وعسى أن يجد منهم عطفًا عليه؛ وتصديقًا لدعوته، وتسلية لمصابه، وإكرامًا لضيافته؛ ولكن الأمر كان على العكس تمامًا؛ إذ ما كاد يعرض الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم دعوته حتى خفّوا لتكذيبه وإخراجه من بلدهم، ولم يكتفوا بذلك حتى سلَّطوا عليه عبيدهم وسفهاءهم يقذفونه بالحجارة مما أدمى قدميه، ولم يعد يستطيع متابعة السير عليهما، فجلس قرب بستان لأحد أعدائه؛ وقد أسند ظهره إلى حائط، يمسح الدم بيده بعد أن أنهكه التعب والجوع والجراح؛ وإذا بملَك الجبال يهبط من السماء وَيعْرِض عليه أن يطبق عليهم الجبلين فيهلكهم، فلا يكون جواب الرسول الكريم الرحيم إلا أن يقول: (بَلْ أرْجُوا أنْ يُخْرجَ الله مِنْ أصلابهم مَنْ يَعْبُد اللهَ وحدَه؛ لا يشرِك به شيئًا). "متفق عليه".
جلس الرسول صلى الله عليه وسلم يفكر كيف يستطيع أن يدخل مكة بعد هذا كله، فأرسل إلى الأخنس بن شريق أن يدخل مكة في حمايته وجواره، فأبى، ثم أرسل إلى المطعم بن عدي بطلبه هذا، فرضي، وكان يذكرها له.
3- موت خديجة:
لقد زاد في مرارة هاتين الحادثتين (موت عمه وخروجه إلى الطائف) موت زوجته الوفية "خديجة" -رضي الله عنها- التي كانت تخفف آلامه، وتشجعه في دعوته، وتمده بأموالها؛ فخلا الميدان من العم الشفيق الناصر، وانطفأ سراج البيت بموت الزوج الحبيب المؤنس، فسمى بعضهم ذاك العام "عام الحزن".
بعد كل هذه الحوادث الأليمة، والهزات النفسية التي زادت من هموم الرسول صلى الله عليه وسلم وأتعابه، أراد الله أن يكرمه بِالِإسراء والمعراج ليريه من آياته وليلتقي بالأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- الذين وجدوا في دعوتهم من الصعاب مثل ما وجده في دعوته ها هم الأنبياء يقتدون به في بيت المقدس، وها هي الملائكة ترحب به في السماوات، وكأنه قيل له:
يا محمد لئن كان يؤذيك شتم السفهاء في الأرض أما يُرضيك ترحيب الملائكة والمرسلين بك في السماوات؛ لئن اصطف حولك الجاهلون المجرمون يرشقونك بالحجارة، فهاهم الأنبياء يصطفون خلفك لتؤمهم في صلاتهم.